أضحى الكثير من المستهلكين الجزائريين يتأسفون لاختفاء النكهة والذوق وحتى الرائحة في العديد من المواد الغذائية التي يستهلكونها، على شاكلة القهوة التي تحولت إلى مادة صناعية ولكن أكثـر من ذلك تعرف مستوى من الغش على مستويات عدة، جعلتها دون أي فائدة غذائية، بل ومضرة في العديد من الأحيان.
يؤكد خبراء التغذية أن التحولات الكبيرة التي يعرفها النظام الغذائي والنمو الكبير للطلب، جعلت العديد من المنتجين يلجأون إلى خيارات لضمان الربح، من خلال مزج القهوة بمواد مثل الحمص والسكر، لضمان وزن أكبر، حيث تفقد المادة الأولية من وزنها بعد تحويلها، وحينما يتم مزج المادة بمواد أخرى مثل الشعير والسكر والحمص، تفقد أيضا مزاياها وتتحول إلى مادة مضرة.
ويفيد الأطباء بأن أولى أعراض المادة الممزوجة هي الحموضة والعسر في الهضم، ناهيك عن أمراض أخرى يمكن أن تصيب المستهلك الدائم.
وأول ما يلاحظ على المادة الممزوجة بعد طهيها، وجود ترسبات ونكهة مختلفة وغياب الرائحة، خاصة أن نسب المزح بدأت تتطور إلى حد تصبح فيه المادة الأولية الأصلية تمثل حوالي 70 بالمائة، مقابل 30 بالمائة من المواد الإضافية، حسب خبراء في التغذية، ما يدفع المستهلكين إلى إيجاد بدائل مثل الكبسولات الأغلى ثمنا أو المادة الأولية، أي حبوب القهوة التي تطحن بعدها تفاديا لمضاعفات سلبية.
القهوة في الجزائر
تداولت كلمة القهوة عربيا وهي مشتقة من اللغة الفرنسية رغم اشتقاقها من الإيطالية ''كافي'' والتركية ''قهفي'' وتعني مادة تسمح بالبقاء يقظا وفطنا. تداولت في فرنسا من العامية الجزائرية بعد الاحتلال، خاصة لدى الجنود الفرنسيين في القرن الثامن عشر. أصول القهوة ''كوفي أرابيكا'' تعود إلى ضفاف البحر الأحمر إثيوبيا بالخصوص، بداية من القرن السابع، بعد أن اكتشف أحد الرعاة فائدة نبتة القهوة على الماشية ومزاياها المنشطة. استوطنت مادة القهوة في اليمن، لتنتشر في باقي المناطق العربية، منها الجزائر، على يد الطرق الصوفية بالخصوص الذين ابتكروا طريقة تحميص حبوب القهوة ثم غليها، بعد أن كان الأمر يقتصر على القهوة الخضراء. وكانت الجزائر من أهم المدن مع القاهرة واسطمبول ودمشق استهلاكا للقهوة في القرن الرابع عشر، مع فتح العديد من المقاهي، إلى درجة دفعت حكام مكة المكرمة في 1511 إلى إحراق كميات كبيرة منها، ثم انتشر استهلاكها بصورة واسعة على أيدي الأتراك العثمانيين. ويتم حاليا تطوير صنفين هما ''روبيستا'' التي تعتبر أكثـر إنتاجية و''أرابيكا'' التي تمتاز بنكتها الخاصة وبنسبة أقل لمادة الكافيين.
مسؤول ''انتريكسبريسو'' رشيد أوساسي لـ''الخبر''
''الغش في القهوة غير مقبول لأنه يؤثر على سمعة كافة المنتجين''
شدد السيد رشيد أوساسي، مسؤول شركة ''انتريكسبريسو'' المنتجة للقهوة، على ضرورة محاربة كافة أشكال الغش التي تمس هذا المجال الهام، لأنه مرتبط مباشرة بالمستهلك.
وأوضح أوساسي بأن السوق الجزائرية تعاني من السوق الموازية وغياب الفوترة بنسبة تقدر بحوالي 60 بالمائة، ما يؤدي إلى منافسة غير شريفة وتسويق مواد غير مراقبة، بينما تراجع عدد الشركات القديمة المحترفة التي امتهنت صناعة تحويل وتوظيب القهوة وفقا للمقاييس إلى عدد قليل جدا، بينما كان الأجدر الحفاظ على العلامات، على غرار ما يتم عبر العالم.
وقدر أوساسي حجم السوق بحوالي 120 إلى 140 ألف طن سنويا على الأقل، ما يجعل السوق الجزائرية الأهم في شمال إفريقيا، منبها إلى أن المتعاملين في القهوة مضطرون إلى تسديد نسبة 30 بالمائة من الحقوق الجمركية، تضاف إليها 10 بالمائة كرسوم داخلية للاستهلاك، وهي المادة الوحيدة تقريبا مع الخمور التي تفرض عليها نسب مماثلة، في وقت تجني الخزينة العمومية أكثر من 12 مليار دينار سنويا من الرسوم الخاصة بالقهوة.
وقال أوساسي إنه من غير المعقول أن تسود ممارسات مماثلة، حيث يتم مزج مواد مثل الشعير والحمص والسكر في المادة الأولية، كما يتم المزج بين نوعين من القهوة ''أرابيكا وروبيستا'' دون أن يكون بوسع المستهلك معرفة ذلك، مضيفا ''صحيح أن مستويات الأسعار في السوق الدولية خاصة بالنسبة لأرابيكا ارتفع بصورة محسوسة ما بين 2006 و2011 بالخصوص، ولكن هذا لا يفسر انتشار مثل هذه الأساليب التي يتعين محاربتها''. أما بالنسبة للأسعار، فإن مستويات المادة الجيدة للقهوة أضحت تتراوح ما بين 800 إلى 1000 دينار للكلغ، مع تسجيل وجود مادة انتقالية متوسطة تتراوح ما بين 600 و700 دينار للكلغ. أما عن الاستهلاك، فإنه عرف، خلال العشرية الماضية، نموا معتبرا إلى حد بلغ فيه المعدل أحيانا 10 كلغ للفرد في بعض المناطق، مع ملاحظة انتشار استهلاك القهوة أيضا في الجنوب.
الرئيس المدير العام لشركة ''أفريكافي'' حمداني فؤاد لـ''الخبر''
''أكثر من نصف حجم القهوة المتداولة غير معالج بطريقة سليمة''
اعتبر السيد حمداني فؤاد، الرئيس المدير العام لشركة ''أفريكافي''، إحدى أقدم المؤسسات العاملة في سوق القهوة بالجزائر، أن أكثـر من نصف القهوة المتداولة في السوق غير معالجة بطريقة سليمة وأن هناك ميلا للغش في بعض الأحيان، رغبة في الربح السريع ولو كان ذلك على حساب المستهلك. وأوضح حمداني لـ''الخبر'': ''الجزائري مستهلك للقهوة والسوق كانت دائما تعرف نموا معتبرا ويقدر حجم الاستهلاك كمعدل ما بين 100 إلى 120 ألف طن، ولكن أكثـر من نصف القهوة المتداولة غير معالج بطريقة سليمة أو لا يخضع للمقاييس. كما لاحظنا دخول العديد من المتعاملين والوسطاء الذين لا يحترمون بالضرورة شروط الجودة والنوعية ويلجأون إلى طرق غير مقبولة تجاريا وقانونيا، بإضافة مادة السكر المحروق للمادة الأولية، رغم أن القانون يمنع ذلك، فهنالك حيل يتم اللجوء إليها، مستغلين بعض النصوص القانونية القديمة، على غرار إضافة نسبة من السكر. وهذه الطريقة كانت تتم في المادة الأولية أي حبوب القهوة للحفاظ عليها وكانت القوانين السابقة تؤكد على إضافة حوالي 2 بالمائة للحفاظ على حبوب القهوة لمدة طويلة، ولكن ما يتم القيام به هو إضافة كمية كبيرة تصل إلى 20 بالمائة من السكر المحروق إلى مسحوق القهوة لضمان وزن كبير، وحتى في حالة المراقبة، فإنه يتم الخلط في هذا المجال''.
وأشار حمداني بالقول إلى أنه يرى في السوق، حاليا، أصنافا من القهوة لم تكن معروفة مثل قهوة بالكراميل وهي في الواقع قهوة يضاف إليها سكر محروق وهي غير نافعة وقهوة مركبة، مضيفا ''تحويل وإنتاج القهوة يتطلب مهنية واحترافا وضميرا وكان كذلك لسنوات، ولكن حاليا يتم اللجوء إلى حيل للربح، فالقهوة تفقد نسبة 20 بالمائة من وزنها لدى التحويل، وما يتم القيام به هو تعويض هذا النقص بمواد أخرى مثل الحمص والسكر. والأخطر من ذلك أن مثل هذه المادة المحروقة لأكثـر من 1200 درجة مئوية، تكون لها مضاعفات خطيرة، بل ويمكن أن تتحول إلى عامل خطير للصحة، في وقت يختفي المحترفون تدريجيا من السوق''.
استيراد ما بين 220 و250 مليون دولار سنويا من القهوة
الجزائري يستهلك 6 كلغ سنويا ويفضل الـ''روبيستا''
تعتبر القهوة من بين أهم المواد الغذائية المستهلكة في الجزائر، حيث تفيد الإحصاءات الصادرة عن مصالح الجمارك باستيراد ما بين 220 إلى 250 مليون دولار سنويا من هذه المادة ويتم اقتناؤها من حوالي 10 بلدان رئيسية.
ينشط في سوق القهوة في الجزائر حوالي 2000 منتج ومحول، مع تسجيل أكثـر من 300 علامة متداولة في السوق. ويعرف سوق القهوة في الجزائر منذ سنة 2000، نموا متزايدا، مع زيادة معتبرة في الاستهلاك، مقدرة بحوالي 6 كيلوغرامات للفرد في السنة، وتسجيل استهلاك أقصى في المناطق الشمالية الساحلية بالخصوص التي أضحت فيها القهوة ضمن العادات الاستهلاكية الواسعة منذ بداية القرن الخامس عشر مع الوجود التركي في الجزائر.
في نفس السياق، تكشف تقديرات الجمارك عن أن أهم الممونين بالقهوة هم أكبر المصدرين مثل البرازيل وكولومبيا وأندونيسيا والهند وفيتنام وكوت ديفوار واليمن.
ويميل المستهلك الجزائري، على غرار العديد من المستهلكين، أكثـر إلى مادة الـ''روبيستا''، حيث تقدر نسبة هذا الصنف بحوالي 85 بالمائة مقابل 15 بالمائة لـ''أرابيكا''، وتقدر قدرة التحويل بحوالي 300 ألف طن أي ضعف المادة المستوردة.
ثقافة المستهلك
يتراوح الاستهلاك الوطني للفرد الجزائري من القهوة ما بين 5,3 إلى 4 كلغ للفرد، وحوالي 150 ألف طن سنويا. وتمثل ''روبيستا'' أكثـر الأنواع استهلاكا، كما تشكل السوق الموازية والأسواق غير المراقبة نصيبا وفيرا من تجارة هذه المادة. وتعتبر النساء بنسبة 60 بالمائة أكبر المستهلكين مقارنة بالرجال بنسبة 40 بالمائة.