يحتفل العالم يوم 26 من حزيران/ يونيو من كل عام باليوم العالمي لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية والنفسية، تلبية لدعوة المنظمة العالمية للأمم المتحدة وتخليدا لذكرى توقيع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات لسنة 1988، وإستذكارا لحجم المآسي والويلات والفواجع التي تخلفها المخدرات في مختلف مجتمعات العالم.
وبلا شك فإن إستفحال مشكلة المخدرات في العالم خلال القرن الماضي يُشكل واحدة من أكبر التحديات الأمنية والصحية والإجتماعية في العالم، والأمر يتطلب مزيدا من العمل المشترك لتنسيق الجهد الدولي والوطني في مكافحة المخدرات.
ومن المعلوم أن الإحصاءات والتقارير الدولية تشير إلى أن ظاهرة تجارة المخدرات وتعاطيها قد تفشت في مختلف دول العالم، وباتت تتقدم أجندات إجتماعات رؤساء الدول والحكومات، والمنظمات الأقليمية، وتؤكد الأبحاث الصحية ما تخلفه المواد المخدرة من آثار ومشاكل ضارة مدمرة على المجتمعات سواء اجتماعياً أو اقتصادياً أو صحياً أو أمنيا، فقد أظهرت الإحصاءات العالمية أن هناك في العالم اليوم أكثر من 200 مليون شخص مدمن أو يتعاطى المخدرات، وأن المخدرات تكلف دول العالم مبالغ تفوق عن (150) مليار دولار. ولاتقف المخدرات عند آثارها السيئة على المدمنين وأسرهم، بل تمتد آثارها السيئة إلى المجتمعات والدول، فهي تكلف الحكومات أكثر من 120 مليار دولار، وترتبط بها جرائم كثيرة.
ومازالت المخدرات تمثل أخطر التحديات التي تواجه المجتمع العربي بل والمجتمع الدولي بكامله، ووصل الإنتاج العالمي من المخدرات معدلات قياسية تنذر بالكوارث.
وتعترف منظمة الشرطة الدولية (الانتربول) بان مايُضبط في العالم (من أنواع المخدرات) لا يُشكل سوى 10% من الحجم الحقيقي لتداول المخدرات، وقد أخذت العصابات الدولية تزداد قوة وتمويلاً وتنظيماً، وامتدت أنشطتها عبر الدول والقارات حتى أصبحت جرائم المخدرات جرائم عابرة للحدود او جرائم بلا وطن كما تفرعت عنها جرائم خطيرة مثل (غسل الأموال) و(الجريمة المنظمة) و(الإتجار بالأسلحة) و (الإفساد الإداري) و (تزوير الوثائق) وغيرها من الجرائم الخطيرة المرتبطة بتجارة وتهريب وتصنيع المخدرات.
كما أصبحت تجارة المخدرات أحد أبرز مصادر تمويل النشاطات الإرهابية في العالم. كما ثبت جنائيا ان المخدرات هي من ابرز عوامل الدفع نحو اقتراف مختلف انواع الجرائم، فالمُدمن لا يتورّع عن ارتكاب القتل او السرقة في سبيل الحصول على مبتغاه.
وعلى الصعيد الإقليمي والعربي، وخصوصا في ظل حالة الحروب والنزاعات المسلحة وإنفلات الأمن في العديد من الدول بالمنطقة، لم يعد الاتجار غير المشروع بالمخدرات شكلاً من أشكال الإجرام البسيط، الذي يمارسه بعض الأفراد، بل أصبحنا نواجه اليوم عصابات منظمة على المستوى الاقليمي، تسعى بكل قواها لتهريب مختلف أنواع المخدرات والمؤثرات العقلية إلى بلدان المنطقة، مستغلين الموقع الجغرافي للمنطقة، فضلاً عن المحاولات الإجرامية لزراعة النباتات غير المشروعة على نطاق واسع وبالغ الخطورة في أماكن عديدة من دول المنطقة، في ظل غياب الرقابة الرسمية، وتتوارد أخبار بين آونة وأخرى عن انتشار زراعة المخدرات في عدد من المحافظات العراقية وكذلك ازدياد تورط شبان عراقيين في تهريب المخدرات عبر الاراضي العراقية بعد أن كان العراق من أنظف بلدان العالم والمنطقة من آفة المخدرات.
وعلى صعيد التعاون الدولي فإن معظم دول العالم صادقت على أو إنضمت الى اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988 وكذلك انضمت الى الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية
كما أقامت الأمم المتحدة مكتبها الاقليمي المعني بالمخدرات والجريمة في القاهرة، كما اقامت (المركز التنسيقي لتبادل المعلومات) بين دول مجلس التعاون الخليجي في الدوحة، من أجل أن يتم خلق آلية لتبادل المعلومات في مجال الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات وغسل الاموال والارهاب وكل ما من شأنه تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية المتصلة بمراقبة الحدود وتشجيع التدريب والتنسيق بين اجهزة انفاذ القوانين.
في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، نحيي الابطال النشامى في أجهزة مكافحة المخدرات العربية، على جهودهم الرائعة في التصدي لهذه الآفة الوبيلة، وما يتخذونه من إجراءات ومايقومون به من فعاليات بطولية في التصدي للعصابات الإجرامية التي تريد أن تفتك بشبابنا ومجتمعاتنا، ونتمنى مزيدا من الجهود وتطوير تشكيل اللجنة الوطنية لأسناد جهود مكافحة المخدرات، وحملات التوعية الأعلامية التي تقوم بها إدارات مكافحة المخدرات، لأن التصدي للمخدرات لم يعد واجب الأجهزة الرسمية فحسب، بل هي مهمة وطنية شاملة ينهض بها جميع أفراد المجتمع.
في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات نستذكر مآسي هذه الآفة الوبيلة التي تستنزف تجارتها الاقتصاد العالمي، وتسهم في تخمة المجرمين من تجار المخدرات ومافياتها، وبذات الوقت تستنزف الطاقات البشرية وتعطلها عن أداء دورها المطلوب في بناء الحياة.
إن مشكلة المخدرات مازالت تثير القلق في أصقاع كثيرة من العالم، الذي يشكو منذ سنوات من موجة تعاطي المخدرات علي انواعها والتي تضرب شريحة الشباب (ركيزة المجتمع) . والتحدي الذي يفرض نفسه في هذا الاطار هو كيفية تأمين المعرفة بمخاطر المخدرات لتطال نسبة من شرائح المجتمع خاصة من تقع علي عاتقهم مسئولية التنشئة في البيت والمدرسة والجامعة.
إن مواجهة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية هي مسؤولية جماعية مشتركة تقوم علي تضافر الجهود الوطنية والاقليمية مع الجهود الاممية في هذا الميدان.