ارتدت الثقافة لبوس السياسة في محطات عديدة في عام 2010، كما تغير "مقاس هذا الثوب" بفعل العوامل الاقتصادية، وفي مقدّمتها الأزمة المالية العالمية التي تواصل تأثيرها على عدد من الحكومات، إذ اضطرت لتقليص ميزانيات دعم ورعاية الثقافة.
ولم يقتصر الأمر على حكومات العالم الثالث، فالاتحاد الأوروبي نفسه لم يساهم إلاّ بمليون ونصف مليون يورو في احتفالية عاصمة الثقافة الأوروبية في مدينة الرور الألمانية، من أصل 65 مليون يورو أنفقت عليها.
حرب الجوائز
لا يمكن النظر إلى جائزة نوبل للسلام لعام 2010 التي منحت للمنشق الصيني ليو شياو بو بمنظور السياسة فقط من دون الالتفات إلى تلك المعركة الثقافية التي توارت عن التجاذب الأميركي/الصيني، إذ أعلنت الصين تأسيس "جائزة كونفوشيوس للسلام" التي عدّتها "نوعاً من الرد السلمي على جائزة نوبل للسلام 2010، يشرح وجهة نظر الشعب الصيني بشأن السلام".
رؤية صينية تغاير نظرة الغرب الذي يستغل الجوائز لـ"تحقيق مآرب سياسية" من خلال توظيفها ضد أعدائه "المحتملين"، كما يرى ساسة العملاق الآسيوي.
ولأن الأكاديمية السويدية تمنح نوبل أخرى للآداب، فقد ثار جدل مشابه حول منحها للروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا، إذ احتج مثقفون وصحفيون عرب على اختيار يوسا الذي أيد "إسرائيل" في أكثر من مرة، وحتى عندما احتج عليها أثناء عدوانها على غزة في عام 2009، فإنه دعا "صديقته إسرائيل" إلى أن "تعود إلى رشدها"، وهي نصيحة رأى أن من "واجب الصديق تقديمها لصديقه".
"احتجاجات" الشرق على مواقف يوسا الداعمة للاحتلالين الأميركي في العراق والإسرائيلي في فلسطين، رافقتها "إدانة" من كتّاب وناشطين في بيرو وبلدان أميركا اللاتينية لسبب يبدو "أكثر وجاهة"، وهو أن يوسا برر مجازر الإسبان والأوروبيين التي ارتكبوها بحق الهنود الحمر سكان القارة الأصليين، لأنه رأى في مقالات كتبها أن هذا التطهير العرقي كان بدافع "التنوير" و"إلحاقهم بالنهضة والتطور".
يوسا الذي يرفض كل "الأيديولوجيات السياسية"، ويعترض على تحميلها الأدب، لا ينفك عن إطلاق المواقف السياسية، داعياً الآخرين إلى "الانكباب على دراسة أعماله"، بعيداً عن المحاكمات المؤدلجة، بعد أن "طلق السياسة ثلاثاُ" برفضه الترشح مرة أخرى لرئاسة بلاده!.
المركزية الأوروبية
اقتراب يوسا من "المركزية الأوروبية" ومن "ديمقراطية إسرائيل المزعومة" يختلف بعض الشيء عن الكاتب الفرنسي ميشال ويلبك الذي نال الغونكور هذا العام، فصاحب "الأراضي والإقليم" التي استحق عليها الجائزة قريب من دوائر الصهيونية في باريس.
ولم يكف عن شتم الفلسطينيين وكفاحهم في كتابه الشهير "المنصة"، الذي حقق مبيعات خيالية، كما أظهر المسلمين وكأنهم لا يحترمون القوانين والعدالة، إضافة إلى الحض على كراهيتهم، مما كلفّه مغادرة بلاده والعيش في إيرلندا والانتقال بـ"كراهيته" للإقامة في إسبانيا حالياً.
"الكراهية" قابلتها "محبة" من نوع مختلف لكن "لليهود"، حملها صاحب البوكر البريطانية لهذا العام، وهو البريطاني اليهودي هاورد جاكبسون عن روايته "سؤال فنكلر" الذي حاول أن يوجد "نظرة خارجة" لليهودية بوصفها هوية وشخصية، من خلال ثلاث شخصيات يهودية هم أبطال يهود يتناوبون "كراهية هويتهم ومديح فضائلها"، ليُنتج المؤلف رؤية "معقلنة" ليهوديته.
الروائي السعودي عبده خال الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية فى دورتها الثالثة (الجزيرة نت-أرشيف)
بوكر بين عالمين
لم يكن المفاجئ منح البوكر البريطانية لكاتب هزلي مغمور، وإنما إشارة البعض لانحياز المركزية الأوروبية لـ"مواقف تاريخية وسياسية وثقافية" معينة، لذلك كان مانشيت الصفحة الثقافية لإحدى الصحف العربية "جاكبسون يستوطن بوكر".
على الجانب الآخر، كانت البوكر العربية تواجه تهماً أخرى في بداية هذا العام، بعد انسحاب الناقدة المصرية د. شيرين أبو النجا من لجنة تحكيم الجائزة بسبب "طريقة التقييم" التي تتخذها اللجنة، رافضة الإدلاء بما سماه البعض "أسرار البوكر"، وانتهت العاصفة في مارس/آذار الفائت مع إعلان فوز الروائي السعودي عبده خال بالجائزة، لتبدأ عاصفة أخرى مع إعلان ترشيحات الجائزة ضمن القائمتين الطويلة والقصيرة لبوكر 2011.
غياب يعمّق الأزمة
على وقع الجوائز ومقارعاتها، فقد المشهد الثقافي العالمي نخبة من الكتّاب والمفكرين، وكما كانت حياة بعضهم صاخبة، ترك غيابهم "صخباً" من نوع آخر، إذ رحل صاحب نوبل الروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو في منفاه الاختياري، منعزلاً عن "حكم الأغنياء" الذين نقدهم في أعماله المعروفة، فقابلته حكومة بلاده بـ"برود أكبر"، وكانت تردّ على تصريحاته وكأنما تنطلق من مؤسسة كبرى أو قوة جمعية.
وفي العالم العربي، توفي الروائي والدبلوماسي السعودي غازي القصيبي بعد أسبوع واحد من إنهاء منع كتبه في بلاده، وغاب صاحب "العصفورية" قبل أن يلمس هذه "الانعطافة التاريخية" في المشهد الثقافي السعودي.
ولم يكن حظ المفكر المصري نصر حامد أبو زيد أفضل حالاً، إذ توفي ولم يُلغ حكم محكمة الأحوال الشخصية في بلده، التي عدّته "مرتداً" وفرقته بينه وبين زوجته ابتهال، التي رافقت زوجها في منفاه الاختياري حتى وافته المنية بفيروس أصابه في أثناء رحلة له إلى إندونيسيا، ليعود إلى مصر في كفن "من دون أن يظفر بحوار حضاري يعيد له مكانته في وطنه".
المفكر الجزائري محمد أركون اكتفى بتقدير أوروبي من الجامعات والمنظمات في باريس والغرب، وتوفي غير آبه بـ"تكفيره واتهامه بتحطيم المقدس"، مؤكداً لكل من قابلهم في الفترة الأخيرة نشوته كلما نطق لفظة الشهادتين.
العراق الجديد
الروائي والكاتب العراقي محيي الدين زنكنه ترك جدلاً مختلفاً بعد وفاته، إذ اختصت بتكريمه الجهات التي تعترف بالعملية السياسية في العراق، محاولة التركيز على دوره الاستثنائي في نقد "الدكتاتور"، وعلى معاناته بسبب إثنيته "الكردية"، غير ملتفتة إلى الحضور الجامع الذي عاشه الراحل بعيداً عن "تصنيفات السياسة والسياسيين".
وفي هدوء لافت غيّب الموت المؤرخ العراقي عبد العزيز الدوري في العاصمة الأردنية عمّان، غير محظي بإشادة الجهات التي أشادت بمواطنه زنكنه، تاركين هذه المهمة لمؤرخين عرب وأجانب أشاروا إلى دوره في إعادة قراءة التاريخ العربي وتركيزه على العوامل الاقتصادية في تحولات التاريخ وبناء الحضارة العربية.
وربما كان رحيل المفكر المغربي محمد عابد الجابري مختلفاً، فصاحب "نقد العقل العربي" حظي بتكريم عربي ومغربي، ونال "تقدير النخبة واستحسان العوام"، وكان المثير في كل ذلك رثاء المفكر السوري جورج طرابيشي له، فقد نشر الجابري مؤلفاته الأولى من دار الطليعة التي كان يشرف عليها طرابيشي الذي اشتبك معه ورد على طروحاته، لكن ذلك كله لم يؤسس حوارا بين الاثنين، إذ لاذ الجابري بالصمت حتى موته، لنفقد "اشتباكاً معرفياً محتملاُ".
كما فقدت الساحة الثقافية المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله الذي اعتبر رمزا للاعتدال والوحدة الإسلامية.
رحيل آخر تنازعته الدراما والمواقف "الصارخة" تمثل في وفاة السيناريست والكاتب المصري أسامة أنور عكاشة الذي أثار جدلاً واسعاً بسبب مواقفه من الفتح الإسلامي لمصر، التي ساقت له تهماً عدة شنها ضده علماء دين مستنكرين عليه "قراءة مختلفة" لتاريخ بلده، لكن التلفزيون كان كفيلاً بتحقيق شعبية له من خلال مسلسلاته لم ينلها كاتب دراما آخر في الوطن العربي.
"إيه في أمل"
وبعيداً عن السياسة والموت أصدرت فيروز ألبوماً جديداً من ألحان ابنها الموسيقار زياد الرحباني، استحضرت موروثها الفني ليُعمل "الرحباني الصغير" قراءته الاستثنائية في المراحل التي مر بها هذا المشروع الفني، ويعكس هذه القراءة على اللحظة الراهنة.