في الفَرْقُ بين الفزع والهلع والخوف والوجل والرعب
الفزع:
هو انزعاج القلب بتوقع مكروه عاجل.ومعنى فزعت منه: أي هو ابتداء فزعي لأن “من” لابتداء الغاية.
قال تعالى: ( وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) ) . سورة سبأ
قال ابن كثير - رحمه الله -:
" يقول تعالى: ولو ترى - يا محمد - إذ فَزِع هؤلاء المكذبون يوم القيامة ، { فَلا فَوْتَ } أي: فلا مفر لهم ، ولا وزر ولا ملجأ { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ } أي: لم يكونوا يُمنعون في الهرب بل أخذوا من أول وهلة.
قال الحسن البصري: حين خرجوا من قبورهم.
وقال مجاهد، وعطية العوفي، وقتادة: من تحت أقدامهم.
وعن ابن عباس والضحاك: يعني: عذابهم في الدنيا.
وقال عبد الرحمن بن زيد: يعني: قتلهم يوم بدر.
والصحيح: أن المراد بذلك يوم القيامة، وهو الطامة العظمى، وإن كان ما ذكر متصلا بذلك ..." .
الهلع:
فهو أسوأ الجزع.
وقيل إن الهلوع فسره الله تعالى في قوله: ( إن الإنسان خُلقَ هلوعاً إذا مسهُ الشر جزوعاً ) * وإذا مسهُ الخَيْرُ منوعاً”
ولا يسمى هلوعاً حتى تجتمع فيه هذه الخصال.
فالهلع: هو الوصول إلى حالة من فقدان العقل من الخوف وسيطرة غريزة البقاء الهرب مع الصياح أحيانا.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
" يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان وما هو مجبول عليه من الأخلاق الدنيئة: { إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا } ثم فسره بقوله: { إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا } أي: إذا أصابه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير ".
وقال العلامة السعدي - رحمه الله - في تفسيره:
" وهذا الوصف للإنسان من حيث هو وصف طبيعته الأصلية، أنه هلوع.
وفسر الهلوع بأنه: { إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا } فيجزع إن أصابه فقر أو مرض ، أو ذهاب محبوب له ، من مال أو أهل أو ولد ، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله ".
الخوف والوجل:
الخوف خلاف الطمأنينة
وَجِلَ الرجل يوْجَلُ وجلاً: إذا قلق ولم يطمئن ، ويقال: أنا من هذا على وجل ومن ذلك على طمأنينة ، ولا يقال: على خوف، في هذا الموضع ، وفي القرآن: ( الذين إذا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قلُوبُهُمْ ) . أي إذا ذكرت عظمة الله وقدرته لم تطمئن قلوبهم إلى ما قدموه من الطاعة وظنوا أنهم مقصرون فاضطربوا من ذلك وقلقوا.
فالخوف : هو مرحله أولية ولا يسبب ذهاب العقل.
قال تعالى: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) ) . سورة البقرة
قال ابن كثير - رحمه الله - في معنى هذه الآية الكريمة:
" أخبر تعالى أنه يبتلي عباده المؤمنين أي: يختبرهم ويمتحنهم، كما قال تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } . محمد: 31 ، فتارة بالسراء ، وتارة بالضراء من خوف وجوع ، كما قال تعالى: { فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ } . النحل: 112 ، فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه ؛ ولهذا قال: لباس الجوع والخوف. وقال هاهنا { بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ } أي: بقليل من ذلك { وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ } أي: ذهاب بعضها { وَالأنْفُسِ } كموت الأصحاب والأقارب والأحباب { وَالثَّمَرَاتِ } أي: لا تُغِلّ الحدائق والمزارع كعادتها . كما قال بعض السلف: فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحدة . وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده، فمن صبر أثابه الله ومن قنط أحل الله به عقابه . ولهذا قال: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }
وقد حكى بعضُ المفسرين أن المراد من الخوف هاهنا: خوف الله ، وبالجوع: صيام رمضان، ونقص الأموال: الزكاة، والأنفس: الأمراض، والثمرات: الأولاد .
وفي هذا نظر، والله أعلم ".
وقال تعالى: ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) ) . سورة الأحزاب
قال ابن كثير - رحمه الله -:
" { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } أي: من شدة خوفه وجزعه ، وهكذا خوف هؤلاء الجبناء من القتال { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } أي: فإذا كان الأمن ، تكلموا كلامًا بليغًا فصيحًا عاليًا ، وادعوا لأنفسهم المقامات العالية في الشجاعة والنجدة ، وهم يكذبون في ذلك.
وقال ابن عباس: سَلَقُوكُمْ أي: استقبلوكم.
قال العلامة السعدي - رحمه الله -:
" ... { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ } نظر المغشى عليه { مِنَ الْمَوْتِ } من شدة الجبن ، الذي خلع قلوبهم، والقلق الذي أذهلهم ، وخوفًا من إجبارهم على ما يكرهون ، من القتال .
{ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ } وصاروا في حال الأمن والطمأنينة ، { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَة } أي: خاطبوكم، وتكلموا معكم ، بكلام حديد، ودعاوى غير صحيحة.
وحين تسمعهم ، تظنهم أهل الشجاعة والإقدام ، { أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } الذي يراد منهم ، وهذا شر ما في الإنسان ، أن يكون شحيحًا بما أمر به ، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه ، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء اللّه ، أو يدعو إلى سبيل اللّه ، شحيحًا بجاهه ، شحيحًا بعلمه ، ونصيحته ورأيه ...".
الرعب:
خوف شديد من خطر يؤدي إلى التلعثم ، وفقدان القدرة على الحركة أحيانا
الرعب و الهلع مراحل متقدمة من الخوف في بعض التصنيفات
حيث إن الخوف يندرج تحته الرعب والهلع.
قال تعالى: ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) ) . سورة آل عمران
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي : نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَجُعِلَتْ لِي الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَة وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ". متفق عليه