أسدلت الجزائر الستار على سنة 2010، باحتضانها خلال شهر ديسمبر لأكبر حدثين دوليين أولهما المؤتمر الدولي للأسرى الفلسطينيين الذي شاركت فيه 1000 شخصية من 50 دولة، والثاني والذي لا يقل أهمية ويرتبط كذلك بالشعوب المستعمرة، تمثل في الندوة الدولية الاحتفائية بالذكرى الخمسين لاعتماد اللائحة الأممية رقم 1514 الخاصة بنيل الشعوب والبلدان المستعمرة لاستقلالها، وقد شارك فيها أزيد من 200 شخصية دولية سياسية وثقافية وإعلامية
وتركت التظاهرتان اعترافا دوليا كبيرا بالجهود التي تبذلها الجزائر في سبيل تحرير الشعوب ومدى تمسكها بمبدإ تقرير المصير. وقبيل انتهاء السنة، عرض رئيس الوزراء، أحمد أويحيى، بيان السياسة العامة، على غرفتي البرلمان، فكانت مناسبة ليشدد على ضرورة تجفيف منابع الإرهاب وتهذيب الخطاب الديني ويحث على التقشف في ترشيد النفقات، مقيّما إيجابيا برامج الدولة في مختلف القطاعات. وأنهت الجزائر سنة 2010 على غرار كل دول العالم، على وقع التسريبات التي نشرها موقع ويكيليكس المثير للجدل، وهي التسريبات التي قال عنها أويحيى إنها “لا حدث، ولا تحرج الجزائر في شيء”، وكان من أهم الوثائق المكشوفة، ما ورد عن أحاديث بين سفير واشنطن السابق بالجزائر وزعيم الأرسيدي سعيد سعدي، وكذا الرئيس الأسبق لحركة الإصلاح، عبد الله جاب الله، والتي تحدثت عن الوشاية الكاذبة وتناول مواضيع حساسة تخص الرئيس والوضع في البلاد التي تم تناولها بشكل سلبي، بالإضافة لما ورد عن سفير الجزائر بجنيف إدريس الجزائري، في لقاء جمعه يوم 13 ماي 2009 مع نائب كاتب الدولة الأمريكية على هامش اجتماع اللجنة التحضيرية لندوة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، حيث تقول الوثيقة إن السفير الجزائري تعهد بالتعاون مع إسرائيل في هذا المجال، فضلا عن تسريبات أخرى، تحدثت عن ترخيص الجزائر لطائرات استطلاع ورصد للنشاط بجنوب البلاد، وتوقيع اتفاق بهذا الشأن، أعقبه تسليم معتقلي غوانتانامو، كما كشف عن منافسة أمريكية – فرنسية على الجزائر في المجال التجاري، وفوز الجزائر بصفقات البيومتري والبصمة الإلكترونية.
إعداد: كريمة بوعباش
فيما وضعت الأفالان حدا للجدل حول مرشحها وطوت ملف حركة التأصيل
التحضير لسباق رئاسيات 2014 يبدأ في 2010
بانتهاء سنة 2010، يكون قد مر على انتخاب رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، لعهدة ثالثة، سنة وثمانية أشهر، ورغم أن المسافة الزمنية التي تفصل البلاد عن الرئاسيات المقبلة طويلة، إلا أن الحديث عنها جاء مبكرا وسابقا لأوانه بشكل أدهش الجميع.
وخلال هذه السنة، بدأ الترويج من جهات معروفة بقوة لفكرة “التوريث” أو خلافة سعيد بوتفليقة لأخيه رئيس الجمهورية، باعتباره مستشاره المقرب وكاتم أسراره ورجل ثقته، فانتقل حديث الكواليس السياسية إلى صفحات الجرائد التي ظلت تتجاذب أخبارا غير مؤسسة حول تحضير سعيد بوتفليقة لتشكيل حزب سياسي، استعدادا لترشحه في الانتخابات الرئاسية سنة 2014، دون أن يصدر عن الرجل أي موقف، ينفي أو يؤكد صحة ما يقال عنه، الأمر الذي شجع بعض الأطراف على الاستثمار في هذا الطرح، بلغ حد تفجير قنبلة قبل أيام عن نهاية السنة، من قبل رئيس حزب التجمع من أجل الوئام المدني غير المعتمد، سيد أحمد العياشي، المسبوق قضائيا، حين قال إن سعيد بوتفليقة سيترشح باسم حزبه في الرئاسيات المقبلة، ليكذب نفسه في أقل من 42 ساعة عن إدلائه بهذا التصريح لصحيفة وطنية، في واحدة من الفضائح الإعلامية والسياسية التي شهدتها سنة 2010، في حين اعتبرها البعض عملية جس نبض، طالما أن شقيق الرئيس لم يتحرك يوما لإسكات الأفواه التي تتحدث عن ترشحه، أما البعض الآخر، فاعتبره مجرد انزلاق، سببه أيضا هذا الصمت الذي جعل من هب ودب يتاجر باسم سعيد بوتفليقة.
وإذ بقيت أغلب الأحزاب في موقع المتفرج، في موضوع الرئاسيات المقبلة، واعتبرته سابقا لأوانه، فإن جبهة التحرير الوطني خرجت عن صمتها، مستبقة جميع التشكيلات السياسية، وحتى حليفيها في الائتلاف الحكومي، وأعلنت في اجتماع دورة لجنتها المركزية المنعقدة يوم 23 ديسمبر، ترشيحها لعبد العزيز بوتفليقة، لعهدة رابعة، في رد واضح من الجبهة على قصة ترشح أخ الرئيس، وعلى خلفية حركة التقويم والتأصيل التي ربطت بالاستحقاقات القادمة، وخاصة رئاسيات 2014، ومن يرشح باسم الأفالان، وكأن هناك أطرافا ترفض ترشيح الأمين العام عبد العزيز بلخادم في حالة عدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
كما طوت الجبهة في ختام دورة لجنتها المركزية ملف حركة تقويم مسارها، أو ما عرف بحركة تقويم وتأصيل مسار الجبهة التي قادها الوزير السابق محمد الصغير قارة، ووزير التكوين المهني الهادي خالدي وبعض الوجوه الغاضبة، عن نتائج المؤتمر التاسع للحزب وطريقة تسيير شؤون الحزب، وهذا على حسب تصريحات الأمين العام، عبد العزيز بلخادم، الذي أكد حضور 321 عضو من أعضاء اللجنة المركزية في غياب عشرين من التقويميين، لكن الحركة التقويمية أكدت أنها لا تزال موجودة، وتصر على فرض معارضتها، فسنة 2010 كانت بالنسبة لحزب الأغلبية، سنة عودة الخلافات وحرب الكواليس وتراشق التهم على صفحات الجرائد، بين أقلية معارضة لبقاء بلخادم على رأس الحزب وأغلبية متمسكة به، تمهيدا للتموقع في تشريعيات 2012، وهذا بإجماع الكثير من قيادات الحزب، كعبد الحميد سي عفيف عضو المكتب السياسي المكلف بالعلاقات الخارجية.
كريمة بوعباش
عرت طبيعة نظرتها إلى أختها في العروبة والدين والجغرافيا وفتحت ملف دورها
الدبلوماسية الجزائرية تجتاز امتحان الأزمة مع مصر بنجاح
لم يتوقع أي شخص عادي أو مسؤول في الجزائر أو في مصر أو في أية دولة عربية، ولا حتى في أية دولة من دول العالم، أن تتحول المباراة الكروية المؤهلة لتصفيات كأس العالم بجنوب إفريقيا، بين الفريق الوطني لكرة القدم والمنتخب المصري، والتي لعبت في نوفمبر 2009، إلى أزمة دبلوماسية بين الجزائر والقاهرة، بعد حادثة رشق حافلة الفريق الوطني بالحجارة في القاهرة، قبل لعب مباراة الذهاب في نوفمبر، وما بدر من الإعلام المصري من إهانات للجزائر امتدت إلى المساس بشهدائها وثورتها، دون الحديث عن سب وشتم الجزائريين على شاشات الفضائيات المصرية بأرذل وأحقر الكلمات، وهي سابقة خطيرة في تاريخ الأمم والدول المتناحرة.
وكان لهذه الحادثة امتداد على الصعيدين السياسي والاقتصادي والثقافي في سنة 2010، وقد أثبتت الدبلوماسية الجزائرية حنكتها في إدارة والتعاطي مع الأزمة، الأمر الذي أحرج القاهرة، وجعلها تعيد حساباتها وتفكر مليا في الخروج من ورطة كانت من صنيعها، وحاولت استغلالها لتحويل اهتمامات المواطن المصري المغلوب على أمره عن ظروف معيشته السيئة، ومن جهة أخرى، حاولت توظيفها كورقة انتخابية لصالح نجل الرئيس مبارك، الذي يبحث عن خلافة والده في الرئاسيات المقبلة في مشهد توريثي على حساب الجزائر.
وفعلا نجحت دبلوماسية الصمت والتعقل والرزانة التي انتهجتها الجزائر والتي أصبحت سمة الدبلوماسيات الحكيمة والرشيدة والقوية في إدارة الأزمات، في دفع القاهرة إلى التعجيل إلى المبادرة بأول خطوات الصلح، فكانت زيارة الرئيس حسني مبارك، إلى الجزائر تحت غطاء تقديم واجب العزاء في وفاة والدة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، في صائفة 2010، البادرة الأولى لإذابة جليد الأزمة بين البلدين، بعد أن أمر مبارك دكاكين إعلامه وأبواق الفتنة والعار، بالكف عن حملتها العفنة ضد جزائر الثورة والشهداء والعروبة.
وقد فتحت الأزمة الجزائرية المصرية ملف دور مصر في العالم العربي والإسلامي، ومظاهر تراجعه إلى حد إحباط الرأي العام في المنطقة، بما فيه المصري ذاته، خاصة مع إصرار وجوه من النخبة المصرية الحاكمة على تشويه وتقزيم الآخر، إلى حد القذف والتنكر للتاريخ، انطلاقا من وهم كان سائدا قبل المباراة يؤكد إلى حد الجزم بأن مصر ستتأهل وستمثل العالم العربي والإسلامي في نهائيات كأس العالم، مع شحن الرأي العام المصري بهذا الوهم.
وما زاد في فتح الملف منطقا، هو الانكسارات المتتالية لأداء مصر في المنطقة، سواء من خلال موقفها المكشوف تجاه إسرائيل، ومحاصرتها لغزة، بمنع المساعدات وبناء جدار فولاذي ليس هناك ما يبرره سوى إسناد الحصار الإسرائيلي المفروض على الفلسطينيين، والأزمة المفتعلة مع كل من السعودية وقطر، تعود خلفيتها إلى دورهما المتنامي في المنطقة، بالإضافة إلى بروز الدور التركي، والإيراني، المستقطب في المنطقة، وأخيرا تقسيم السودان، رغم كونه امتدادا استراتيجيا لمصر، وأزمة مياه النيل وثورة الدول الإفريقية المطلة عليه الاتفاق المتعارف عليه، ما كرس تراجع الدبلوماسية المصرية مقارنة مع ما كانت عليه في عهد جمال عبد الناصر، ومع الموقع الجغرافي والرصيد التاريخي لمصر.
فضيحة سوناطراك، البيومتري، والرغبة في ترقية أداء الجماعات المحلية عجلت به
تعديل حكومي استغنى عن زرهوني وتخلص من شكيب خليل وحركة في سلك الولاة تقيل 11 واليا
كان التعديل الحكومي، الذي أجراه رئيس الجمهورية منتصف ماي المنصرم، الأول منذ انتخابه لعهدة ثالثة، حيث تمت تنحية وزير بثقل وزير الطاقة والمناجم السابق، شكيب خليل، وتعيين الدبلوماسي يوسف يوسفي، الممثل الدائم للجزائر في الأمم المتحدة خلفا له، وفي ذات المنصب الذي شغله في التسعينات، بعد أن كان المدير العام لمجمع سوناطراك، منتصف الثمانينات.
وكان إبعاد شكيب خليل متوقعا وغير مفاجئ بالنسبة للرأي العام أو الطبقة السياسية، حتى أن الكثير من القراءات السياسية اعتبرت التغيير الحكومي مقصودا بهدف التخلص منه، فتنحيته كانت نتيجة حتمية لفضيحة سوناطراك التي كشفت التحقيقات الأمنية تورط ابن شقيقته فيه، لكن الأمر المفاجئ هو إبقاء الرئيس على وزير الأشغال العمومية، رغم الفضيحة الكبرى التي هزت قطاعه في مشروع الطريق السيار، أحد أهم المشاريع الكبرى لبرنامج رئيس الجمهورية، وساد الاعتقاد أن الاحتفاظ بالوزير غول، يؤكد أنه تم تضليله في هذه الفضيحة وغير متورط، على حد تصريحاته شخصيا. وعرفت البلاد خلال سنة 2010، وعلى إثـر التعديل الحكومي، استحداث منصب الوزير الأول، الذي منح للوزير السابق للداخلية والجماعات المحلية، نور الدين يزيد زرهوني، بموجب التغيير الدستوري الذي أقر هذا المنصب، وعين مكانه دحو ولد قابلية، وتم إبعاد وزير التجارة، الهاشمي جعبوب، ووزير البريد حميد بصالح، الذي لم يعمر طويلا في منصبه، وكذا كاتب الدولة المكلف بالإعلام والاتصال، عز الدين ميهوبي، ودمج وزارتي الصناعة وترقية الاستثمار بوزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، واستحدثت وزارة جديدة الاستشراف والإحصائيات، أسندت لوزير الاستثمار السابق، حميد تمار، أما كتابة الدولة للإعلام فحولت إلى وزارة للاتصال بتعيين المدير السابق لوكالة الأنباء الجزائرية، ناصر مهل، على رأسها. كما أجرى رئيس الجمهورية في 30 نوفمبر 2010، حركة تغيير في سلك الولاة، شملت 40 واليا، بين إنهاء مهام وتحويلا وتعيينات جديدة، فأقال خلالها 11 واليا، وحول 28 آخرين، ورقى بموجب هذه الحركة 6 ولاة منتدبين و6 أمناء عامين، إلى رتبة ولاة.
وفي قطاع الداخلية والجماعات المحلية دائما، لم تعرف سنة 2010، تقدما كبيرا في مشروع إصدار جواز السفر وبطاقة التعريف البيومتريين، رغم الجهود الكبيرة التي بذلت، ولم تحقق الوصاية هدفها في استخراج أول جواز سفر أو بطاقة تعريف وطنية إلكترونية، كما كان مبرمجا في أفريل الماضي، وفق تصريحات أدلى بها نور الدين يزيد زرهوني، وزير الداخلية والجماعات المحلية آنذاك. ومن الأسباب التي كانت وراء تأخر إصداره، عدم التحكم الجيد لأعوان الإدارة المحلية في الوسائل التكنولوجية المعدة لجواز السفر وبطاقة التعريف الوطنية، فضلا عن الوثائق الكثيرة المطلوبة في تكوين ملفهما، والتي أنهكت المواطنين وتسببت لهم في كثير من المشاكل.
2010 سنة الفضائح المالية الكبرى في عز الانتعاش المالي
سجلت سنة 2010 عودة الفضائح المالية بامتياز، فبعد فضيحة الخليفة أو فضيحة القرن، وما تلاها من فضائح بنكية متزامنة، وقضايا الاختلاس وتحويل الأموال في عدة مؤسسات عمومية وخاصة، انتهت بمراجعة المنظومة التشريعية البنكية واتخاذ عدة إجراءات في مجال مكافحة الفساد، برزت فضيحة سوناطراك وما يعرف بـ”الطريق السيار”، لتعري حجم الفساد الذي تعيشه البلاد في عز انتعاشها المالي، ولتؤكد من ناحية أخرى أن الحكومة لم تتراجع عن مكافحة هذه الظاهرة المهددة للاقتصاد الوطني، بل على العكس قوت هذه الفضائح عزيمة الدولة في محاربة المافيا المالية التي تمكنت من نسج خيوط شبكات هامة في اغلب القطاعات.
فبأمر من رئيس الجمهورية شخصيا، وبعد أن وصلته تقارير أولية من الداخل والخارج، حول صفقات مشبوهة طالت إحدى أهم المؤسسات السيادية للدولة، وهي الشركة الوطنية للمحروقات “سوناطراك”، وتسجيل صفقات غير قانونية أبرمت في مشروع الطريق السيار الذي رصد له 11 مليار دولار، فتحت مصالح الأمن المختصة تحقيقاتها في القضيتين، فبالنسبة لفضيحة شركة سوناطراك، فقد تورط فيها مسؤولون كبار بحجم مديرها العام، محمد مزيان، وعبد الحفيظ فغولي، المدير العام لشركة طيران طاسيلي، والمدير العام للشركة الجزائرية الفرنسية “سفير”، الموجودون تحت الرقابة القضائية، إضافة إلى 10 مسؤولين آخرين. كما تورط الأمين العام لوزارة الأشغال العمومية في فضيحة الطريق السيار، حيث تم توقيفه وإيداعه رهن الحبس المؤقت، وانفجرت هذه الفضيحة بسبب صراع بين شركات فرنسية وأوروبية ضد أخرى صينية، حول بعض المشاريع المرتبطة بهذا المشروع الضخم. ومن أهم الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية في 2010 في إطار مكافحة ظاهرة الفساد، إعلانه عن تشكيل ديوان وطني لمحاربة الفساد.