تطرق الكاتب الأميركي جوشوا كيتينغ إلى استخدام العقيد معمر القذافي مرتزقة من دول أفريقية ومناطق أخرى لسفك دماء أبناء وبنات الشعب الليبي، في محاولة من جانب القذافي لقمع الثورة الشعبية التي تحاول إسقاطه، فكتب كيتينغ مقالا في مجلة فورين بولصي الأميركية جاء في مجمله:
مع قمع النظام الليبي للاحتجاجات الحالية ضد معمر القذافي, طفت على السطح تقارير بشأن مهاجمة مرتزقة أفارقة للمتظاهرين والاحتشاد من أجل الدفاع عن العاصمة الليبية طرابلس, حيث قال السفير الليبي في الهند علي العيساوي الذي استقال مؤخرا "إنهم أفارقة يتحدثون اللغة الفرنسية ولغات أخرى".
وفي هذا السياق ذكرت تقارير أن الشرطة الليبية التي تمردت ضد القذافي في بنغازي اعتقلت أو أسرت جنودا أجانب من ذوي البشرة السوداء ويتكلمون الفرنسية، وكانوا يميزون أنفسهم عبر ارتداء قبعات صفراء اللون كما ورد في تقرير لقناة أي.بي.سي الإخبارية.
ووفقا لتقارير متعددة فإن المرتزقة الأجانب الذين استأجرهم القذافي هم من تشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية والنيجر ومالي والسودان وحتى من شرق أوروبا, فكيف يمكن للمرء أن ينجح في استئجار مرتزقة خلال وقت قصير؟
استئجار مرتزقة
ومن الأمور التي تساعد على استئجار مرتزقة بشكل سريع هي وجود أصدقاء في المكان الصحيح, فقد أوردت الجزيرة أن هناك إعلانات في كل من غينيا ونيجيريا تعرض على كل من يتم استئجاره للعمل كمرتزق لمساعدة القذافي مبلغ ألفي دولار أميركي, وهذه التقارير ما زالت غير واضحة.
ولكن إن كان رجل ليبيا القوي يسعى لاستئجار مرتزقة فإن غرب أفريقيا ربما هو المكان المناسب للبدء منه, حيث تعاني المنطقة من نزاعات في كل من غينيا وسيراليون وليبيريا وساحل العاج والتي من شأنها توفير المرتزقة من العاطلين عن العمل الراغبين في الانتقال من نزاع إلى آخر وفقا للأجر المناسب أو الأفضل.
وأما الدفع للمرتزقة في البلدان الأفريقية فكان يتم في الغالب بالماس, حيث ساعد ذلك في إذكاء لهيب الحرب الوحشية في سيراليون واستمرارها لسنوات, حيث ذكرت قوات حفظ السلام الدولية في ساحل العاج في هذا السياق أن المرشح المهزوم في انتخابات الرئاسة لوران غباغو الذي يرفض الإقرار بذلك, جلب مرتزقة من ليبيريا لمساعدته في الصراع ضد الرئيس المعترف به دوليا لساحل العاج الحسن وتارا.
وكانت الأموال الليبية قد ساعدت في زعزعة استقرار عدد من الأنظمة الأفريقية, فعلى سبيل المثال كان القذافي منذ أمد طويل داعما ومؤيدا متحمسا للرئيس الليبيري السابق شارلز تايلور الذي يحاكم حاليا أمام محكمة لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب, وعليه فليس من المستبعد أن يكون للمسؤولين الليبيين علاقات وروابط في المنطقة, لكنه لا توجد تقارير موثوقة عن الزمان والكيفية التي تواجد فيها هؤلاء المرتزقة, ولكن بعض الناشطين الليبيين يعتقدون بأن المرتزقة موجودون في معسكرات تدريب في جنوب ليبيا منذ أشهر, استباقا لاندلاع انتفاضة.
وهناك سجل وتاريخ طويل وحافل للمرتزقة في إشعال الحروب وقمع النزاعات, فقد استأجر ملك بريطانيا هنري الثاني مرتزقة أجانب لقمع تمرد داخلي في القرن الثاني عشر, كما أن المأجورين الإيطاليين لعبوا أدوارا كبيرة في الحروب خلال العصور الوسطى, وأما الملك جورج الثالث فقد استأجر مرتزقة ألمانا (الهسبيان) من أجل محاربة ثوار الثورة الأميركية, في حين أن الجيوش القومية لم تكن قد تشكلت بوضعها الحالي المألوف حتى القرن التاسع عشر.
غضب ضباط
ولاستخدام المرتزقة فوائد جلية واضحة, فحتى لو دفعت لهم رواتب كبيرة فإن استئجار المرتزقة الأجانب لمهمة واحدة ومحددة يبقى أرخص كثيرا من إسكان وإطعام جيش قائم. وعندما يتعلق الأمر بالنزاعات الداخلية, فإنهم يبدون رغبة أكبر في إطلاق النار على المدنيين لأنهم ليسوا من وطنهم ولا من قبيلتهم أو انتمائهم الاجتماعي. لكن عدم تحليهم بالمسؤولية يتسبب في نتائج سلبية كما يستدل على ذلك من الوضع الحالي في ليبيا، حيث يقال إن ضباطا عسكريين ليبيين انشقوا وانضموا إلى المعارضة في ظل غضبهم لإطلاق مرتزقة أجانب النارَ على أبناء وبنات الشعب الليبي.
وليس استئجار المرتزقة والجيوش الخاصة حكرا على الحكام المستبدين مثل القذافي وغباغبو في الأيام الحالية, فمن غير شك أن أكبر زبون لخدمات المقاتلين الخواص هي الولايات المتحدة التي تستأجر حاليا مرتزقة أجانب في العراق وأفغانستان أكثر عددا من القوات الأميركية هناك, إذ رغم سمعتهم السيئة يمكن للمتعاقدين العسكريين أن يكونوا أكثر فعالية. ويُعتقد أن تدريب شركة دابكروب للجيش الكرواتي خلال الحرب اليوغسلافية, كان عاملا رئيسيا في جلب صربيا إلى مائدة المفاوضات. كما أن النبتاغون استأجر تلك الشركة في وقت لاحق للمساعدة في تأسيس جيش محترف في ليبيريا بعد انتهاء الحرب هناك.
ولكن يجب علينا أن نكون واضحين, فالجيوش الخاصة من أمثال بلاك ووتر(التي تسمى حاليا شركة "زي" بعد ما لحق بها من سمعة سيئة إثر قتلها 17 مدنيا عراقيا) وشركة تريبل كانوبي, ليست شبيهة بمرتزقة القذافي, فهؤلاء المتعاقدون الخواص ملزمون بالتقيد بقوانين البلاد التي يعملون فيها ويقيمون على أراضيها, وهم من الناحية النظرية مستأجرون للقيام بمهمات غير قتالية مثل الحراسة (رغم عدم التقيد بذلك في مناطق الحروب), على النقيض من القوات المرتزقة في غرب أفريقيا التي تعمل كشبكات غير رسمية من المقاتلين السابقين في الحروب المدنية، بدلا من القيام بعمليات رسمية كتلك التي تقوم بها قوات المتعاقدين العسكريين الغربيين الخواص.
وهناك عدد من الشركات والأفراد ممن يجمعون بين عمل المتعاقدين الأمنيين وعمل المرتزقة الصارخ, ومثال ذلك نشوء شركة من محاربين قدامى في جنوب أفريقيا من القوات الخاصة التي سرحت بعد انتهاء نظام الفصل العنصري هناك وتدعى "إكسيكتيف أوتكامز".
وعمل هؤلاء المقاتلون لصالح حكومات أنغولا وسيراليون للمساعدة في قمع المتمردين، وقد تم حل قواتهم عام 1998 عندما اتخذت جنوب أفريقيا إجراءات صارمة بحق نشاطات المرتزقة, ولكن كانت لها شبكات متورطة في النزاعات عبر العالم رغم ذلك. وكان عدد من هؤلاء المرتزقة الذين يعود تاريخهم إلى نظام الفصل العنصري، قد لعبوا دورا كبيرا في شركة ساندلاين العالمية المتورطة في العديد من الفضائح، بينها توقيع عقد بقيمة 36 مليون دولار مع حكومة بابوا غينيا الجديدة من أجل إخماد الثورة، وكذلك انتهاك حظر توريد السلاح من قبل الأمم المتحدة المفروض على سيراليون.
وكان سيمون مان وهو أحد عناصر القوات الخاصة البريطانية وأحد مؤسسي شركة ساندلاين- قد حكم عليه بالسجن 34 عاما في غينيا الاستوائية لمشاركته في مؤامرة للإطاحة بحكومة البلاد لصالح مجموعة من المستثمرين يزعَم أن منهم مارك تاتشر ابن رئيسة وزراء بريطانيا السابقة.
وقد توقفت ساندلاين عن العمل عام 2004، ولكن عضوا آخر من المشاركين في تأسيسها وهو تيم سبايسر يعمل حاليا مديرا تنفيذيا للخدمات الدفاعية لشركة أيغيس، وهي شركة مقاولة عسكرية خاصة تعمل في خدمة الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان.
المصدر: فورين بوليسي