الكاتب الشيخ محمد بن صالح العثيمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين ، وإمام المتقين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإنه يسر أخاكم ومخاطبكم محمد بن صالح بن عثيمين من عنيزة القصيم بالمملكة العربية السعودية أن يتحدث إلى إخوانه بل إلى طائفة من إخوانه من الجزائر ، في هذا السبت 23 من شهر صفر عام 1421هـ أشكركم على هذا الاتصال الذي نرجوا الله تعالى أن يكون فيه الخير للجميع .
إخوتنا في الجزائر ؛ تعلمون ما حل في الجزائر منذ سنوات عديدة من الفتن العظيمة التي ذهب فيها الكثير من الأنفس والأموال والزروع والديار ، من أجل تحكيم الكتاب والسنة ، ولا شك أن هذا هدف نبيل ، وأنه يجب على كل مسلم أن يحقق تحكيم الكتاب والسنة لأن الله عز وجل يقول : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59) لكن هذا الغرض النبيل لا يبرر ما حصل من العدوان والآثام بقتل الأنفس البريئة من الشيوخ والعجائز والفتيان والفتيات، ولكنا نقول : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة:253).
إنّ على إخواننا في الجزائر أن يضعوا السلاح ، وأن ينزلوا إلى ديارهم وأهليهم وأن يناصحوا الحكومة بقدر ما يستطيعون دون أن يكون هناك حمل سلاح أو قتل، فالطريقة التي سلكها هؤلاء طريقة غير شرعية ، لم يأمر الله بها ولا رسوله وإنما تدفع السيئات للأكثر فالأكثر.
أيها الإخوة في الجزائر إن على صالحيكم أن يقيموا ما استطاعوا من هذا الأمر الذي حصل، بقول ليِّن لا نتهمهم في قصدهم وعقيدتهم، ولكننا نخطئهم في سلوكهم .
يلزمكم أيها الإخوة الدعاة أن تدعوا إلى الله عز وجل بالتي هي أحسن كما قال الله تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)، وقال الله عز وجل لنبيه: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:21-22)، وقال عز وجل : (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)(آل عمران:20).
أيها الإخوة الدعاة عليكم بالرفق في الدعوة إلى الله عز وجل، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، وإنه ليعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" وهذا شيء يصدقه الواقع، فإن الرجل إذا كان لينا في دعوته إلى الله استجاب الناس له، وإذا كان فظا غليظا ، تركوه ودعوته ، ولقد زكى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران:159)، ولقد صدق الله ، فقد سمعنا عن قضايا كثيرة في عصرنا الحاضر وفيما سبقه من العصور ما يحصل من الاستجابة لمن دعا إلى الله عز وجل بالرفق واللين وتيسير الأمور وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي من يبعثهم إلى الدعوة للإسلام، يوصيهم بالتيسير والتبشير ، يقول عليه الصلاة والسلام: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين".
أيها الإخوة الدعاة لا تجادلوا أهل الباطل في الحملة على باطلهم، فإن ذلك لا يزيدهم إلا نفورا ، لأن كثيرا من أهل الباطل لا يريد الحق وإنما يريد أن ينشر قوله بأي ثمن، لذا أرى أن على أهل الدعوة إلى الحق أن يبرزوا الحق ناصعا كما هو على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحينئذ سيكون مقبولا ، لأن دين الله بشعائره وشرائعه دين الفطرة السليمة، كل فطرة سليمة فإنها تقبله والإنسان مولود على الفطرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكن أبواه يهودانه إن كانا يهوديين أو ينصرانه إن كانا نصرانيين، أو يمجسانه إن كانا مجوسيين.
أيها الإخوة الدعاة، حاضروا الناس أولا بما تدركه وما تألفه نفوسهم وما تطمئن إليه قلوبهم، حتى إذا قبلوا ما تقولون وأحبوكم وألفوكم وعرفوا ما عندكم من العلم المبني على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أظهروا منكم ما تكنون، أما أن تهاجموا أولا ما هم عليه من الباطل من أجل أن تدعوهم إلى الحق فهذا قد يكون طريقا خاطئا، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بل لكل المؤمنين: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) (الأنعام:108)
أيها الإخوة الدعاة، إذا كنتم تدعون إلى الله عز وجل على بصيرة لتقيموا دين الله في عباد الله ، فلا تجزعوا لما يصيبكم من الأذى القولي والفعلي، فإن ذلك لابد أن يكون، وقد أوذي الرسل عليهم السلام فكذبوا وسخر منهم ولكنهم صبروا، قال الله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) (الأنعام:34)، وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ)(الأحقاف:35)، وقال الله عز وجل: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ. لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ. فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (القلم:48-50). اصبروا على ما ينالكم من ألم في ذات الله عز وجل، ولا تيأسوا فكم من دعوة رُدَّت في أول الأمر ثم قبلت في آخر الأمر.
أيها الإخوة الدعاة ، إذا كنتم تدعون إلى الله وإلى دين الله، فليكن أول من يقوم بذلك أنتم حتى يقبل الناس منكم ويعرف الناس أنكم صادقون واسمعوا قول الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:2-3). إياك أن تحذر من الغيبة ثم تغتاب الناس، إياك أن تحذر من الربا ثم ترابي ، إياك أن تحذر من شرب الدخان ثم تشرب الدخان، إياك أن تحذر من جلساء السوء ثم تجلس إليهم وتطمئن إليهم ، إياك أن تحذر من عقوق الوالدين ثم تعق والديك، إياك أن تحذر من قطيعة الأرحام ثم تقطع رحمك، إياك أن تحذر من الكذب في البيع والشراء ثم تكذب، إياك أن تحذر من الغش والخيانة في البيع والشراء وغيرهما ثم تفعل الغش والخيانة.
أيها الإخوة الدعاة، إياكم أن تختلفوا إياكم أن تختلفوا، إياكم أن يكون لكل واحد منكم اتجاه يخالف الآخر، فإن ذلك ضرر في دين الله موجب للفشل كما أخبر الله تبارك وتعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال46) وقال: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:105)، وقال جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام:159)
اجتمعوا واتفقوا ولو فيما يبدوا للناس على الأقل، لأنه إذا ظهر اختلافكم بين الناس تفرق الناس ، ولم يثقوا بكم واطلعوا على عيوبكم ولم تكن لكم جبهة مهيبة ، فاتقوا الله في أنفسكم وفي عباد الله عز وجل، وإياكم أن تتحزبوا لطائفة أو فرقة ، بل يجب أن يكون هدفكم ومرجعكم الأول والآخر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك يحميكم من الاندثار ويوجب الهيبة في قلوب الناس ، فإن للمتمسك بشريعة الله هيبة يلقيها الله تعالى في قلوب الناس، لا يصنعها جاه ولا غنى ولا كثرة علم .
نسأل الله عز وجل أن يعينني وإياكم جميعا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب ، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.