"فلانة تزوّجت... فلانة تطلّقت... فلان اشترى سيارة بأموال زوجته... الخ"، هي مواضيع بلغت مسامعنا ونحن نهمّ بالدّخول الى إحدى مقابر العاصمة، لتتحوّل بذلك زيارة المقابر الى مكان تلتقي فيه النسوة للترفيه عن أنفسهن عوض الدّعاء لموتاهنّ.
يعتبر كثير من الناس أن زيارة القبور صباح العيد فعل محمود دينيا واجتماعيا وفيه نوع من التعبير عن الوفاء للأموات من حيث ترك الناس في العيد والاتجاه للمقبرة لقراءة القرآن، وبعد ما تحوّلت الظاهرة إلى عرف ورياء اجتماعي، حاولنا التقرّب من بعض مقابر العاصمة وكانت المحطّة الأولى من جولتنا مقبرة سيدي رزين ببراقي.
مقابر تتحوّل الى مكان "للبوليتيك والتقرعيج"
أغرب ما شدّ انتباهنا عند دخولنا مقبرة سيدي رزين ببراقي هو الجمع الغفير من المواطنين الذي حطّوا رحالهم في ثاني أيّام العيد بالمقبرة قصد زيارة موتاهم والترحّم عليهم، في الوهلة الأولى أخذتنا الرّأفة بهم كونهم فضّلوا أن يبدأ "عيدهم" قرب الأموات من الأحباب والأهل الذين هجروهم ليرحلوا إلى جوار ربهم الذين افتقدوهم كثيرا بدون شك عوضا أن يبدأوا نهارهم مع الأحياء من الأرحام والأقارب.
.. غير أنّنا فوجئنا ببعض التصرّفات بما فيها المواضيع التي تتطرّق لها الزّائرات على وجه الخصوص، فلا يتوقّف لسانهن عن الرّغي في أحاديث لا تليق لا بالمكان ولا بالزمان، فمنها من تتحدّث عمّن تزوّجت ومن تطلّقت، ومنها من تتحدّث عن جارتها وأخرى عن زوجها، ومنها من قامت بإحضار الحلوى للتباهي بها وسط الزوّار مثلما هو حال الحاجة غنية التي أخبرتنا بأنّها متعودة على زيارة قبر زوجها المتوفي منذ 20 سنة كل يوم عيد، وتقوم بصناعة حلوى الغريبية التي كان يحبها زوجها، ثم تقوم بتوزيعها على المتواجدين في المقبرة.
ظاهرة أخرى لفتت انتباهنا عند مدخل المقبرة اعتدنا مشاهدتها وهي اعتداء المتسوّلين المنتشرين في كل أركان المقابر يستغلّون الأطفال لكسب ما تيسّر من الأموال في مثل هذا اليوم، وما أثار استغرابنا تصرّف بعض المتسوّلات اللاتي يلقين بالحلوى التي تصدّق بها الزوّار، مطالبات بتلقّي الصّدقات نقدا ولا حاجة لهنّ بالحلويات.
نساء متبرّجات وشباب يتحرّشون داخل المقابر
وبالرّغم من أنّ زيارة القبور اتّفق عليها أهل الدّين على أنّها أمر مكروه خاصّة خلال الأعياد والمناسبات، غير أنّ جرأة بعض النسوة والفتيات اللّواتي تعمّدن زيارة موتاهن بأبهى حلّة يعرضن أزياءهنّ داخل المقبرة ضاربات حرمة هذه الأخيرة عرض الحائط ولا يستحين أيام العيد ويتعمّدن خدش الحياء والرّد على معاكسات الشباب، بل تكنّ المبادرات في استدراجهم والحديث معهم في مظهر مشين وشباب يستغلون الفرصة من أجل المغازلة والتحرّش بالفتيات.
اختلف أهل الدّين في تحديد حكم زيارة القبور في الأعياد والمناسبات خاصّة بعد تحوّل مقصدها الشرعي الذي يكمن أساسا في تذكير الناس بالآخرة، فمنهم من يرى بأنّ الزيارة تعطي فرصة للفرد أن يتذكّر الآخرة، ومنهم من يرى أن الزيارة في العيد منهي عنها شرعا، خاصة في زمان كثرت فيه مظاهر اللهو والفتن، وتحولت زيارة الموتى إلى عرف ورياء اجتماعي بعد أن حادت عن مقصدها الشرعي الذي يكمن أساسا في تذكير الناس بالآخرة، ودعا الناس إلى ترك هذه العادة خلال العيد الذي وُجد للعبادة والفرح.