عبد الله بن سلام بن الحارث
هو عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي ثم الأنصاري يكنى أبا يوسف وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام كان حليفا للأنصار.
يقال كان حليفا للقواقلة من بني عوف بن الخزرج.
وكان اسمه في الجاهلية الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله.
وهو من ذرية يوسف النبي -عليه السلام-، وجزم بذلك الطبري وابن سعد، وأخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن عبد العزيز قال: كان اسم عبد الله بن سلام الحصين، فسماه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عبد الله.
أسلم أول ما قدم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- المدينة..
حاله في الجاهلية:
كان عبد الله بن سلام حبراً من أحبار اليهود الكبار في المدينة المنوّرة، وكان أهل المدينة على اختلاف مللهم ونحلهم يُجلُّونه ويعظِّمونه، وقد اقتنع بالإسلام وأسلم ،ونزل فيه قول الله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} وآية {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}
قصة إسلامه:
يروي عبد اللـه بن سلام قصة إسلامه فيقول:( لمّا سمعت رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- عرفت صفتَهُ واسمَهُ وزمانه وهيئته، والذي كنّا نتوكّف -نتوقع- له، فكنت مُسِرّاً ولذلك صامتاً عليه حتى قدم رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- المدينة، فلمّا قَدِمَ نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمّتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلمّا سمعتُ الخبر بقدوم رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- كبّرت، فقالت لي عمّتي حين سمعت تكبيري:( لو كنتَ سمعت بموسى بن عمران قادماً ما زدت!؟)...قُلتُ له:( أيْ عمّة، هو واللـه أخـو موسـى بن عمران وعلى دينـه، بُعِـثَ بما بُعِثَ به)...فقالت لي:(أيْ ابن أخ، أهو النبي الذي كُنّا نُخبَرُ به أنه بُعث مع نَفَسِ السّاعة)... فقلت:(نعم)...قالت:( فذاك إذاً )...
فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:( إنّي سائلك عن ثلاثٍ لا يعلمهُنَّ إلى نبي، فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما يَنْزعُ الولدُ إلى أبيه أو إلى أمه؟ )...قال -صلى الله عليه وسلم-:( أخبرني بهن جبريل آنفاً )...قال:( جبريل؟)...قال:( نعم )...قال:( وذاك عدو اليهود من الملائكة )...فقرأ هذه الآية... قوله تعالى:( مَنْ كانَ عدوّاً لجبريلَ فإنّهُ نزَّلَهُ على قلبكَ )...سورة البقرة آية (97)...
أمّا أول أشراط الساعة، فنار تحشُرُ النّاس من المشرق إلى المغرب، وأمّا أوّل طعام أهل الجنّة فزيادة كَبِد الحوتِ، وإذا سبقَ ماءُ الرجلِ ماءَ المرأةِ نزع الولد، وإذا سبق ماءُ المرأةِ نزعتْ )...قال:( أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله )...
اثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
كان الصحابي الجليل عَبْد اللَّه بْن سلام ممّن أسلم مبكراً، فقد بدأت قصّته مع قدوم النّبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة، فلما سمِع بقدوم النّبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وعَرَفَ أنّ الناس قد تجمّعوا لاستقباله انطلق معهم، وهو يحمل الثمر الذي كان يقطفه في أرضه، فلما نظر إليه عرف أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب، ولنَدَع سيدنا عبد الله بن سلام يروي قصّة لقائه بالنّبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه الترمذي: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ:قد قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثَلاثًا، فجِئْتُ في النَّاسِ لأَنْظرَ، فلمَّا تَبيَّنْتُ وجْههُ عرَفتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فكان أوَّلُ شيْءٍ سمعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ"، فدنوت منه وشهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، فالتفتَ النبي عليه الصلاة والسلام وقال: "ما اسمك؟" فقلتُ: الحصين بن سلام، فقال عليه الصلاة والسلام: "بل عبد الله بن سلام"، قلت: نعم، عبد الله بن سلام، والذي بعثك بالحق ما أُحبُّ أنّ لي اسماً آخر بعد اليوم.... الحديث.
أهم ملامح شخصيته:
كان الحصين بن سلام معروفاً بين الناس بالتُّقَى والصلاح، موصوفاً بالاستقامة والصدق، وكان يحيا حياةً هادئةً وديعة، ولكنها كانت في الوقت نفسه جادةً نافعة، فقد قسم وقته أقساماً ثلاثة ؛ شطرًا للوعظ والعبادة، وشطرًا في بستان له يتعهد نخله بالتشذيب والتأبير، وشطرًا مع التوراة للتفقه في الدين، هكذا وصفوه، وكان كلما قرأ التوراة وقف طويلاً عند الأخبار التي تبشر بظهور نبي في مكة، يتمم رسالات الأنبياء السابقين، ويختمها.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
ـ يروي ابن سيرين، عن قيس بن عباد، قال: كنت في مسجد المدينة، فجاء رجل بوجهه أثر من خشوع، فقال القوم: هذا من أهل الجنة، فصلى ركعتين، فأوجز فيهم. فلما خرج، اتبعته حتى دخل منزله، فدخلت معه، فحدثته ; فلما استأنس، قلت: إنهم قالوا لما دخلت المسجد: كذا وكذا. قال: سبحان الله! ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم. وسأحدثك: إني رأيت رؤيا، فقصصتها على النبي -صلى الله عليه وسلم-: رأيت كأني في روضة خضراء، وسطها عمود حديد، أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: اصعد عليه. فصعدت حتى أخذت بالعروة، فقيل: استمسك بالعروة. فاستيقظت وإنها لفي يدي، فلما أصبحت، أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقصصتها عليه، فقال: أما الروضة، فروضة الإسلام، وأما العمود، فعمود الإسلام، وأما العروة ; فهي العروة الوثقي ; أنت على الإسلام حتى تموت. قال: وهو عبد الله بن سلام.
ـ وعن سعد بن أبي وقّاص: أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- أتِيَ بقصعةٍ فأكل منه، فَفَضَلتْ فضلة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(يجيء رجل مِنْ هذا الفجِّ من أهل الجنّة يأكل معي هذه الفضلة )...فجاء عبد الله بن سلام فأكله...
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
نهى عبد الله بن سلام عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن خروجه إلى العراق، وقال:(الْزَمْ مِنْبرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن تركته لا تراه أبداً)...فقال عليّ:(إنّه رجلٌ صالحٌ منّا)موقفه مع سلمان يقول المغيرة بن عبد الرحمن: لقى سلمان الفارسي عبد الله بن سلام، قال: إن مت قبلي فأخبرني ما تلقى، وإن مت قبلك أخبرك، قال: فمات سلمان فرأه عبد الله بن سلام، فقال: كيف أنت يا أبا عبد الله؟ قال: بخير، قال: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: وجدت التوكل شيئاً عجيباً.
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
روى محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته.
وعن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده عبد الله بن سلام قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن بني فلان أسلموا لقوم من اليهود وإنهم قد جاعوا فأخاف أن يرتدوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم من عنده فقال رجل من اليهود عندي كذا وكذا لشيء قد سماه أراه قال ثلاث مائة دينار بسعر كذا وكذا من حائط بني فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعر كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا وليس من حائط بني فلان..
بعض كلماته:
قال عبد الله بن سلام ينهى عن قتل عثمان: يا قوم لا تسلوا سيف الله فيكم، فوالله إن سللتموه لا تغمدوه! ويلكم! إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة، فإن قتلتموه لا يقوم إلا بالسيف. ويلكم! إن مدينتكم محفوفة بالملائكة فإن قتلتموه ليتركنها.
مناقبه:
عن معاذ بن جبل قال:( سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:( إن عبد الله بن سلام عاشر عشرة في الجنة )...وعن يزيد بن عَميرة السّكسَكي -وكان تلميذاً لمعاذ-، أنّ مُعاذ أمره أن يطلب العلم من أربعة: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي وعُويمر أبو الدرداء...
ـ وأنه ممن يؤتون أجورهم مرتين فعبد الله بن سلام من الذين يؤتون أجرهم مرتين. لقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمةٌ يطؤها فأدبـها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران. أخرجه البخاري ومسلم. وفيه _ أي في عبد الله بن سلام _ نـزل قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فعلى رأي بعض المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو عبد الله بن سلام.
وفاته:
توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة ثلاث وأربعين.