فضيلة العلامة عبد المحسن بن حمد العباد
القول الصحيح في المراد بآل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - هم من تحرم عليهم الصدقة ، وهم أزواجه وذريته ، وكل مسلم ومسلمة من نسل عبد المطلب ، وهم بنو هاشم بن عبد مناف .
قال ابن حزم في " جمهرة أنساب العرب " : ( ص 14 ) : ( ولد لهاشم بن عبد مناف : شيبة ، وهو عبد المطلب ، وفيه العمود والشرف ، ولم يبق لهاشم عقب إلا من عبد المطلب فقط ) .
وانظر عقب عبد المطلب في " جمهرة أنساب العرب " لابن حزم ( ص 14 ، 15 ) ، و " التبيين في أنساب القرشيين " لابن قدامة ( ص 76 ) ، و " منهاج السنة " لابن تيمية (7/304 ، 305) ، و " فتح الباري " لابن حجر ( 7/78 ، 79) .
ويدل لدخول بني أعمامه في أهل بيته ما أخرجه مسلم في " صحيحه " : (1072) عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب : أنه ذهب هو والفضل بن عباس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلبان منه أن يوليهما على الصدقة ليصيبا من المال ما يتزوجان به ، فقال لهما - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس ) . ثم أمر بتزويجهما وإصداقهما من الخمس .
وقد ألحق بعض أهل العلم منهم الشافعي وأحمد بني المطلب بن عبد مناف ببني هاشم في تحريم الصدقة عليهم ، لمشاركتهم إياهم في إعطائهم من خمس الخمس . وذلك للحديث الذي رواه البخاري في " صحيحه " : (3140) عن جبير بن مطعم ، الذي فيه أن إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني هاشم وبني المطلب دون إخوانهم من بني عبد شمس ونوفل ؛ لكون بني هاشم وبني المطلب شيئًا واحدًا .
فأما دخول أزواجه - رضي الله عنهن - في آله - صلى الله عليه وسلم - ، فيدل لذلك قول الله - عز وجل - : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) . [ الأحزاب : 33 - 34 ] .
فإن هذه الآية تدل على دخولهن حتمًا ؛ لأن سياق الآيات قبلها وبعدها خطاب لهن ، ولا ينافي ذلك ما جاء في " صحيح مسلم " : (2424) عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : ( خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة وعليه مِرطٌ مُرحَّل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .
لأن الآية دالة على دخولهن ؛ لكون الخطاب في الآيات لهن ، ودخول علي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - في الآية دلت عليه السنة في هذا الحديث ، وتخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء الأربعة - رضي الله عنهم - في هذا الحديث لا يدل على قصر أهل بيته عليهم دون القرابات الأخرى ، وإنما يدل على أنهم من أخص أقاربه .
ونظير دلالة هذه الآية على دخول أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في آله ، ودلالة حديث عائشة - رضي الله عنها - المتقدم على دخول علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين - رضي الله عنهم - في آله ، نظير ذلك دلالة قول الله - عز وجل - : ( لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ) . [ التوبة : 108 ] .
على أن المراد به مسجد قباء ، ودلالة السنة في الحديث الذي رواه مسلم في " صحيحه " : (1398) على أن المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى مسجده - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكر هذا التنظير شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في رسالته : " فضل أهل البيت وحقوقهم " : ( ص 20 ، 21 ) .
وزوجاته - صلى الله عليه وسلم - داخلات تحت لفظ " الآل " ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الصدقة لا تحلُّ لمحمد ولا لآل محمد ) .
ويدل لذلك أنهن يعطين من الخمس .
وأيضًا ما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " : (3/214) بإسناد صحيح عن ابن أبي مليكة : ( أن خالد بن سعيد بعث إلى عائشة ببقرة من الصدقة فردتها ، وقالت : إنا آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لنا الصدقة ) .
ومما ذكره ابن القيم في كتابه : " جلاء الأفهام " : ( ص 331 ، 333) : للاحتجاج للقائلين بدخول أزواجه - صلى الله عليه وسلم - في آل بيته قوله : ( قال هؤلاء : وإنما دخل الأزواج في الآل وخصوصًا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تشبيهًا لذلك بالنسب ؛ لأن اتصالهن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرتفع ، وهن محرَّمات على غيره في حياته وبعد مماته ، وهنَّ زوجاته في الدنيا والآخرة ، فالسبب الذي لهن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قائم مقام النسب ، وقد نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصلاه عليهن ، ولهذا كان القول الصحيح - وهو منصوص الإمام أحمد - رحمه الله - أن الصدقة تحرم عليهن ؛ لأنها أوساخ الناس ، وقد صان الله سبحانه ذلك الجناب الرفيع ، وآله من كل أوساخ بني آدم .
ويا لله العجب ! كيف يدخل أزواجه في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا ) ، وقوله في الأضحية : ( اللهم هذا عن محمد وآل محمد ) ، وفي قول عائشة - رضي الله عنه - : ( ما شبع آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خبز بر ) ، وفي قول المصلي : ( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ) ، ولا يدخلن في قوله : ( إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ) ، مع كونها من أوساخ الناس ، فأزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى بالصيانة عنها والبعد منها .
فإن قيل : لو كانت الصدقة حرامًا عليهن لحرمت على مواليهن ، كما أنها لما حرمت على بني هاشم حرمت على مواليهم ، وقد ثبت في الصحيح أن بريرة تصدق عليها بلحم فأكلته ، ولم يحرمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي مولاة لعائشة - رضي الله عنها - .
قيل : هذا هو شبهة من أباحها لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وجواب هذه الشبهة : أن تحريم الصدقة على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بطريق الأصالة ، وإنما هو تبع لتحريمها عليه - صلى الله عليه وسلم - ، وإلا فالصدقة حلال لهن قبل اتصالهن به ، فهن فرع في هذا التحريم ، والتحريم على المولى فرع التحريم على سيده ، فلما كان التحريم على بني هاشم أصلاً استتبع ذلك مواليهم ، ولما كان التحريم على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تبعًا لم يقوَ ذلك على استتباع مواليهن ؛ لأنه فرع عن فرع .
قالوا : وقد قال الله تعالى : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ) .
وساق الآيات إلى قوله تعالى : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) .
ثم قال : فدخلن في أهل البيت ؛ لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهنَّ ، فلا يجوز إخراجهن من شيء منه ، والله أعلم ) .
ويدل على تحريم الصدقة على موالي بني هاشم ما رواه أبو داود في " سننه " : (1650) ، والترمذي : (657) ، والنسائي : (2611) بإسناد صحيح - واللفظ لأبي داود - عن أبي رافع : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم ، فقال لأبي رافع : اصحبني فإنك تصيب منها ، قال : حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاسأله ، فأتاه فسأله ، فقال : ( مولى القوم من أنفسهم ، وإنا لا تحل لنا الصدقة ) .