بعد أن بينا وجوب تربية الأولاد ورعايتهم، وتحدثنا عن أهمية العناية بجانب التربية، نأتي إلى بيان فضائل تربية الأولاد، وأجر ذلك في الدنيا والآخرة.
1-للمربي مثل أجور من رباهم
وأول شيء نبشر به المربي الصالح سواء كان من الآباء والمعلمين أن له أجرا مضاعفا لا حد له، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:« مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»([1])، فكل شيء يلقنه المربي للولد فيعمل به فإن له مثل أجره ما عمل به، وأي فضل أعظم من هذا، إذ هذه الدعوة قد تكون من الأب كما تكون من غيره، وليحذر المربي من أن ينطبق عليه الشطر الثاني من الحديث.
2-الأولاد من أعمال الآباء
ومما يؤكد الفضيلة الأولى أن الأولاد من أعمال الآباء ، ومن ثمرة ذلك أن الحسنات التي يعملها الولد الصالح يكون لوالده أو معلمه منها نصيب، ولو لم يكن هو من علمه إياها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ »([2]). فالأولاد بنص هذا الحديث من أعمال الإنسان التي تبقى بعد موته، والأعمال منها ما هو صالح يؤجرون عليه، ومنها ما هو دون ذلك، كما تأول الحسن البصري قول المولى عز وجل: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) [هود/46]
3-البنات حجاب عن النار
ولما كان كثير من الناس لا يرغبون في البنات، وربما يرون صعوبة في تربيتهن على الطريق المستقيم فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في الصبر على ذلك بما لم يرغب به في حق من كان له ذكور، قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([3])، فبشر من صبر عليهن فرباهن كما أراد الله عز وجل منه بالجنة وأنهن يمنعنه من العذاب، والظاهر أن الأمر لا يختص بمن كان له ثلاث بنات، فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ»([4]). و"من عال" معناه من قام عليهما بالمؤنة والتربية، وهذا الحديث أصح إسنادا من الأول وأكثر فضلا فصحبة النبي صلى الله عليه وسلم أعلى منزلة من مجرد النجاة من العذاب، وكذلك هو أوسع معنى بحيث يشمل من عال غير ابنتين كأن يكن أختين أو نحو ذلك.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا:« مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ »([5])، وظاهر قوله "بشيء" يشمل البنت الواحدة، وعبارة الإحسان تشمل معنى الإعالة والتربية وحسن الصحبة وكل حقوق الأولاد.
4-التكريم في الدنيا بالذكر الحسن
ومن فضائل حسن تربية الأولاد التكريم في الدنيا بالذكر الحسن، وإن تعالى مدح إسماعيل عليه السلام في كتابه، فكان من أهم ما أثنى به عليه أنه كان مهتما بأهله يأمرهم بالصلاة ويربيهم على العبادة فقال سبحانه : (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) (مريم:55)
وإن الله تعالى كرم عبدا صالحا من عباده فذكره باسمه في القرآن، مع أنه لم يذكر كثيرا من الأنبياء فيه، وما ذلك لوصيته العظيمة لابنه ولحرصه على تربيته على العقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة، قال تعالى :(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13).
5-شرف عظيم يوم القيامة
ومن فضائل تربية الأولاد الشرف العظيم يوم القيامة، لأن من حسن تربية الأولاد تحفيظهم القرآن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في جزاء صاحب القرآن يوم القيامة:« ويكسى والداه حلتان لا يقوم لهما أهل الدنيا فيقولان بما كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن » ([6]).
[1]/ رواه مسلم (4831).
[2]/ رواه مسلم (3084).
[3]/ رواه ابن ماجة (3659) وصححه الألباني .
[4]/ رواه مسلم (4756).
[5]/ رواه البخاري (5995) ومسلم (2629) واللفظ له.
[6]/ رواه أحمد (5/348) وحسنه الألباني .