فضيلة العلامة أحمد بن يحيى النجمي
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، وبعد : فإن الله أثنى على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - : أنها خير أمة أخرجت للناس ، وجعل أبرز خصالها التي استحقت بها هذا الثناء العاطر من رب الأرض والسماء : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإيمان بالله ، وأن هذه الثلاث الخصال مترابطة لا ينفك بعضها عن بعض ، فكما فرض الله عليهم الإيمان ؛ فإنه فرض عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فمن لازم الإيمان : أن صاحبه لابد أن يكون آمرًا بمعروف ، ومن لازمه : أن يكون ناهيًا عن منكر على مراتبه الثلاث في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من رأى منكم منكرًا ؛ فليغيره بيده ، فإن لم يستطع ؛ فبلسانه ، فإن لم يستطع ؛ فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) .
وفي الحديث : ( ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، والنصح لأئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم تحوط من ورائهم ) . [ " صحيح الجامع " : ( 6642 ) عن أحمد ، والحاكم عن جبير بن مطعم ، وأبو داوود وابن ماجة عن زيد بن ثابت، والترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود ] .
وفي الحديث أيضًا : ( لا يحقرن أحدكم نفسه أن يقول لله بحق إن رآه أو سمعه ) .
ولقد رأينا من المثقفين - بل ممن تغبطهم على علمٍ وعقل - أقوامًا يتضايقون من ذكر الحزبيات الجديدة ، وبيان ما فيها من أخطاء ، وما عليها من ملاحظات ومآخذ ، فتراهم يتهمون من سلك هذا المسلك ، وهو بيان ما في تلك المناهج من أخطاء فاحشة بعضها يخرج من الإسلام كالشرك الأكبر ، وبعضها يخدشه خدشًا ليس باليسير كالبدع والتشريعات التي وضعوها من عند أنفسهم استحسانًا كقول مؤسس المنهج الإخواني : ( نتعاون ؛ فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضًا ؛ فيما اختلفنا فيه ) ، وقوله في شرط الطاعة : من شروط البيعة العشرة من رسالة " التعاليم " : ( ص 274 ) : ( وأريد بالطاعة امتثال الأمر وإنفاذه توًّا في العسر واليسر والمنشط والمكره . يعني : بدون مراجعة ولا تردد ) .
وهذا الشرط مخالفٌ لتعاليم الإسلام ؛ فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع أصحابه على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، ويلقنهم فيما استطعت ، ويقول : ( إنما الطاعة في المعروف ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .
فإذا بين أحد هذه التشريعات الغريبة عن الإسلام ووضحها لطلاب العلم - الذين يجهلون هذا - قالوا هذا : تفريق للمسلمين ، هذه غيبة للدعاة !!!
أخي المسلم : - أرجو أن تتذكر - : أن الإسلام هو ما جاء به محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ما استحسنه الشيوخ وجعلوه شرعًا لأتباعهم ؛ فمن أسس دعوة على نهج مخترع من عند نفسه ، وأدخل في الإسلام ما ليس منه ، وأخرج منه أساسه الأعظم وقاعدته التي لا يقوم إلا عليها ؛ فإن عمله مردود غير مقبول لأنه فقد أحد الأصلين اللذين يقوم عليهما كل عمل ، وهما : الإخلاص لله ، والصواب على ما جاء به محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ولسنا نتكلم عن الإخلاص ؛ فهو أمر يعلمه الله ، ولكن نقول :
• أولاً : أن من ترك من الدعوة إلى الله البداية بالتوحيد ، وسكت عن الشرك حتى كأنه مباح شرعًا ، واشترط في دعوته شروطًا ليست في كتاب الله ؛ فإن عمله قد جانب الصواب ، وخالف ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعوته .
• ثانيًا : يتظاهرون بالتنسك والتعبد ؛ فيغرون من لا يعلم حقيقة أمرهم ؛ فينخدع بهم ، وهم في الحقيقة : يدعون إلى خلافه بدلاً من التوحيد ، ، ويرون الخروج على الولاة المسلمين ، ويربون الشباب على بغضهم ، ويعدون العدة للخروج عليهم متى تهيأت الفرص .
• ثالثًا : يجب على من يعلم هذه الحقائق بالدلائل والقرائن : أن يبين أمرهم ويحذر منهم طاعة لله ، آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر الذي أمر الله به ، وجعله من أبرز صفات هذه الأمة .
• رابعًا : نحن نعتقد أن من سكت عن بيان هذه الأمور ، وهو يعلمها أنه قد خان الأمانة التي أوجب الله عليه أداءها بقوله : ﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ . [ النساء : 58 ] ، وخان الدولة ، وخان المجتمع الذي هو فيه ، وذلك في نفس الوقت خيانة للدين الإسلامي ؛ لأنه تقصير في حماية الدين من الدخيل .
• خامسًا : من سكت عن هذه المناهج التي فيها من المخالفات للدين الإسلامي في أصوله وفروعه ، وعقائده وأحكامه ؛ فإنه قد شجع الفساد وأعان المفسدين والمحْدِثين في الدين ما ليس منه .
• سادسًا : هو في هذه الحالة داخل في اسم الكاتمين الذين أخبر الله - عز وجل - : أنه يلعنهم ويلعنهم اللاعنون من عباده حيث يقول : ﴿ إِنَّ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ . إِلاَّ الذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ . [ البقرة : 159 - 160 ] .
• سابعًا : ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( لعن الله من لعن والديه ، لعن الله من ذبح لغير الله ، لعن الله من آوى محدثًا ، لعن الله من غير منار الأرض ) ، والسكوت عن هؤلاء إيواء للمحدثين وإعانة لهم ؛ فاحذر - يا عبد الله ! - : أن تسكت عن الباطل وتقره ؛ فتدخل في عداد من سمى الله ؛ فتخسر في الآخرة ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغدًا حساب ولا عمل .
وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .