تحتفل منظمة الأمم المتحدة باليوم العالمي لمكافحة التصحّر في السابع عشر من حزيران من كل عام نظراً للبعد العالمي لهذه الظاهرة الخطيرة حيث تؤكد المنظمة في هذا اليوم على أهمية وضرورة التعاون والشراكة الدوليين لمواجهة هذه المشكلة.
ويرجع أول مجهود دولي لمكافحة ظاهرة التصحر الى نهاية موجة الجفاف والجوع الهائلة التي اجتاحت منطقة الساحل في أفريقيا خلال سبعينات القرن الماضي والتي أدت الى هلاك الاف الاشخاص جوعا وعطشا فضلا عن نفوق الثروات الحيوانية باعداد كبيرة.
وبعث الامين العام للامم المتحدة بان كي مون برسالة الى المجتمع الدولي بهذه المناسبة، جاء فيها: لا يمثل التصحر واحدا من أضخم التحديات التي تجابه البيئة في العالم فحسب، بل يشكل أيضا عقبة رئيسية أمام تلبية الاحتياجات البشرية الأساسية في الأراضي الجافة. فهو يعرّض للخطر صحة ورفاهية 1.2 بليون نسمة في أكثر من 100 بلد.
وكثير من أفقر السكان في العالم هم أيضا أكثر من يعانون من آثار التصحر. ذلك أن ثلثي الفقراء يعيشون في أراض جافة، ويعيش حوالي نصفهم في أسر معيشية في المزارع، حيث يهدد التدهور البيئي بالخطر الإنتاج الزراعي الذي تعتمد عليه معيشتهم.
وتتسم أسباب التصحر بأنها منوعة ومركبة. وتستهدف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، التي اعتمدت في مثل هذا اليوم منذ 13 عاما مضت، تشجيع اتخاذ إجراءات ملموسة عن طريق برامج إبداعية، محلية ووطنية ودون إقليمية وإقليمية، وشراكات دولية داعمة. بيد أن تدهور البيئة في العالم يتواصل بمعدل يبعث على الانزعاج وينطوي على آثار اجتماعية واقتصادية خطيرة. وأضحى التنفيذ الفعال للاتفاقية، التي تدمج الشواغل البيئية والإنمائية، أمرا ملحا بصورة متزايدة.
ويذكّرنا موضوع اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف هذا العام، ”التصحر وتغيير المناخ - تحد عالمي واحد“، بأن تغير المناخ والتصحر يتفاعلان على مستويات شتى. وهما يمثلان مظهرين رئيسيين لمشكلة واحدة، ويشكلان سويا تهديدا خطيرا لقدرتنا على بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية قبل حلول عام 2015.
وتؤدي انبعاثات غاز الدفيئة من الأنشطة البشرية إلى ارتفاع درجة الحرارة في عالمنا. ولقد بدأنا نشعر فعلا بأثر تغير المناخ، الذي تتبدى آثاره الضارة في كثير من المناطق. على أن تغير الأحوال الجوية يهدد سكان المناطق الجافة، ولا سيما في أفريقيا، بتفاقم التصحر والجفاف والافتقار إلى الأمن الغذائي.
ومن المتوقع أن يفضي الاحترار العالمي إلى تزايد التقلبات الجوية الحادة، مثل حالات الجفاف والأمطار الكثيفة، مما سيحدث أثرا بالغا على التربة الضعيفة أصلا. وسيؤدي هذا الاتجاه بدوره إلى جعل التصحر أكثر سوءا، وزيادة شيوع الفقر، والهجرة القسرية، والقابلية للتعرض للصراعات في المناطق المتأثرة بالتصحر.
وعلى النقيض من ذلك، فإن بذل جهود متضافرة لمكافحة التصحر - عن طريق إصلاح الأراضي المتدهورة، ومكافحة فقد التربة، واستعادة الحياة النباتية - يمكن أن يساعد على الحد من انبعاثات غاز الدفيئة، وتعزيز قدرة البلدان المتأثرة على استعادة حيويتها، وبناء قدرتها على التكيف مع تغير المناخ.
وفي هذا اليوم العالمي، يقول الامين العام، دعونا نعمل في تآزر على التصدي للتصحر وتغير المناخ، كجزء من نهج متكامل لتحقيق التنمية المستدامة للجميع.
عرّف مؤتمر الأمم المتحدة عام 1977 التصحر (بأنه تدهور قدرة الإنتاج البيولوجي للأرض مما يؤدي في النهاية إلى خلق أوضاع صحراوية)، وهي ترجمة من الكلمة الإنجليزية (Desertification) أي تحول المنطقة إلى صحراء أو اكتسابها صفات صحراوية، وبالتالي فالتصحر يدل على امتداد الصحراء لتشمل مناطق لم تكن أصلاً صحراوية، أي انتشار خصائص صحراوية خارج النطاق الصحراوي.
إن مشكلة التصحر نتيجة الجفاف برزت كمشكلة عالمية، فمثلاً في أواخر السبعينات حدثت هجرة كثيفة بإفريقيا نتيجة التصحر، وليس الحال أفضل في بعض الولايات الأمريكية في نفس الفترة لترك مساحات كبيرة دون استغلال أراضيها نتيجة الجفاف.
وصفة الجفاف التي تغطي غالبية مساحة الوطن العربي أدت إلى ظهور العديد من الأنظمة البيئة الهشة، ولكن بقاء هذه الأنظمة البيئية عبر التاريخ - رغم أنها كانت في توازن حرج- حافظت على توازنها حيث عدد السكان القليل والنشاط المحدود والإمكانيات التكنولوجية البسيطة، ولكن زادت هذه الإمكانيات التكنولوجية نتيجة زيادة عدد السكان الكبير مما أدى إلى زيادة معدل الاستهلاك لديهم للموارد الطبيعية، وهذا بدوره أدى إلى الإخلال بهذه النظم البيئية خاصة وأن سوء الإدارة ساعد على ذلك.
وهذا هيأ للتأثيرات السلبية للعوامل المناخية وازدياد تأثيرها في امتداد ظاهرة التصحر إلى معظم أنحاء الوطن العربي.
اليوم العالمي لمكافحة التصحّر
وتحتفل منظمة الأمم المتحدة باليوم العالمي لمكافحة التصحر في السابع عشر من حزيران, نظراً للبعد العالمي لهذه الظاهرة الخطيرة حيث تؤكد المنظمة, في هذا اليوم, على أهمية وضرورة التعاون والشراكة الدوليين لمواجهة هذه المشكلة. ويرجع أول مجهود دولي لمكافحة ظاهرة التصحر الى نهاية موجة الجفاف والجوع الهائلة التي اجتاحت منطقة الساحل في أفريقيا في الفترة ما بين 19681974, والتي مات خلالها ما يزيد على 200000 شخص ونفقت ملايين الحيوانات.
نشاطات وأعمال الأمم المتحدة
تصدت الأمم المتحدة لمشكلة التصحّر على النطاق الدولي لأول مرة في مؤتمر الأمم بشأن التصحر الذي عقد في نيروبي عام 1977, والذي حاول مساعدة البلدان المتأثرة بوضع خطط لمواجهة المشكلة. وبعد محاولات عدة لم يكتب لها النجاح, أصرت الدول النامية وفي مقدمتها البلدان الأفريقية أثناء الأعمال التحضيرية لقمة الأرض لعام 1992, على وجوب إيلاء اهتمام سليم للتصحر, وفي 17 حزيران 1994 تم اعتماد “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في البلدان التي تعاني من الجفاف الشديد و/أو من التصحر وبخاصة في أفريقيا".
بداية تعرّف هذه المنظمة ظاهرة التصحر بـ”تردي الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة نتيجة عوامل مختلفة من بينها الاختلافات المناخية والأنشطة البشرية".
إن هذه الظاهرة قد ألحقت أضراراً كبيرة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكثير من شعوب العالم. ويقدر معهد الرصد العالمي خسارة القارات السنوية من التربة السطحية بحوالى 24 مليار طن, والحالة تتجه الى الأسوأ. فقد تردى ما نسبته 70% من إجمالي مساحة الأراضي الجافة المستخدمة في الزراعة في شتى أنحاء العالم. وتطال هذه المشكلة الدول النامية والمتقدمة على حد سواء, إذ هناك 110 بلداً في العالم تعاني أراضيه الجافة من التصحّر أي ما يقارب مليار نسمة حيث تتعرض سبل عيشها للخطر, ناهيك عن 135 مليون شخص مهدد بخطر النزوح عن أراضيه.
ويقدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة الكلفة السنوية الناجمة عن التصحّر بـ42 مليار دولار أميركي. كما أن خطر التصحّر يذهب الى أبعد من ذلك, لما له من دور في اندلاع نزاعات مسلحة تدور حالياً في الأراضي الجافة.
الأسباب التي تؤدي الى التصحّر
يؤثر تغيّر المناخ على تزايد ظاهرة التصحّر وتبقى الأنشطة البشرية هي اللاعب الأساسي بتدهور الأراضي, وأهمها:
- الإفراط في استغلال الأرض الذي ينهك التربة ويستنفذها.
- الرعي الجائر الذي يزيل الغطاء النباتي الذي يحمي التربة من التعرية والانجراف وبالتالي فقدانها.
- الإفراط في قطع الأشجار وإزالة الغابات.
- سوء إدارة الموارد المائية والتوسع العمراني.
- الفقر وتزايد الهجرة والنزوح السكاني.
بناءً لما تقدم وكما تعتبر منظمة الأمم المتحدة, فإن وجود الاتفاقية التي تهدف الى “مكافحة التصحّر وتخفيف آثار الجفاف في البلدان التي تعاني من الجفاف الشديد و/أو من التصحّر وبخاصة في أفريقيا...", يضمن التزام الأطراف التزاماً طويل الأجل.
وترتكز الاتفاقية على المبادئ التالية:
- الانطلاق من القاعدة الى الأعلى.
- الشراكة والتنسيق على الصعيد الدولي من أجل تجنب ازدواج الجهود.
- توسيع مفهوم الشراكة وضمان مشاركة السكان المحليين والمجتمعات المحلية.
- دمج برامج مكافحة التصحّر ضمن سياسات التنمية.
إن البلدان التي وقّعت وأقرت هذه الاتفاقية أصبحت ملزمة بتنفيذها وذلك من خلال:
- وضع برامج عمل وطنية ودون إقليمية وإقليمية وتنفيذها.
- وضع استراتيجيات وأولويات طويلة الأجل.
- إعطاء المجتمعات المحلية دوراً رئيسياً في وضع البرامج.
- التعهد بالمشاركة الشعبية وتوفير بيئة مؤاتية.
دمج جهود مكافحة التصحّر في برامج التنمية الأخرى.
- تحديد الموارد المتاحة والموارد التي ستظل هناك حاجة إليها.
الجفاف وأفريقيا
المنظمات العالمية تستعد للسيناريو الاسوأ، ونسبة الزراعة في دول افريقيا الجنوبية لا تزيد على 19% من الاراضي الزراعية.
ما زالت دول عدة في افريقيا الجنوبية تعاني من موجة جفاف حادة تشكل مصدر قلق كبير لاسيما في بلدان تواجه اصلا ازمة شديدة من انعدام الامن الغذائي كما ينبه خبراء في الارصاد الجوية والزراعة.
ففي ليسوتو وسوازيلاند وبوتسوانا وجنوب افريقيا وخصوصا في زيمبابوي حيث يعتمد 5.5 مليون شخص على المساعدات الغذائية، يعتبر معدل تساقط الامطار في الموسم الحالي دون الحاجة الضرورية.
وذكرت الهيئة الخاصة بمكافحة المجاعة، التي طلبت من الوكالات الانسانية الاستعداد "لاسوأ سيناريو"، ان الاوضاع في زيمبابوي هي الاسوأ حيث "تبقى صورة التوقعات الزراعية لعامي 2003-2004 قاتمة بسبب معدل امطار ادنى مما هو متوقع وانعدام الدعم في القطاع الزراعي والنقص الدائم في البذور والاسمدة".
وتثير موجة الجفاف قلقا حتى في جنوب افريقيا وان كان وقعها اقل من دول اخرى، بحيث تشهد ربع مناطق البلاد على الاقل ظروفا مناخية جافة لم تشهدها منذ 1915 بحسب ما ذكر الخبير في الارصاد الجوية والزراعية يوهان فان دنبرغ.
وافاد مركز الارصاد الجوية في جنوب افريقيا ان موسم الامطار بدأ بشكل سيء مع معدل تساقط للامطار يقدر بـ25% في تشرين الثاني/نوفمبر في معظم المناطق، في حين كانت مناطق الوسط والمناطق الشمالية الشرقية (المتاخمة لبوتسوانا وزيمبابوي) الاكثر جفافا. كما نقل موقع ميدل إيست أونلاين. واضاف المصدر ذاته ان التوقعات لنهاية العام 2003 ومطلع العام 2004 "ليست واعدة" مشيرا الى ان الحرارة الشديدة تساهم في تبخر كميات المياه المتوفرة اضافة الى تساقط الامطار المحدود.
واوضح المصدر "اذا ما اخذنا في الاعتبار منسوب المياه المنخفض في السدود والخزانات الذي يدق ناقوس الخطر فان مسألة توفر كمية من المياه توزع على كافة مناطق البلاد مصدر قلق".
وفي مناطق البلاد بات من الصعب احصاء المدن التي لم تعد تخضع لقيود في استخدام المياه. ففي وسط البلاد تم قتل حيوانات في حين نفقت اخرى نتيجة عدم توفر مراع كافية.
وفي بوتسوانا التي تعتبر اصلا دولة شبه صحراوية، فان "وقع موجة الجفاف ظاهرة في جميع انحاء البلاد" حسب ما اعلن المسؤول المحلي عن الطب البيطري موسى فاناكيزو. واضاف ان "الجفاف ينعكس سلبا على تكاثر الحيوانات ويزيد من احتمال نفوقها".
وفي تشرين الثاني/نوفمبر قال الرئيس فيستوس موغي اثر اعلان اسوأ النتائج الزراعية في البلاد في خلال عقد ان "استمرار الجفاف يلحق الضرر بامكانياتنا في القطاع الزراعي".
واضاف الرئيس موغي انه لم يتسن استخدام سوى 19% من الاراضي القابلة للزراعة خلال موسم البذار الاخير بسبب موجة الجفاف مذكرا بانها كلفت الدولة في العام الحالي اكثر من 43 مليون دولار.
وفي ليسوتو فان موجة الجفاف التي تشهدها البلاد منذ آذار/مارس ستبقى مسيطرة حتى نهاية كانون الثاني/يناير بحسب اجهزة الارصاد الجوية.
ويعتبر برنامج الغذاء العالمي الذي قدم مطلع العام الحالي مساعدة لاكثر من 600 الف نسمة ان البلاد تتجه "نحو اسوأ موجة جفاف. ويتوقع السكان موسم حصاد سيء للغاية. سنحتاج الى مساعدة دولية مستمرة مستقبلا" حسب ما قال المدير الاقليمي لبرنامج الغذاء مايكل هيغينز.
والصورة هي نفسها في سوازيلاند بحيث ما زال 350 الف شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية وحيث لم تكن الامطار التي تساقطت في تشرين الثاني/نوفمبر كافية خصوصا في جنوب البلاد وشرقها.
ورأى ناتي فيلاكازي من منظمة "سايف ذي تشيلدرن فاند" غير الحكومية ان "الاوضاع اسوأ مما كانت عليه العام الماضي. ان رؤوس الماشية تنفق باعداد كبيرة" وهذا يشكل كارثة على العائلات التي تعتمد اساسا عليها كمصدر رزق.
وفي ناميبيا شبه الصحراوية سيحتاج 640 الف شخص، اي ناميبي من كل ثلاثة، الى "مساعدة لمواجهة الجفاف" في الاشهر المقبلة.
ووجهت الحكومة في نوفمبر نداء خاصا الى البعثات الدبلوماسية في ويندهوك لجمع 20 مليون دولار لوضع "خطة لمواجهة الجفاف" لتأمين المياه ونقل المواشي الى مراع وتوفير المواد الغذائية الاساسية.