منظمة التجارة العالمية: التوفيق بين المصالح يتطلب الإصلاح
لعل منظمة التجارة العالمية من أكثر المنظمات المثيرة الجدل. وهذه المنظمة التي وضعت نصب أعينها تحرير التجارة العالمية لا تجني فقط المديح على صنيعها، وإنما الانتقادات الشديدة وخاصة من المنظمات غير الحكومية.
كيف يمكن مقاومة الفقر في البلدان النامية؟ وكيف يمكن منح هذه البلدان النامية تكافئاً للفرص من أجل تمكينها من الاندماج في الاقتصاد العالمي. هذه الأسئلة وغيرها لم يتم الاتفاق عليها بين الدول الأعضاء مع حلول الذكرى العاشرة لتأسيس المنظمة. وكان من المفترض أن يتحقق ذلك خلال لقاء الدوحة الأخير الذي لم يحقق أهدافه.
مُجاراة مصالح الدول الصناعية
يرى جورج كوبمان مدير أرشيف الاقتصاد العالمي في هامبورج (HWWA) أن المشكلة الاساسية تكمن في اعتبار منظمة التجارة العالمية تجسيدا للعولمة من قبل منتقديها. ويُقصد بذلك العولمة التي لا تراع مصالح الدول النامية والبيئة وظروف العمالة. ويقول بيا ابرهاردت احد العاملين في منظمة أتاك (Attac) المعارضة للعولمة: " المنظمة وجهت اهتمامها الأساسي لخدمة صادرات الدول الصناعية خلال الأعوام العشرة الماضية. وكان من نتائج ذلك زيادة الهوة بين الأغنياء و الفقراء بشكل مستمر في مختلف أنحاء العالم.
ويضيف كوبمان في مجال أخر أن قرارات منظمة التجارة العالمية تصاغ بشكل مبطن وغير واضح، إذ أنها تخضع لمصالح الدول الكبرى ذات الصوت المسموع كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن أكثر النقاط الأخرى المثيرة للجدل موضوع الدعم المالي الذي تقدمه الدول الصناعية لمنتجاتها الزراعية. فمثل هذا الدعم لا يترك أمام مزارعي بلدان العالم الثالث فرصة للمنافسة ودخول أسواق هذه الدول.
تجاوز فشل قمة كانكون
دعم الصادرات الزراعية في الدول الصناعية كان وراء فشل القمة الوزارية للمنظمة في كانكون/ المكسيك عام 2003. فخلال تلك القمة عرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حلاً يؤدي إلى تخفيض الإعانات ولكن بشكل طفيف فقط. وهذا ما رفضته البلدان النامية وعلقت على ضوئه المفاوضات. ويصف كوبمان ذلك بأنه "فشل بناء" بالنسبة للدول النامية. فقد بدت من خلاله وكأن موازين القوى تتجه لصالحها. وخلال اجتماع المنظمة في يوليو/تموز 2004 تم تجاوز الأضرار الناجمة عن ذلك. وبموجب ذلك اتفق المجتمعون على إلغاء الدعم بشكل كامل. وعلى ضوء ذلك جاءت جولة الدوحة. وخلال مؤتمر المنظمة المزمع عقده في هونغ كونغ نهاية العام الجاري يتوقع الاتفاق على مدى وتوقيت التخفيضات التي ستطبق على الدعم المقدم للمنتجات الزراعية و الصناعية و الخدمية.
تسونامي كحافز لتحرير الأسواق
سوباتشي بانتشاكدي المدير العام لمنظمة التجارة العالمية يبدو أن كارثة تسونامي دفعت باتجاه تفكير جديد بخصوص تجاوز المشاكل العالقة. فقد حث المدير العام لمنظمة التجارة العالمية سوباتشي بانتشاكدي الدول الأعضاء خلال الجلسة الختامية للقاء الدوحة على دراسة إمكانية وضع سياسات تجارية لمساعدة الدول المتضررة من الكارثة. ومما يعنيه ذلك فتح المجال أما صادرات الدول المنكوبة لدخول أسواق الدول الصناعية بشكل أسهل. وذهب بانتشاكدي إلى حد مطالبة الدول الأعضاء بتحرير أسواقها كي تكون الفائدة للجميع. غير أن القيام بذلك يتطلب دعماً أقوى من قبل رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء حسب تقرير قدمته لجنة مؤلفة من عشرة خبراء اقتصاديين برئاسة بيتر سوزرلاند المدير السابق للمنظمة ومفوض الاتحاد الأوربي للشؤون التجارية سابقاً. وجاء في التقرير الذي عُرض هذا الأسبوع في مقر المنظمة بجنيف أن تفعيل دورها يتطلب إعادة هيكلة بالكامل بحيث يتم منح جهازها التنفيذي صلاحيات أوسع وسرعة في اتخاذ القرار. كما ينبغي تعزيز تعاونها مع المنظمات الدولية الأخرى وفي مقدمتها البنك الدولي.