سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد : فيقول الله - جل وعلا - : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ . [ الخشر : 20 ] .
ربنا - عز وجل - يأمر المؤمنين في هذه الآية بأن يتقوا ، - وفي آيات كثيرات - يأمر عباده المؤمنين بالتقوى لأنها إجماع الخير ، من اتقى الله تمت له السعادة ، كما أمر الناس جميعاً بذلك . قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ) . [ النساء : 1 ] . ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) . [ الحج : 1 ] .
فالواجب على كل مؤمن : أن يتقي الله ، وأن يراقب الله أينما كان - في البر والبحر في البيت والسوق في كل مكان - يراقب ربه بأعماله وأقواله ، فيأتي منها ما أباح الله ، ويؤدي ما أوجب الله وينتهي عن ما حرم الله .
هذا هو الواجب على كل مؤمن : أن يحاسب نفسه وأن يجاهدها وأن ينظر ماذا قدم للآخرة قبل أن يحل به الأجل ، قبل هذا قال - جل وعلا - : ( وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) . [ الحشر : 20 ] .
إذ ينظروا ماذا قدمتم للأخرة فإن كانت أعمالاً طيبة فـاثبتوا عليها واحمدوا الله عليها واسألوه الثبات . أما إن كانت أعمالاً سيئة فالواجب الإبدار بالتوبة منها والحذر منها ، والندم على ما حصل منها .
هذا هو الواجب على الجميع التوبة من سائر الذنوب ، وإذا كانت تتعلق بالمخلوقين فلا بد من تحللهم منها أو اعطائهم حقوقهم - المؤمن لابد يحاسب نفسه ، لابد يجاهدها دائمًا - . وينظر ماذا قدم !؟ لا يغفل ، ثم يقول - جل وعلا - : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ) . [ الحشر : 19 ] .
لا تتشبهوا بأعداء الله من الذين أعرضوا عن الله ونسوا حقه ، فأنساهم الله أنفسهم ، عاملهم بمثل ما فعلوا ، ومن أنساه الله نفسه عمل في خرابه وهلاك ، نسأل الله العافية .
فالواجب الحذر ، والواجب على كل مؤمن : أن يتقي الله وأن يراقب الله وأن يقدم لنفسه قبل أن يحل به الأجل ، ولا سيما طلبة العلم فإن الواجب عليهم أعظم من تبليغ الدعوة والعمل بما علموا .
هذا هو الواجب على طلبة العلم : أن يعملوا بما علموا ، وأن يبلغوا الدعوة ، وأن يحذروا أن تكون أقوالهم وأعمالهم خلاف ما علموا .
نسأل الله أن يجعلنا وأياكم من الهداة المهتدين ، ونسأل الله أن يعينا وأياكم من مضلات الفتن ، ومن نزغات الشيطان .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان .