معركة النهروان
مفكرة الاسلام: تعتبر فرقة الخوارج أول الفرق ظهورًا في تاريخ الإسلام، وأول صورة من صور الانحراف في تاريخ العقيدة الإسلامية، والتي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وتواترت الأحداث بخروجهم وصفاتهم وكان أول ظهورهم بعد معركة صفين سنة 37هـ، وكأن ظهورهم كان من أسوأ تداعيات هذه الحرب المنكودة، حيث لم يرض طائفة من جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمسألة التحكيم، وكان أول من تكلم في المسألة «عروة بن أدية» من بني تميم فقال: «تحكمون في أمر الله الرجال! لا حكم إلا لله» ثم رفض العودة مع الجيش هو ومجموعة ممن على شاكلته إلى الكوفة، وانحازوا إلى قرية يقال لها «حروراء»، وذلك بعد أن دخلوا الكوفة ثم خرجوا منها مرة أخرى وعسكروا بحروراء.
اتفق علي بن أبي طالب مع قادته على ألا يبدءوا الخوارج بالقتال ما لم يبدءوا هم، ودخل ابن عباس إلى معسكر الخوارج وحاول إقناعهم ببطلان ما هم عليه، ونجح في إقناع عدة آلاف منهم ولكن بقي منهم على ضلالهم حوالي ستة آلاف، وظل الخوارج ساكنين لا يظهرون عداوة ولا قتالاً حتى وصلت إليهم أخبار استعداد علي وأهل العراق للخروج لقتال معاوية وأهل الشام، فأخذ الخوارج في التحرك في المنطقة بحرية، ثم وقعت حادثة أدت لمعركة النهروان، وهي قيامهم بقتل الصحابي عبد الله بن خباب بن الأرت وزوجته الحامل وثلاثة نساء آخرين من قبيلة طيء.
ولما علم علي بن أبي طالب بالخبر قرر البدء بهذه الفئة الضالة الباغية، فأسرع بجيوشه ووصل إلى معسكرهم بالنهروان، وطلب منهم تسليم القتلة ولكنهم رفضوا وأصروا على القتال، فدعا علي بن أبي طالب ربه قائلاً: «والله لا يقتل منا عشرة ولا يَسلم منهم عشرة» وفي شهر شعبان سنة 38هـ دار القتال بين الطرفين وانهزم فيه الخوارج بشدة، حتى إنه لم يسلم منهم من القتل سوى تسعة كما دعا بذلك علي رضي الله عنه، وكان ضمن القتلى ذو الثدية وهو علامة الخوارج كما جاء في الحديث الصحيح([1]).
الجدير بالذكر أن فكر الخوارج ما زال موجودًا حتى الآن كما وردت بذلك الآثار الصحيحة، ومن صفاتهم أنهم يستحلون دماء المسلمين ويتركون الكافرين، وينزلون الآيات والأحاديث التي وردت في الكتاب والسنة عن الكفار على أهل الإسلام، كما إنهم متعمقون إلى حد التنطع في العبادة والزهادة، وكان قتال علي بن أبي طالب لهم دليلاً على صحة موقفه في القتال بينه وبين معاوية رضي الله عنه([2]).
([1]) انظر: صحيح البخاري رقم (3610)، ومسلم رقم (1064).
([2]) فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تمرق مارقة عند فُرْقةٍ من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق)) رواه مسلم في صحيحه رقم (1065).