مفكرة الاسلام: في ربيع الأول سنة 647هـ ـ 1249م تحركت الحملة الصليبية السابعة بقيادة «لويس التاسع» ملك فرنسا تجاه الشواطئ المصرية لتصل بعد أقل من شهر أمام ميناء دمياط، وكانت الأحوال وقتها في المعسكر الإسلامي شديدة الاضطراب بسبب اشتداد مرض السلطان نجم الدين أيوب وإرجاف الناس بموته، مما جعل الحامية المدافعة عن دمياط تتخلى عنها وكذلك سكانها، وهذا القرار أدى لاستيلاء الصليبيين على دمياط بكل سهولة ودون أدنى قتال([1]).
استقبل السلطان نجم الدين أيوب نبأ سقوط دمياط بمزيج من الحسرة والألم الذي زاد من علته ولكنه تحامل على نفسه لخطورة الموقف وقام بنقل معسكره إلى مدينة المنصورة القريبة من دمياط، والتي ظهرت للوجود أول مرة منذ ثلاثين سنة فقط أيام الحملة الصليبية الخامسة على دمياط أيضًا، ومن هناك بدأت حرب عصابات قام بها المجاهدون المتطوعون من المصريين والشاميين والمغاربة، وخطفوا أعدادًا كبيرة من الصليبيين في عمليات ذكية ولا تخلو أيضًا من الطرافة والتجديد في التنفيذ، وتعددت مواكب أسرى الصليبيين المشهرة في شوارع القاهرة بالشكل الذي زاد من حماسة الناس ورفع معنويات المجاهدين.
ومع ارتفاع وتيرة حرب العصابات ضد المعسكر الصليبي بدمياط، قرر الملك لويس التاسع ورغم معارضة كثير من قواده تنفيذ خطة الزحف صوب القاهرة والتي ولابد أن تبدأ باحتلال المنصورة، وفي هذه الأوضاع الخطيرة توفي السلطان نجم الدين أيوب في 15 شعبان 647هـ فكتمت زوجته شجرة الدر الخبر وكان نجم الدين قد رتب أمور الحكم معها قبل وفاته وأوصاها بكتمان خبر وفاته حتى لا يفت ذلك في عضد المجاهدين، وفي المقابل استعد الصليبيون لاقتحام المنصورة وذلك بعدة فرق عسكرية، فرقة فرنسية يقودها الكونت «آرتوا» شقيق لويس التاسع، وفرقة الدواية أو فرسان المعبد المشهورون بقسوتهم ووحشيتهم، وفرقة من الفرسان الإنجليز، وكان بين الفرق الثلاثة نوع من التنافس.
كان المعسكر الإسلامي بالمنصورة تحت قيادة الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري والذي وضع خطة ذكية لقتال الصليبيين في رحاب مدينة المنصورة، وذلك عن طريق وضع عدة كمائن داخل المدينة وطلب من الأهالي البقاء في منازلهم دون أدنى حركة انتظارًا لإعطاء إشارة الهجوم، وفي يوم 4 من ذي القعدة سنة 647هـ ـ 8 فبراير 1250م، دخلت الفرق الصليبية الثلاثة مدينة المنصورة فوجدوها صامتة وشوارعها خالية فظنوا أن حاميتها وأهلها قد فروا منها مثلما حدث بدمياط، فانطلقوا يمرحون ويزهون في طرقاتها وهم يبحثون عن الغنائم والأسلاب وتحدوهم رغبة عارمة في ارتكاب واحدة من المذابح البشرية التي اشتهروا بها، وفجأة انقض عليهم المسلمون مثل الصواعق المحرقة وأطبق عليهم فرسان المماليك وأهل المنصورة والمتطوعون من كل ناحية، فأصيب الصليبيون بالذعر والاضطراب الشديد وتبعثرت قواتهم, وقد وضع الأهالي المتاريس لعرقلة فرار الصليبيين، وانقشع غبار المعركة عن عدد كبير من القتلى في مقدمتهم الكونت المغرور «آرتوا» ومن استطاع الفرار من القتل كان مصيره الغرق في مياه النيل، وكان هذا النصر مقدمة للنصر الأكبر يوم فارسكور في 3 محرم سنة 648هـ.
([1]) راجع: السلوك، النجوم الزاهرة، البداية والنهاية، مفرج الكروب، تاريخ الأيوبيين والمماليك.