ولقد صدق الشاعر حين قال:
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد وتقوى الله خير الزاد
ذخرا وعند الله للأتقى مزيد ، فالسعادة في تقوى الله وهي تلك الحلاوة واللذة
الايمانية القلبية التي يجدها العبد الصالح التقي في قلبه فسرعان ما تترجم
على لسانه وجوارحه بل وحياته كلها. وكثير هم الذين اهتدوا بعد ضلال و
يؤكدون أنهم بعد الهداية وجدوا ما كانوا يبحثون عنه، فالى متى السير وراء
مزاعم الشيطان ، وارتكاب المعاصي والآثام جريا وراء سعادة مزعومة قد
تعقب ألما وحسرة في الدنيا والآخرة ، هدى الله الجميع للحق والثبات عليه
والاخلاص فيه وقبوله.
ففي القلب شعث لا يلمه الا الاقبال على الله .. وفيه وحشة لا يزيلها الا
الانس به وفيه حزن لا يذهبه الا الاجتماع عليه .. والفرار منه اليه .. و
فيه نيران وحسرات لايطفئها الا الرضى بأمره ونهيه ..وفيه فاقة لا يسدها
الا محبته ..والانابة اليه ودوام ذكره .. وصدق الاخلاص له ولو اعطي
الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبدا.. الانس ثمرة الطاعة والمحبة ..
فكل مطيع لله مستأنس وكل عاص لله مستوحش.
ان ابراهيم بن أدهم كان من أولاد الأثرياء ونحوهم ، ولكنه تعبد وترك زينة
الدنيا ، ثم صار يعيش على عيش شظف، ومعيشة متطرفة بمعنى أنه يرضى
بخشونة العيش حتى كان يتقوت بيابس الخبز، الخبز اليابس ويشرب عليه ماء،
ومع ذلك يقول: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.
تلذذ بالعبادة، وتلذذ بالطاعة، ووثق بربه أنه سيرزقه ، فوفقه الله تعالى وأحياه حياة طيبة ،
هو يقول: لو أن الملوك شعروا بما نحن فيه من لذة الطاعة والعبادة لجالدونا على
ما نحن فيه، ولزهدوا في ملكهم ، ولزهدوا في زينتهم وزهرة حياتهم ، وذكر أنه
اشتكى اليه بعض أتباعه وتلامذته ، شدة الجوع ، لم يكن لهم قوت فاشتد عليه
الجوع ، فنظم له بيتين قال في الأول:
أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر أنا جائع أنا حاسر أنا عار
ثم قال في الثاني:
هي ستة وأنا الكفيل بنصفها فكن الكفيل بنصفها يا بار
لما أعطاه هذين البيتين في ورقة ، يسر الله تعالى له من أعطاه ، وكفله وأعطاهم
ما يقتاتون به دون أن يسأل مخلوقا، ودون أن يزاحم أهل الدنيا في زينة دنياهم ،
ان التلذذ بالطاعة هو اللذة الحقيقية ، وهو النعيم وهو السرور وهو الحبور، فأهل
الدنيا الذين جعلوا دنياهم مجرد الانتفاع بالمآكل والتلذذ بالمشارب ونحوها لم يذوقوا
أطيب ما في هذه الدنيا الذي هو التلذذ بالعبادة ، وذلك لأن أهل العبادة يتلذذون
بالعبادات يقول أيضا بعضهم: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم.
أهل الليل يعني: أهل التهجد، وأهل القراءة والذكر، أما أهل اللهو فهم الذين يقطعون
ليلهم بلهو وسمر وغناء وطرب، فان هؤلاء ليسوا ملتذين بلذة الطاعة الحقيقية.
لا تنسوني من صالح دعائكم ....
هــمــ الحنين ــس