الكاتب أبو عبد الله محمد حاج عيسى الجزائري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد : فالناس كلهم يعرفون العلامة الألباني (1914-1999) رحمه الله تعالى محدث الشام ومفتي الأنام وأحد مجددي الدين في هذا القرن، وشيخ رافعي لواء الإصلاح والعودة إلى السنة في هذا الزمان، كل الناس يعرفه بمصنفاته الحديثية والفقهية، وبأشرطته العلمية التي ملأت الدنيا، كما يعرفونه بمواقفه الشرعية الشجاعة في قضايا الأمة المصيرية، ولكن ثمة جوانب منسية من حياة هذا العلم الشامخ، قد نُسيت أو لا يعرفها كثير من الناس، منها ما أردنا الإشادة به في هذه المقالة: وهو مشاركته في الكتابة على صفحات الجرائد والمجلات، التي تعتبر بداية بروزه إلى الأمة في نطاق واسع اخترق بلد إقامته الشام، ووسع بها دائرة دعوته وخاطب من خلالها مختلف فئات الناس وطبقاتهم.
وقد كان من ذلك-وربما كان أوله- كتابته في مجلة "الإخوان المسلمين" (وهي أسبوعية مصرية كانت تصدر ما بين سنة 1933 و1938 وما بين سنة 1942 و1954) فقد نشر فيها تعليقات على أحد مقالات سيد سابق (1915-2000م) رحمه الله في فقه السنة، نالت إعجاب الأستاذ "حسن البنا" رحمه الله (1906-1949م) فأرسل إلى الشيخ الألباني يشجعه ويحثه على الاستمرار في الكتابة في الموضوع، ولقد كانت تلك التعليقات النواة الأولى لكتابه تمام المنة بالتعليق على فقه السنة.
ومن ذلك أيضا كتاباته في مجلة "التمدن الإسلامي" التي كانت لسان حال الحركة الإصلاحية في الشام، تأسست عام 1935 واستمرت إلى عام 1982، وكان رئيسها "أحمد مظهر العظمة" رحمه الله (1909-1982م) وقد أعجب بعلم الألباني وسعة إطلاعه وبمقالاته النافعة ففسح له مجال الكتابة، فنشر له مقالات هادفة وردودا كثيرة ولم يبال بأفكار الجامدين والمعارضين للتجديد في ذلك الزمان، وكان أول مقال كتبه فيها بعنوان"وجوب التفقه في الحديث " عام 1952م، ومن أهم المقالات التي نشر الألباني في هذه المجلة سلسلة الأحاديث الضعيفة وأثرها السيئ على الأمة وذلك ابتداء من عام (1954م)، ثم سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها ابتداء من عام (1959م)، ومن أهم المقالات التي نشر في هذه المجلة رده على البوطي في كتابه فقه السيرة وقد طبع في كتاب مستقل (عام1397هـ1977م)، وكذا رده على محمد بن المنتصر الكتاني الذي سماه نقد نصوص حديثية في الثقافة الإسلامية.
ومن الجرائد التي كتب فيها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى مجلة "المسلمون" الدمشقية (وهي مجلة شهرية بدأ صدورها عام 1955 وتوقفت عام 1958) التي كان يرأسها مصطفى السباعي (1915- 1964) رحمه الله، حيث كان له فيها ركن ثابت بعنوان "عودة إلى السنة"، كان يجيب فيه عن أسئلة حديثية، ونشر فيه مناقشات علمية وردودا على كتاب ذلك الزمان كالشيخ علي الطنطاوي (1909-1999) والشيخ محمد بن محمود الحامد(1910-1969)، وكان غالب الموضوعات التي تناول مسائل حديثية خاصة ما يتعلق ببيان ضعف ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن إبراهيم الشيباني صاحب كتاب حياة الألباني:"وكان من بركات نشر مقالات الشيخ في هاتين المجلتين(يعني التمدن الإسلامي والمسلمون) صداها في المعمورة إذ بدأت تتفتح أذهان الناس في الأقطار العربية التي تصلها المجلتان إلى الحديث النبوي والالتزام به، وإلى معرفة ما صح منه وما ضعف". وقد صدر عام 1421هـ(2000م)عن دار الأطلس بالرياض كتاب "مقالات الألباني" ذكر فيه جامعه نور الدين طالب المقالات التي نشر الألباني في هاتين المجلتين من غير السلسلتين الصحيحة والضعيفة وغير تلك التي طبعها الشيخ في كتب مفردة.
ولم تقف مشاركة الألباني في عالم الصحافة عند هاتين المجلتين فقط، بل قد ذكروا في ترجمته أنه نشر ردا على عز الدين بليق في مجلة الرأي الأردنية، كما ذكروا أنه كتب مقالا عنوانه "اللحية في نظر الدين" نشر في مجلة الشهاب، وأظنها مجلة الشهاب السورية وكانت أسبوعية ترأسها مصطفى السباعي رحمه الله بين 1955 و1958م.
فهذه صفحة من صفحات حياة العالم المحدث الداعية الألباني رحمه الله نقلناها لنقف عندها وقفة مهمة-وإن كان اللبيب قد يقف معها وقفات-، فالألباني رحمه الله كان حريصا على إيصال دعوته التي كانت في مجملها الدعوة إلى الرجوع إلى السنة الصحيحة، وكان لا يتوان أن يستغل أي وسيلة من الوسائل المباحة والمتاحة، ومن ذلك الكتابة في جرائد الإصلاحيين في ذلك الزمان وإن لم يكن يتفق معهم في كل شيء، بل ربما كانت كتاباته تحمل دعوة لهم ونصيحة وتعليما وتوجيها ، لأن أصحاب تلك الجرائد مع كونهم من دعاة الإصلاح لم يكونوا في مستوى الألباني خاصة في علوم السنة النبوية، وقد نشروا له تعقبات على أكابر علماء ذلك الوقت وكُتَّاب ذلك العصر، ونحن في هذا الزمان ينبغي علينا أن نستغل كل وسائل النشر والإعلام –وإن كان فيها مخالفات شرعية بينة- من صحف ومجلات وإذاعات وقنوات، وحتى هذا الوحش الإعلامي الكبير المسمى بالنت، من واجبنا اقتحامه بإنشاء المواقع العلمية الهادفة والمنتديات العامة المؤدبة، لنوصل كلمة الحق والخير إلى أنحاء المعمورة ولننشر دعوة الإصلاح السنية، نسأل الله تعالى أن يهدينا ويهدي بنا ويجعلنا هداة مهتدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.