"عالسوق نازل" احد الشعارات والأغاني والأهازيج الرمضانية التي اعتاد أهالي مدينة نابلس وبالأخص الأطفال منهم على ترديدها خلال إحيائهم ليالي رمضان.
الحاج أبو حيدر مواطن نابلسي تحدث عن هذه الفعالية السنوية وقال: "كان شهر رمضان كريماً حقاً، وحافلاً بالإثارة بحيث كنا نرتقبه بلهفة وشوق, فهو الشهر الوحيد لنا الذي يتاح فيه الكثير من الحرية فضلاً عن التسامح والملاطفة والوعود السخية من قبل الأهل، ولما يرافقه من مباهج ومسرات خاصة به دون غيره من شهور السنة, ففي الأيام العادية كان يحظر علينا التأخر خارج البيت إلى ما بعد غروب الشمس مهما كانت الأسباب, أما في رمضان فإن الليل بطوله أمامنا نلهو فيه ونلعب ونستمتع بكافة الفرص المتاحة للأطفال".
وأضاف أبو حيدر أنه وبمجرد إثبات رؤية الهلال أو استكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً, يعلن عن حلول الشهر المبارك بإطلاق سبع طلقات مدفع يومض على سفح جبلي عيبال و جرزيم نور ساطع، فيهرع الأطفال إلى خارج المنازل فرحين مستبشرين مردّدين بابتهاج:" أثبتوها أثبتوها" بالألف النابلسية المائلة, ويعلو هتافهم تحية للشهر الفضيل, وما إن تنطلق الطلقة السابعة, حتى يسرعوا إلى أهلهم طالبين منهم "خرجية" و شراء ما يحلو لهم عند النزول إلى "السوق نازل".
وتابع قوله: "أما نحن كالأطفال, صبياناً وبنات في وقتها كنا نجتمع مع أولاد الجيران خارج منازلنا وفي أيدينا الفوانيس ونسير في مواكب إلى وسط البلد, إلى ساحة المنارة, وغالباً ما تتقدمنا إحدى الفتيات مرددة مدائح رمضان ونحن نردد وراءها:" عالسوق نازل يا نازل ...تحت المنازل يانازل ... وانزلت عالسوق نازل..... ولقيت لي تفاحة ... حمرا حمرا لفاحة ....حلفت ما بادي أذقها ....ليجي خيّي وبيّي .... إجا خيّي وبيّي...بالاضافة الى تتمه طويلة ".
مسيرة
وذكر أبو حيدر أن الصبيان والبنات كانوا ينظمون مسيرات تنتهي بلقائهم في مكان واحد، وكان صوتهم يعلو بالمديح.
وأضاف: " لقد كنا نتنافس ونتفاخر بعدد أفراد المجموعة وارتفاع أصواتنا بالمديح المتقن, وما إن نصل إلى ساحة البلدة، حتى نسارع إلى شراء ما يعرضه الباعة المتجولون من أصناف الحلوى لاسيما غزل البنات والكعكبان, بالإضافة إلى الترمس والفول "والجدَيِّد عامُه"، وفي الليالي شديدة البرودة كنا نأوي إلى دكان بائع السحلب، ونتناول كؤوساً يعلوها مسحوق القرفة والزنجبيل ندفئ بها أجوافنا".
مباريات ومسابقات
وضمن الفقرات التي كانت من فعاليات السوق نازل بحسب ما قال أبو حيدر، تنظيم مباراة بين "الشراقة" "والغرابة"، بحيث يتبادل كل من الفريقين خطف أفراد المجموعة الأخرى وكل من يخطف أكثر يكون فائزاً، وكل ذلك كان يتم في خان التجار العتيق.
ويضيف أبو حيدر: "كانت جموع الشباب تقصد هذا المكان من كلا الجانبين, الشراقة يهتفون "نحن الشراقة دوبنا لفينا"، والغرابة بالمقابل يهتفون "نحن الغرابة دوبنا لفينا".
ويجتمع كل فريق على بعد بضعة أمتار من الحد الفاصل في الجانب القادم منه, وهناك يبدؤون استعداداتهم للمباراة, وعلى الفريق أن يتقدم نحو الآخر ليمسك بعضاً من أفراد ذلك الفريق ويجرهم مخطوفين إلى منطقة نفوذه, وعند نهاية المباراة يحصى عدد المخطوفين لدى كل جانب, ويعتبر فائزاً من كان لديه عدد من المخطوفين أكبر مما لدى الفريق الآخر".
ونوه أبو حيدر بأن فعاليات السوق نازل قديما كانت تستمر طيلة أيام شهر رمضان ما عدا تلك الليالي التي تكون فيها الأمطار غزيرة والبرد شديداً لا يحتمل.
الحكواتي
ويعتبر الحكواتي احد أهم العناصر في إقامة هذه الفعالية بحسب ما يرى الحاج أبو حيدر وأضاف: "الجميع يعرف الحكواتي ويعرف دوره في إشاعة أجواء الفرح والسعادة في نفوس الأطفال، وما أن تبدأ قصة "السوق نازل"، حتى ترى الأطفال والنساء والرجال يتجمهرون حوله ويستمعون إلى حكايات تسرق الأذهان وتطرب الآذان".
وتعود تسمية هذه الأيام بهذا الاسم إلى ذات الفعالية ومن ذات الأفعال، فقد اخذ الاسم من طريقة إحياء الناس لهذه الفعالية، حيث ينزل الجميع إلى الشوارع ويتجمهرون ثم تبدأ المدائح والأناشيد ويلعب الأطفال ويلهون.
البلدية تنظم
وقد اعتادت بلدية نابلس ومنذ عامين وبعد تسلمها من قبل المجلس البلدي الجديد المحسوب على قائمة التغيير والإصلاح على التكفل بإحياء هذه العادة، من خلال تنظيم النشاط ودعوة الناس إليه وتوفير كافة عناصر النجاح.
بدورها قالت د.ماجدة فضة - عضو المجلس البلدي ومسؤولة اللجنة الثقافية في البلدية:" إن البلدية من خلال إقامة نشاط وفعالية السوق نازل، تسعى إلى إعادة إحياء التراث النابلسي القديم، والمتعلق بشهر رمضان على وجه الخصوص".
وأضافت: "تعمل البلدية على إقامة أمسية رمضانية تراثية في حارات البلدة القديمة في المدينة، تمثلت في عدة لوحات فنية وتراثية وشملت الحكواتي والأغاني الشعبية النابلسية، خاصة أغاني السوق نازل، والموشحات الدينية والنبوية، وتوزعت هذه الفقرات في باب الساحة و سوق الخان الجديد" .
وذكرت فضة أن هذه الأنشطة تأتي كوسيلة لكسر الحصار المفروض على مدينة نابلس، وتأكيدا على أن الشعب الفلسطيني قادر على مواصلة الحياة و قادر إلى انتزاع الفرحة والبسمة.