بعض المعلومات عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
أسئلة في السيرة
السُّؤال: أُرِيْدُ بَعْضَ المعلُومَاتِ عَنْ هِجْرةِ الرَّسُولِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-؟
الجَوَابُ:
الحمدُ للهِ
لمَّا اشتدَّ الأذى مِنْ أهلِ مَكَّةَ عَلَى المسلمينَ,أمرَهُم اللهُ–تعالى-أنْ يُهاجِروا؛ليُقيموا دِيْنَ اللهِ –تعالى-في الأرضِ التي يقدرونَ عَلَى عِبَادتِهِ فيها.
فاختارَ اللهُ-تعالى-المدينةَ النبويَّةَ داراً للهِجْرةِ،وكانَ الرَّسُولُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قَدْ رأى في المنامِ أنَّهُ يُهاجِرُ إليها.
عن أبي مُوسَى عَنِ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,قالَ:" رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي(أيْ ظَنِّي) إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ,فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ . . ." الحديثَ.رواهُ البُخاريُّ (3352) ومُسْلِمٌ (4217) .
ورَوَى البُخاريُّ (3906) عَنْ عَائِشةَ,قالتْ:" قَالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- لِلْمُسْلِمِينَ : إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ".
قال الحافظُ :
(وَالْحَرَّة:أَرْضٌ حِجَارَتُهَا سُودٌ,وَهَذِهِ الرُّؤْيَا غَيْرُ الرُّؤْيَا السَّابِقَةِ في حَدِيث أَبِي مُوسَى الَّتِي تَرَدَّدَ فِيهَا النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- , قَالَ اِبْن التِّين:كَأَنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أُرِيَ دَارَ الْهِجْرَةِ بِصِفَةٍ تَجْمَعُ الْمَدِينَة وَغَيْرِهَا,ثُمَّ أُرِيَ الصِّفَةَ الْمُخْتَصَّةَ بِالْمَدِينَةِ فَتَعَيَّنَتْ. أهـ.
وأمَّا عَنْ أوَّلِ مَنْ هاجَرَ مِنْ أصحابِ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:
فعنِ البراءِ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-قَالَ:" أوَّلُ مَنْ قَدِمَ علينا مِنْ أصحابِ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مصعبُ بنُ عُمَير,وابن أم مكتوم فَجَعَلا يُقرئاننا القُرآنَ,ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وبِلالٌ وسعدٌ,ثُمَّ جاء عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ في عشرين,ثُمَّ جَاءَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, فما رأيتُ أهلَ المدينةِ فَرِحُوا بشيءٍ فَرَحَهُمْ بهِ حَتَّى رأيتُ الولائدَ والصِّبيانَ يقولُون:هذا رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,قَدْ جَاءَ . . . ".رواه البُخاريُّ ( 4560 ) .
وفي الحديثِ التَّالي مختصرٌ لكثيرٍ مِنْ أحداثِ الهجرةِ النَّبويةِ:
عَنْ عائشةَ,قالتْ : ... فَقَالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- لِلْمُسْلِمِينَ: إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ-وَهُمَا الْحَرَّتَانِ-،فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ،وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ،وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:عَلَى رِسْلِكَ،فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي,فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ-بِأَبِي أَنْتَ-؟قَالَ: نَعَمْ . فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لِيَصْحَبَهُ،وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ-وَهُوَ الْخَبَطُ-أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
ثُمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ : فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْماً جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ,قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ:هَذَا رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- مُتَقَنِّعاً فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي ،وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ.قَالَتْ : فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ،فَدَخَلَ،فَقَالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لِأَبِي بَكْرٍ:أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ.فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ،بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : الصَّحَابَةُ أي : أُرِيْدُ المُصاحبةَ-بِأَبِي أَنْتَ- يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: نَعَمْ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَخُذْ-بِأَبِي أَنْتَ-يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:بِالثَّمَنِ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ . قَالَتْ : ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ, فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ-وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ أي : حاذق سريع الفهم-فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ أيْ يخرجُ مِنْ عندِهما آخرَ اللَّيلِ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ؛فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ.وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ-مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا,حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ, يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ.وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ- وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ-هَادِيَا خِرِّيتاً-وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- . . . وَهُوَ عَلَى دِيْنِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ,فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ.وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ,فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ-وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ-أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ:جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا،مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ. فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي-بَنِي مُدْلِجٍ-,أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا-وَنَحْنُ جُلُوسٌ-,فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ،إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفاً أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ,أُرَاهَا مُحَمَّداً وَأَصْحَابَهُ.قَالَ سُرَاقَةُ:فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ،فَقُلْتُ لَهُ:إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ،وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا،انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا ، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً,ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي-وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ-,فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ،وَأَخَذْتُ رُمْحِي،فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَخَطَطْت بِزُجِّهِ الْأَرْضَ,وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا المراد أنه خرج خُفْيةً فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ،فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي,فَخَرَرْتُ عَنْهَا,فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي؛فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلامَ؛فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا: أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا؟فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي-وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ-تُقَرِّبُ بِي,حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ,وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ,سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ,حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ,فَخَرَرْتُ عَنْهَا,ثُمَّ زَجَرْتُهَا,فَنَهَضَتْ,فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا.فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً,إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ,فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ,فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ,فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ,فَوَقَفُوا فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ،وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنْ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-،فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ,وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ،وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ،فَلَمْ يَرْزَآنِيأيْ لم يأخذا مِمَّا مِعي شيئاً,وَلَمْ يَسْأَلَانِي,إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا. فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ،فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ.ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ-كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنْ الشَّأْمِ-,فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ.وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مِنْ مَكَّةَ؛فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ.فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ, فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ,أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ أي حِصْنٍ مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ,فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمْ السَّرَابُ,فَلَمْ يَمْلِكْ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ:يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ,هَذَا جَدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ.فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ,فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بِظَهْرِ الْحَرَّةِ,فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ,حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ-وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ-,فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ,وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- صَامِتاً,فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ,حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ؛ فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عِنْدَ ذَلِكَ,فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى,وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ,فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ,حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بِالْمَدِينَةِ,وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ,وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِهو الموضعُ الذي يُجففُ فيه التَّمرُلِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ-غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ-،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: هَذَا-إِنْ شَاءَ اللَّهُ-الْمَنْزِلُ.ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الْغُلَامَيْنِ,فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ؛لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِداً،فَقَالَا:لَا،بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً,حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا،ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِداً،وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ,وَيَقُولُ-وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ-:
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ
***
هَذَا أَبَرُّ –رَبَّنَا- وَأَطْهَرْ
وَيَقــــــــــــــــُولُ :
اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ
***
فَارْحَمْ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي.قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ.رواه البُخاريُّ (3906) .
ولكن هناك شُبهةٌ يقولُ بها بعضُ المشككين في الدِّينِ،يقولُون:تروي السيرةُ:أنَّ الرسولَ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-هاجر هو وأبو بكر بناقتينِ,ودخلوا الغارَ, ولحقتْهُم قُريشٌ تطلبُهم, فلو كان معهما ناقتانِ؛لعرف أهلُ قُريشٍ أنَّ محمداً-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وصاحبَهُ قد دخلا الغارَ،فأين الناقتانِ ؟
وهؤلاء المشككون يُريدون الطَّعنَ في الدِّينِ مِنْ أجلِ ألا يثقَ النَّاسُ بسيرةِ الرَّسُولِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,ويحسبونها ضَرْباً مِنَ الخيالِ والكذبِ .
والجوابُ: على هذه الشُّبهةِ في غايةِ السُّهولةِ واليُسرِ . . فالرِّوايةُ السَّابقةُ التي جهلها - أو تجاهلها –هؤلاءِ تردُّ عليهم:مِنْ أنَّ الرَّسُولَ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قد اتخذَ هادياً يدُلهُّم على الطَّريقِ,وهو على دِيْنِ كُفَّارِ قُريشٍ,فأمناهُ فدفعا إليه راحلتيهما,وواعداه غارَ ثورٍ بعد ثلاثِ ليالٍ براحلتيهما . . .
ففي هذا الحديثِ مِنَ الردِّ ما يُلقِمُهُم الحجرَ ،والحمدُ للهِ على الهُدَى بعدَ الضَّلالِ .
ومما حدث لرسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأبي بكر في طريقِهما إلى المدينةِ :
"عن أبي بكر-رضي الله عنهم- قالَ: قلتُ للنَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ـ وأنا في الغار ـ : " لو أنَّ أحدَهم نَظَرَ تحتَ قدميهِ لأبصرنا,فقالَ :ما ظنُّك-يا أبا بكر-باثنينِ, اللهُ ثالثهما" . رواه البُخاريُّ ( 3380 ), ومُسْلِمٌ ( 4389 ) .
وهذا مُختصَرٌ لأحداثِ الهجرةِ،ومَنْ أرادَ الاستزادةَفليُراجعْ : كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير (4/168-205) .واللهُ أعلمُ .