الميترو بواجه مشاكل بعد شهر من إطلاقه
مراسلات رسمية تحذر من خرسانة مغشوشة وخلل في أنظمة تصريف المياه
الشركة المسيرة تتوقع توقف ميترو الجزائر في حال عدم تسوية الخروقات
تكشف وثائق بحوزة "الشروق" ضمن تقرير مفصل عن سياسة "بريكولاج" في إنجاز أقدم مشروع حلم به الجزائريون لأزيد من 30 سنة، وهو ميترو الجزائر بعد 4 أيام فقط من تدشينه من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في الفاتح من نوفمبر الماضي، ويفضح التقرير فشل أنظمة شفط وتصريف المياه وعجز كامل على مستوى المضخات، ناهيك عن تقرير الخبرة الذي أثبت استعمال الخرسانة المسلحة المغشوشة وغيرها من التجاوزات والخروقات التي ستؤدي حتما يوما ما، حسب التقرير إلى توقيف الاستغلال الكلي للميترو.
* مراسلات تحذر من كوارث بالجملة
تحصلت "الشروق" على مراسلة خاصة من الشركة المسيرة للميترو "أر.تي.بي الجزائر"، موجهة إلى الشركة المنجزة سيمنس - فنسي - كاف "SVC" تبلغها يوم 5 نوفمبر 2011 أي بعد تدشين الميترو من طرف رئيس الجمهورية بأربعة أيام فقط، بتسجيل عيوب خطيرة في مضخات الصرف تحذر من تصاعد مستوى المياه داخل نفق الميترو، مما سيسبب كارثة حقيقية على المدى القريب أو البعيد.
كما حذرت الشركة ذاتها في مراسلة أخرى، الشركة المنجزة من تكرار مشكل ارتفاع منسوب المياه والذي سيؤدي حتما إلى توقيف الاستغلال الكلي لميترو الجزائر، وبالتالي عدم تحقيق الأهداف المسطرة فضلا عن إلزام ذات الشركة بدفع تعويضات عن الخسائر التي قد تسجل في الأنفاق أو الكابلات والخزائن الكهربائية، وبالتالي ضرب سمعة الشركة المسيرة بالجزائر حسب ما جاء في المراسلة المؤرخة يوم 5 نوفمبر 2011.
وتطرقت ذات المراسلة إلى الغياب الكلي لممثلي الشركة ليلة 4 إلى 5 نوفمبر، حيث جاء فيها: "لقد سجلنا ليلة 4 إلى 5 نوفمبر غيابا كليا لممثلين عن شركتكم للقيام بالتدخل السريع، وذلك بعد تسجيلنا للكثير من العيوب في مختلف المحطات، منها عدم وجود الزيت الضروري في محرك المضخة رقم 1، وانخفاض درجة حرارة المضخة رقم 2 وتسجيل عيب آخر في مضخة الإنذار الحراري، ووجود مؤشر في وضعية غير مناسبة".
وجاء في نفس المراسلة: "..وقد تبين بعد المعاينة أن هذه الحالات تكررت في كل المضخات يشكل عام ولهذا ندعوكم، بل نأمركم بتصحيح هذه العيوب الخطيرة في مدة لا تتعدى 48 ساعة".
وعلى الرغم من هذه المراسلة الخطيرة، إلا أن نفس المشاكل تكررت يوم 8 نوفمبر، أي بعد 4 أيام من الحادثة الأولى حسب مراسلة أخرى تحوز عليها "الشروق".
عقلية "البريكولاج" لإنجاز مشروع القرن
وحسب تقرير مفصل عن تأخر تسليم ميترو الجزائر، في وقته المحدد من طرف مجمع سيمنس- فنسي-كاف " SVC"، تحصلت "الشروق" على نسخة منه، يعود إلى عدة أسباب أهمها:
- عجز المجمع عن إنجاز أشغال عديدة حسب بند الإتفاق بين ذات المجمع والشركة المسيرة للميترو "أر.تي.بي الجزائر"، مما تسبب في انعكاسات خطيرة على المشروع، كما سبب التأخر في وضع السكك على الخطوط بشكل هام على تاريخ تسليم المشروع مع العلم أن المجمع استمر في العمل بإمكانات بشرية ومادية محدودة وغير مناسبة، مما جعله عاجزا عن تعويض التأخر عكس إلتزاماته التي قطعها عدة مرات.
- سياسة الهروب إلى الأمام استمرت، وأصبحت سياسة المجمّع الذي ينجز المشروع في إخفاء عجزه، وإعطائه في نفس الوقت "انطباعا" أن الأشغال تتقدم، ومنها محاولته التركيز على موضوع إنجاز بعض التجهيزات، منها أجهزة الطاقة الكهربائية وتثبيت السكك.
- تم إنجاز عملية وضع الخرسانة المسلحة عن طريق "وصل" من أجل إنجاز تحت التهديد بوقف المشروع من صاحب المشروع المتمثل في وزارة النقل، غير أنه تم تسجيل أخطاء خطيرة في الإنجاز، على غرار التأكد من عدم مهنية وخبرة مجمع سيمنس - فنسي - كاف "SVC" الذي كان يقوم بإنجاز المشاريع في الخفاء وسرية تامة، والعمل دون الحصول على موافقة وحضور صاحبة المشروع، رافضا إعطاء المعلومات الدقيقة حول تنظيمه وتنظيم الموارد التي رصدها في الإنجاز، كما رفض منح المخططات المستغلة في متابعة الأشغال، مما نتج عنه كخلاصة تسجيل تأخر في تسليم المشروع عن موعده المحدد بـ24 شهرا، أي سنتين كاملتين.
كما ورد في ذات التقرير، معلومات خطيرة حول الخرسانة المستعملة في المشروع، حيث أثبتت التحقيقات أنها غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها مما تسبب في تأخر قدر بـ9 أشهر، وذلك بسبب رفض الشركة المنجزة تسليم الوثائق التقنية للمشروع.
وعلى الرغم من مطالبة صاحب المشروع "أر.تي.بي الجزائر"، بتصحيح الخلل في استعمال الخرسانة، لم تتمكن الشركة من الوفاء بنوعية الخرسانة بالمقاييس المطلوبة، كما أرفق التقرير بجداول مفصلة عن التأخر المسجل بالمقارنة مع العقد الأساسي، على غرار إنجاز الإدارة العامة الذي سجل فيها تأخر يقدر بـ 32 شهرا، أي ما يعادل 960 يوم، ونفس فترة التأخر سجلت بالنسبة لإنجاز البنايات الملحقة وكذا التزويد بالكهرباء. كما سجل تأخر في إنجاز ذات المشاريع بعد تعديل الاتفاقية، يتراوح بين 18 و22 شهرا.
وحسب ذات التقرير، فإن العقد الأساسي تم توقيعه في 24 مارس 2006 على أمل أن يتم تسليم المشروع خلال 35 شهرا، أي يوم 23 فيفري 2009، غير أن التسليم الفعلي لمشروع حلم الجزائريين منذ أزيد من ثلاثين سنة، كان يوم 31 أكتوبر 2011.
مشروع إنجاز إدارة الميترو... والكارثة الكبرى
كما جاء في التقرير عن أسباب تأخر تجزئة خط ميترو رقم 14 لمنطقة "العناصر"، ممثلا في مركز إدارة الميترو، حيث كان يفترض إنطلاقه في مارس 2006، واستلامه في فيفري 2008، غير أنه سجل تأخر قدر بـ21 شهرا بالنسبة للاتفاقية المعدلة.
ونفس الشيء بالنسبة للأشغال الكبرى والصغرى، حيث سجلت تأخرا يقدر بـ 9 أشهر، وإجمالا تم تسجيل تأخر يفوق 20 شهرا بالنسبة للاتفاق الأساسي المبرم في مارس 2006.
تحقيقات أمنية وقضائية قبل التدشين
إلى جانب الفضائح التي كشف عنها التقرير المفصل لتأخر استلام المشروع، فإن ميترو الجزائر انطلق وسط تحقيقات أمنية وقضائية شملت عددا من حصص مشاريع إنجاز هذا الأخير، حول خروقات قانونية على مستوى تحرير الفواتير وآليات إرساء صفقات المناولة مع المؤسسة المكلفة بالإنجاز التي أثبتت وجود معاملات مزورة وأشغال موكلة لشركات وهمية.
كما سجلت أكبر التلاعبات في أشغال الميترو على مستوى عملية الحفر والردم ونقل التربة التي يصعب مراقبتها، بالنظر إلى صعوبة تحديد عدد الشحنات والحصى، لاسيما عندما يتعلق الأمر بطبقات صخرية أثناء الحفر، وهي القضية التي كشفت أولى خيوطها فصيلة الأبحاث التابعة للدرك بالعاصمة، وأحالت خمسة متورطين على العدالة التي أمرت بتوسيع التحريات لتشمل حصصا أخرى.