سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز : يقول الله - عز وجل - : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ . [ النساء : 59 ] . وأولو الأمر هم : العلماء والأمراء - أمراء المسلمين وعلماؤهم - يطاعون في طاعة الله إذا أمروا بطاعة الله وليس في معصية الله . فالعلماء والأمراء يطاعون في المعروف . لأن بهذا تستقيم الأحوال ، ويحصل الأمن ، وتنفذ الأوامر ، وينصف المظلوم ، ويردع الظالم .
أما إذا لم يطاعوا فسدت الأمور ، وأكل القوي الضعيف . فالواجب أن يطاعوا في طاعة الله في المعروف - سواء كانوا أمراء أو علماء - . العالم يبين حكم الله ، والأمير ينفذ حكم الله هذا هو الصواب في أولي الأمر ، هم : العلماء بالله وبشرعه ، وهم أمراء المسلمين عليهم أن ينفذوا أمر الله ، وعلى الرعية أن تسمع لعلمائها في الحق ، وأن تسمع لأمرائها في المعروف .
أما إذا أمروا بمعصية - سواء كان الآمر أميرًا أو عالمًا - فإنهم لا يطاعون في ذلك ، إذا قال لك أمير : اشرب الخمر فلا تشربها ، أو إذا قال لك : كل الربا فلا تأكله ، وهكذا مع العالم إذا أمرك بمعصية الله فلا تطعه ، والتقي لا يأمر بذلك لكن قد يأمر بذلك العالم الفاسق .
والمقصود : أنه إذا أمرك العالم أو الأمير بشيء من معاصي الله فلا تطعه في معاصي الله إنما الطاعة في المعروف كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) . لكن لا يجوز الخروج على الأئمة وإن عصوا ؛ بل يجب السمع والطاعة في المعروف مع المناصحة ولا تنزعن يدًا من طاعة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( على المرء السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وفيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية الله ؛ فإن أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة ) . ويقول - عليه الصلاة والسلام - : ( من رأى من أميره شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ، ولا ينزعن يدًا من طاعة ؛ فإنه من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ) . وقال - عليه الصلاة والسلام - : ( من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم وأن يشق عصاكم فاقتلوه كائنًا من كان ) ، والمقصود أن الواجب السمع والطاعة في المعروف - لولاة الأمور من الأمراء والعلماء - وبهذا تنتظم الأمور ، وتصلح الأحوال ، ويأمن الناس ، وينصف المظلوم ، ويردع الظالم ، وتأمن السبل ، ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور وشق العصا إلا إذا وجد منهم كفر بواح عند الخارجين عليه من الله برهان ، ويستطيعون بخروجهم أن ينفعوا المسلمين ، وأن يزيلوا الظلم ، وأن يقيموا دولة صالحة .
أما إذا كانوا لا يستطيعون فليس لهم الخروج ولو رأوا كفرًا بواحًا . لأن خروجهم يضر الناس ، ويفسد الأمة ، ويوجب الفتنة والقتل بغير الحق ، ولكن إذا كانت عندهم القدرة والقوة على أن يزيلوا هذا الوالي الكافر فليزيلوه وليضعوا مكانه واليًا صالحًا ينفذ أمر الله فعليهم ذلك إذا وجدوا كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان ، وعندهم قدرة على نصر الحق ، وإيجاد البديل الصالح وتنفيذ الحق .