ومما يبين لنا أهمية موضوع تربية الأولاد أن نلقي نظرة في أثر إهمال تربية الأولاد وتعلم أصولها على المجتمع، ومن ذلك:
1-انتشار الفواحش والأمراض الأخلاقية في المجتمع
فكل آفة يراها الناس في طريق المسلمين، وكل خلق سيئ انتشر في بلادهم، وكل
مرض أخلاقي أصاب شبابهم، سببه الأول هم الآباء الذين أهملوا تربية أبنائهم
وبناتهم، وقصروا في صيانتهم وحفظهم عن الشرور والأخلاق الذميمة .
2-ظهور العقوق والتفكك الأسري
ومن
الأمراض المنتشرة ظهور عقوق الوالدين وتفكك الأسر ، وهذا من أظهر آثار
إهمال تربية الأولاد، وقد قال بعض أهل العلم إن الله سبحانه يسأل الوالد عن
ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده فإنه كما أن للأب على أبنه
حقا فللابن على أبيه حق، فكما قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ
بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ) (العنكبوت:8) قال تعالى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم:6) .
قال
ابن القيم معلقا على قوله:« فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية
الأولاد بآبائهم … فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه
غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم
وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم
ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال يا أبت إنك
عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا»1.
3-انحطاط الأمة الإسلامية وذلها لأعداء الدين
وما أصاب المسلمين في العصور المتأخرة من ذل وصغار أما المشركين والكفار،
إلا لأنهم ابتعدوا عن تعاليم دينهم عن عقائده الصحيحة وأخلاقه القويمة،
ولأن التمكين في الأرض منحة ربانية يهبها الله تعالى لمن يشاء وينتزعها ممن
يشاء، حسب الأسباب المقتضية لها، فأعز الله تعالى المسلمين لما كانوا
قائمين على الإسلام، فلما تخلوا عنه تخلى الله عنهم وعاقبهم ، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11)،
وإذا أردنا أن نُرجع إلى هذا الدين عزته وكرامته فما علينا إلى أن نرجع
إلى ديننا وأن نربي الأجيال الناشئة عليه ، وقد قال مالك بن أنس :" لن يصلح
آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
4-ظهور أخطاء تربوية شنيعة
ومما يجعل المسلم يدرك أهمية التربية أن يعلم أن المسلمين -وقد يكون هو
واحدا منهم- واقعون في أخطاء تربوية كثيرة، لا تعلم ولا تدرك إلا بتعلم
المنهج التربوي النبوي ، ومن هذه الأخطاء: الإفراط في استعمال التخويف الذي
يربي الأولاد على الجبن والضعف ، وإهمال التعليم واللجوء إلى أساليب
العقاب التي نهي عنها شرعا، والتربية على الميوعة والليونة، وعدم مجالسة
الأولاد، وعدم العدل بين الأولاد في العطية، وإظهار التسخط بالبنات ،
وتسمية الأولاد بالأسماء السيئة وتلقيبهم بالألقاب الشنيعة أو الرخوة،
والتدخين والتلفظ بالكلام غير اللائق أمامهم، وعدم مراقبة ما يشاهدونه من
برامج تلفزيونية، والتساهل في سماع الغناء، والتساهل في أمر اللباس المخالف
للشرع ، والدعاء على الأولاد بالشر وغيرها كثير مما سيأتي بيانه في هذه
السلسلة.
كيد أعداء الأمة في هذا الميدان
ومما يبين لنا أهمية التربية أن أعداء الإسلام والمسلمين من يهود ونصارى
وغيرهم، قد اعتمدوا منذ القديم أسلحة كثيرة في حربهم ضد المسلمين، والسلاح
الذي لم يتخلوا عنه ولم يتركوه حتى في أيام السلم هو سلاح إفساد العقائد
ومسخ الأخلاق، لذلك فهم يسعون جاهدين لنشر الأفكار الهدامة من العقائد
الضالة والرذائل وإبعاد المسلمين عن دينهم ، وذلك عبر أربع نقط أساسية ضمن
خطة متكاملة:
1-نشر الفساد عبر وسائل الإعلام المختلفة المكتوبة والمسموعة والمرئية.
2-إفساد الأنظمة التعليمة وعرقلتها، ونشر البرامج التعليمية المعمِّقة للجهل والمبعدة للنشء عن حقائق الدين وعن الأخلاق الفاضلة.
3-إفساد
الروابط الأسرية وضرب استقرار البيوت بطرق أهمها إخراج المرأة من بيتها
وإغرائها بمظاهر المدنية والحضارة الزائفة باسم حقوق المرأة والحرية
والمساواة مع الرجل.
4-وأخيرا
الاجتهاد في إبعاد المسلمين عن التربية الدينية، والسعي إلى تحجيم دور
المؤسسات الدينية وتطويقها حتى لا تؤدي دورها في هذا المجال.
1تحفة المودود لابن القيم (229