المقدمه التمهيديه
الحروب البونيقية هي سلسلة من ثلاث حروب دارت بين روما و قرطاج . و هي تعرف باسم البونيقيةالتي قامت سنة لأن اللفظ اللاتيني لكلمة قرطاجي كان بونيكي Punici .
كان السبب الرئيسي للحروب البونيقية هو تصادم المصالح بين الامبراطورية القرطاجيين و الامبراطورية الرومانية الآخذتان في التوسيع . اهتم الرومان في البداية بالتوسع في صقلية ، والتي تقع تحت سيطرة القرطاجيين . في بداية الحرب البونيقية الأولى كانت قرطاج هي القوة المهيمنة على البحر المتوسط بإمبراطورية بحرية متوسعة ، في حين كانت قوة روما أخذة في الإستيلاء السريع على السلطة في ايطاليا. و بحلول نهاية الحرب البونيقية الثالثة و بعد مقتل مئات الالاف من جنود الجانبين استولى الرومان على إمبراطورية قرطاج هدموا المدينة ، لتصبح أقوى دولة في غرب البحر الابيض المتوسط . مع نهايةالحروب المقدونية المتزامنة مع الحروب البونيقية وهزيمة الإمبراطور السلوقي أنتيوكوس الثالث العظيم في الحرب الرومانية السورية (معاهدة أباميا ، 188 قبل الميلاد) في شرقي البحر المتوسط ، و برزت روما بوصفها القوة المهيمنة في البحر المتوسط و أقوى مدينة في العالم القديم . و كان ذلك نقطة تحول مرور الحضارة المتوسطية القديمة من افريقيا إلى العالم الحديث عبر أوروبا .
الحرب البونيقية الأولى
لما مات الطاغية اليوناني اغاثوقليس عام 288 ق م، كان الأجراء الإيطاليون في جيشه قد فقدوا خدمتهم، فغضبوا وحكموا مدينة مسينا اليونانية في صقلية وسموا أنفسهم "ماميرتين" يعني "تابعي اله الحرب" وأخذوا يحاربون على كل مدن صقلية. فبعدما أصبح هييرون الثاني طاغية سيراقوسة في عام 265 ق م هجم عليهم، فأرسل الماميرتين سفير إلى روما ليطلب عونهم، وسفير ثان إلى قرطاجة. وأجابت قرطاجة وبعثت جيش إلى مدينة مسينا اليونانية ومجلس أعيان روما لم تزل تتناق. لكن بعد قليل اتفق القرطاجيون مع سيراقوسة، فطلب الماميرتين عون روما ليخرجوا جيش قرطاجة. قبل الرومان الطلب المامرتيني لأن روما لم تقبل أن تكون دولة قوية مثل قرطاجة في مسينا لأنها قريبة جدا إلى جنوب إيطاليا (اليونان الكبرى التي أصبحت تحت السيطرة الرومانية)، فقرروا أن يبعثوا بجيش لتأييد الماميرتين، وبدأت الحرب البونيقية الأولى.
الجيش الروماني الأول لم يربح، لكن في عام 263 ق م، بعثت روما جيشا ثان يقدر ب 40،000 ألف مقاتل ، لترهيب و تخويف هييرون الثاني طاغية سيراقوسة ، الذي سرعان ما نقض تحالفه مع قرطاجة و تحالف مع الرومان وعقد معهم معاهدة عدم إعتداء لمدة 15 سنة.
أخذ الرومان يعدون لمهاجمة قرطاجة نفسها إنطلاقا من جزيرة صقلية حيث ثبتوا أقدامهم. فتمكنوا من إعداد أسطول كبير تألف من 250 سفينة حربية، فضلا عن 80 سفينة نقل . ولما علمت قرطاجة أخذت هي الأخرى بالإستعداد و إن كان أسطولها الباقي أقل من الروماني بقليل.
في سنة 256 ق.م بعد أبحر الرومان نحو قرطاجة فالتقوا بالأسطول القرطاجي عند رأس أقنوموس جنوب صقلية حيث أشتبكا و انتهت المعركة بهزيمة القرطاجيين ، تابع بعدها الاسطول الروماني ابحاره بقيادة القنصل مرقس اتيليوس رجولوس و نزل على الشاطىء الأفريقي حيث أنزل عدة هزائم متتابعة بالقرطاجيين مكنته من التوغل بعيدا عن الشاطىء لقضاء فصل الشتاء في مكان قريب من قرطاجة مما جعل الأخيرة تطلب الصلح منه . عرض القنصل الروماني مرقس شروطا قاسية على قرطاجة فرفضتها ثم أخذت تستعد للقتال في نهاية الشتاء باستقدام فرقة من المرتزقة المشهود لهم في القتال و التدريب و على رأسهم قائد إسبارطي محترف هو زانتيبوس الذي عمل على فوره على تدريب الجيش القرطاجي وفقا لأفضل الأساليب القتالية الإغريقية.
وفي ربيع عام 255 ق.م بعد ان أنهى الجيش القرطاجي تدريباته ، أشتبك مع الجيش الروماني الذي هزم و أسر قائده القنصل مرقس . ولكن الأسطول القرطاجي تصدى للأسطول الروماني الذي كان قادما بتعزيزات لمرقس قد مني بخسارة فادحة شلت قدرة قرطاجة البحرية لمدة ال5 أعوام التالية. وكان الأسطول الروماني وصل بعد أنتهاء المعركة البرية فأنقذ فلول جيشه تجاه شاطىء صقلية الجنوبي و لكن تحطمت أكثر من 250 سفينة– من بينها 100 سفينة قرطاجية كان الرومان قد اغتنموها فلم يتبق من الأسطول الروماني الناجي سوى أكثر من 100 سفينة فقط.
أعاد الرومان بسرعة كبيرة بناء أسطولهم الذي دمرت معظمه الأنواء و ركزوا هجومهم على القواعد القرطاجية في غرب صقلية . فسقطت مدينة بانورموس (باليرمو) في أيدي الرومان عام 254 ق.م لتتوقف الحرب بين الطرفين لمدة سنتين فقد أشتعلت الحرب بين قرطاجة و نوميديا في شمال أفريقيا عام 253 ق.م.
عام 250 ق.م حاولت قرطاجة استعادة بانورموس و لكنها منيت بالفشل مما شجع الرومان في العام التالي على مهاجمة مدينة ليلوبايوم و محاصرتها برا وبحرا. إلا أن القرطاجيين تمكنوا من هزيمة الرومان برا و بحرا هذه المرة و أستعادوا سيادتهم البحرية مؤقتا.
ووصل إلى صقلية في عام 247 ق.م القائد القرطاجي حملقارت برقا الذي اسندت إليه القيادة القوات القرطاجية في صقلية يعاونه القائدان أذربعل و قرتالو الذان كانا يقومان بتخريب سواحل إيطاليا . كما كان حملقارت يشن حرب عصابات أقضت مضاجع الرومان و أوقعتهم في مأزق مالي بسبب الخسائر و إزدياد النفقات و أستولى حملقارت على موقعين منيغين هما جبل هرقيتي قرب بانورموس و جبل إيريكس قرب دربانا و أإتخذ منهما قاعدتين لشن الغارات على القوات الرومانية.
كاد القرطاجيون أن يححقوا نصرا حاسما في صقلية لولا قرارها المبهم في إستدعاء أسطولها من صقلية لتجمع قواتها للتحكم في مناطق شمال أفريقيا الداخلية جنوب غرب قرطاجة بسبب الحرب مع نوميديا.
أستغل الرومان الفرصة فأعادوا بناء أسطولهم حيث أنزلوا 200 سفينة إلى البحر بقيادة القنصل النوميدي ماسينيسا وأرسلو جيش ليهجم على افريقيا نفسها، فبعد قليل نجت روما وأخذت اسبانلوتاتيوس كاتولوس ليضيق الحصار حول مدينتي دربانا و ليلوبايوم القلعتين القرطاجيتين. عجزت فرطاجة عن غعداد اسطول لإنقاذ هاتين القلعتين . ولم تسطع سوى إرسال حملة بحرية هزمها الرومان قرب دربانا في ربيع 241 ق.م أضطر القرطاجيون إلى قبول الصلح مع الرومان في معاهدة(قاتولوس) و الذي تتضمن تخلي قرطاجة النهائي عن جزيرة صقلية، تتعهد قرطاجة بدفع غرامة مالية قدرها 320 وزنة تسددها سنوبا على شكل أقساط لمدة 20 عاما وأن تسلم قرطاجة كل الرهائن الرومان بدون أية فدية.
الحرب البونيقية الثانية
بعد ما عبر الايبرو سار حنبعل وجيشه بسرعة، وعبروا جبال الالب في 218 ق م. لما وصلوا إلى إيطاليا دخل في جيشهم كثير الأجراء والحلفاء من عند قبيلة الگول وهزم الجيوش الرومانية في المنطقة بسهولة، ولما رأوا هذا حالفه الكثير من مدن إيطاليا ومنهم سيراكوزا. في نفس الوقت كان جيش روماني يحارب في اسبانيا. وقرب إلى روما حتى وصل إلى كابوا في 211 ق م، لكن بعد موت أخوه عزربعل في عام 207 رجع إلى مدينة بروتيوم في جنوب إيطاليا. وأخيرا حالف الرومان الملك النوميدي ماسينيسا وأرسلو جيش ليهجم على افريقيا نفسها، فبعد قليل نجت روما وأخذت اسبانيا كلها في اتفاق السلام، ومنعت قرطاج من أي حرب - حتى ولو كانت في دفاع نفسها - إلا بإذن روما.
الحرب البونيقية الثالثة
كانت روما تبحث عن الذرائع لتشن الحرب على قرطاجة من جديد لكن الجماعة الحاكمة قي قرطاحة بعد الحرب البونيقية الثانية (218-202 ق.م) كن همها الحفاظ على الوئام والسلام مع روما و الإهتمام بإنعاش التجارة في قرطاجة و زراعتها . ولم يمض كثير من الوقت حتى غدت قرطاجة ثاني أكبر مركز تجاري في غرب البحر المتوسط . كما اصبحت أرضها تغل حاصلات وفيرة . مما جعلها تعرض على روما أن تدفع الأقساط اتلباقية جميعها دفعة واحدة ، وأن تتبرع لروما و في العام نفسه و في عدة مناسبات تالية بكميات كبيرة من القمح دون مقابل.
نظرت روما إلى نجاح ونهوض قرطاجة من عثرتها بعدم الرضى و القلق الشديد الذي مرجعه الغيرة و الحسد من ناحية و الخوف من أن تعيد قرطاحو بناء قوتها مما حذا بالسناتو الروماني إلى إنتظار الفرصة المناسبة لتدمير قرطاجة . كان ماسينيسا ملك نوميديا يطمع في أن يسيطر على أراضي قرطاجية كثيرة لذلك كان دائما يزرع الخوف عند الرومان ضد قرطاجة . فكان يعتدي مرات كثيرة على ألأراضي القرطاجية فتشتكي قرطاجة الأمر للرومان و لكنهم يقفون مع حليفهم الملك ماسنيسا .
و حدث أن طلب ماسينيسا من قرطاجة السماح له بدخول طرابلس بحجة ملاحقة ثائر فر إلى برقة وعندما رفضت هذا الطلب هاجم إقليم طرابلس و أحتل سهل الجفارة لكنه عجز عن الإستيلاء على مدن طرابلس الثلاث.
أرسلت روما سفارة إلى قرطاجة بشأن الموضوع بقيادة كاتو الكبير فعاد إلى روما محرضا على شن الحرب على الفرطاجيين بحجة تكديسهم للأخشاب في الميتاء لبناء أسطولهم و أن الجيش الذي حاربوا به ماسينيسا هو نواة جيش الإنتقام من روما.
أرسلت روما بعثة أخرى إلى قرطاجة و في هذه المرة طلبت البعثة الرومانية من قرطاجة تسليم مدن طرابلس الثلاث لماسينيسا مما أثار القرطاجيين و أشعل نار الغضب فيهم لدرجة أن البعثة فرت من قرطاجة خوفا على حياتها.
و أستمر كاتو في تحريضه ضد قرطاجة حيث كان يقول في مجلس السناتو (يجب أن تدمر قرطاجة، يجب أن تدمر قرطاجة). وأنحاز الرومان لماسينيسا الذي تشجع بالخوض في شؤون قرطاجة الداخلية فما بين عامي 151-150 ق.م ظهرت الخلافات السياسية داخل قرطاجة فطرد الحزب الموالي لماسينيسا من المدينة فطلب هذا الأخير بأعادة مواليه إليها الأمر الذي رفضته قرطاجة فقامت الحرب بينهما و أنتهت بإنتصار ماسينيسا.
قامت قرطاجة بعد ذلك بإعدام القادة العسكريين و أرسلت شكوى إلى روما من تصرفات ماسينيسا لكن الرومان أستغلوا الفرصة.
في عام 149 ق.م أستسلمت أوتيكا للرومان فأعلنوا الحرب على قرطاجة . في ذلك الوقت توجهة بعثة قرطاجية إلى روما تطلب الإستسلام دون شرط أو قيد فقال لها السناتو بأنه سيسمح ببقاء حرية القرطاجيين وقوانينهم و إقليمهم و ممتلكاتهم العامة و الخاصة شرط أن يسلموا ثلاثمئة من أبرز رجالهم كرهينة و أن يطيعوا الأوامر التي يصدرها القنصلان الرومانيان المتوجهان إلى أوتيكا. فوافق القرطاجيون على كل ذلك . و عند وصول القنصلين إلى أفريقيا كشفا هدف السناتو الحقيقي بأن طلبوا من القرطاجيين أن يخلوا مدينتهم و أن يبتعدوا عن الشاطىء ل16 ميلا و اكن ذلك الشرط المفاجىء المخادع بقصد تدمير اقتصاد قرطاجة .لكن القرطاجيين لم يتخلوا عن مدينتهم و بدأوا بالتحصن فيها إلى أن سقطت و أحرقت نهائيا ودمرت بعد حصار ثلاثة أعوام متتالية (149-146 ق.م).