هي معركة حربية دارت أحداثها بمدينة المنصورة بين الأيوبيين والحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا سنة(647هـ= 1250م ) وتعد هذه المعركة من أهم العوامل لبزوغ فجر الدولة المملوكية ،وأفول نجم الدولة الأيوبية ، حيث نجح جنود الملك الصالح أيوب ـ الذى اشتراهم بكثرة واهتم بتدريبهم عسكريا حتى أصبحوا عماد جيشه ـ فى تحطيم آمال لويس التاسع وإفشال الحملة الصليبية السابعة ، أما عن أسباب هذه المعركة وأحداثها فنستعرضها فى السطور الآتية.
بعد أن استطاع الصالح نجم الدين أيوب الانفراد بحكم مصر سنة (637هـ= 1238م) ، ونجح فى استرداد بيت المقدس من أيدى الصليبين بمساعدة الخوارزمية في (3 صفر 642هـ= 11 يوليو 1244م) وهزم الصليبين في معركة غزة في (جمادى الأولى 642هـ = أكتوبر 1244م)، وكانت هذه الهزيمة أضخم كارثة حلت بالصليبيين بعد معركة حطين سنة (583هـ= 1187م)، وبلغ من أثرها أن أطلق عليها "حطين الثانية" ،ونجح أيضا في استرداد قلعة طبرية (645هـ= 1247م)، ثم استولى على عسقلان في العام نفسه، وبذلك نجح الصالح أيوب في توحيد مصر والشام تحت سلطانه بعد أن أصبحت القاهرة ودمشق وبيت المقدس في قبضة يده.
وقد أثار استرداد المسلمين بيت المقدس حفيظة الغرب الأوروبي، وارتفعت الأصوات هناك تدعو إلى ضرورة إرسال حملة صليبية جديدة إلى مصر بعد أن ساد الاعتقاد هناك أن مصر ما دامت على قوتها وبأسها فلا سبيل إلى نجاح الحملات الصليبية واستعادة بيت المقدس من أيدي المسلمين، واستجاب لهذه الصيحات الغاضبة "لويس التاسع" ملك فرنسا الذى عقد مجلسًا عامًّا في باريس في خريف سنة (643هـ= 1245م) حضره كبار رجال المملكة، ورجال الكنيسة على رأسهم البابا " إنوسنت الرابع "، وفي هذا المؤتمر أخذ العهود والمواثيق على الراغبين في الانخراط في الحملة، وبدأ بنفسه؛ فكان أول من أدرج نفسه في سجل الحرب الصليبية، وتتابع الأمراء في الاقتداء به .
وفي (20 من ربيع الآخر 646 هـ= 12 من أغسطس 1248م) أبحرت الحملة من ميناء "يجور" جنوبي فرنسا ؛ قاصدة قبرص حيث مكثت بها زهاء ثمانية أشهر .
ولما علم الصالح أيوب بأخبار الحملة الصليبية وهو في بلاد الشام من الإمبراطور الألماني "فريدريك الثاني"، الذي كان يرتبط به بعلاقات طيبة ،فتحرك الملك الصالح بسرعة على الرغم من مرضه، فغادر دمشق محمولا على الأكتاف في مِحَفَّة، ونزل بأشموم طناح التي تُسمى الآن (أشمون الرمان) بمركز دكرنس التابع لمحافظة الدقهلية بمصر، في (3 من صفر 647 هـ= 18 من مايو 1249م)، وجعل من هذه البلدة الصغيرة معسكره الرئيسي، ومركز عملياته الحربية.
وبدأ في الاستعداد لمواجهة العدو، فعمل على تحصين دمياط؛ لعلمه أنها كانت هدف الصليبيين في حملاتهم السابقة، وتزويدها بالمؤن والعتاد، وعَهِد إلى طائفة بني كنانة وهم قوم مشهورون بالشجاعة والإقدام بحماية المدينة والدفاع عنها، وأرسل إليها جيشًا بقيادة الأمير فخر الدين يوسف إلى البر الغربي لدمياط حتى يكون في مقابلة الصليبيين عند وصولهم إلى الشاطئ المصري، ليحول دون نزولهم إليه، فعسكر تجاه المدينة، وأصبح النيل بينه وبينها.
فلما وصلت الحملة الصليبية إلى الشواطئ المصرية في صبيحة يوم الجمعة الموافق (20 من صفر 647 هـ= 4 من يونيو 1249 م)، نزلت إلى البر بالرغم من وقوع بعض المناوشات بين الحملة والمسلمين ، وانسحب الأمير فخر الدين بجيشه، وعَبَر النيل إلى دمياط نفسها، ثم غادرها إلى المعسكر السلطاني بأشموم طناح .
ولما رأى أهالي دمياط انسحاب الحامية العسكرية ؛فروا بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم؛ فدخل الصليبيون دمياط بغير قتال.
استقبل الصالح نجم الدين أيوب أنباء سقوط دمياط بمزيج من الألم والغضب، فأنّب الأمير فخر الدين على تهاونه وضعفه، واضطر إلى نقل معسكره إلى مدينة المنصورة، ورابطت السفن الحربية في النيل تجاه المدينة، وتوافد على المدينة أفواج من المجاهدين الذين نزحوا من بلاد الشام والمغرب الإسلامي.
واقتصر الأمر على بعض الغارات التي يشنها الفدائيون المسلمون على معسكر الصليبيين واختطاف كل من تصل إليه أيديهم، وابتكروا لذلك وسائل تثير الدهشة والإعجاب، وتعددت مواكب أسرى الصليبيين في شوارع القاهرة على نحو زاد من حماسة الناس، ورفع معنويات المقاتلين.
وفي الوقت نفسه قامت البحرية المصرية بحصار الحملة وقطع خطوط إمدادها في فرع دمياط، واستمر هذا الوضع ستة أشهر منذ قدوم الحملة، ولويس التاسع ينتظر في دمياط قدوم أخيه الثالث كونت دي بواتيه، فلما حضر عقد الملك مجلسا للحرب لوضع خطة الزحف، واستقروا فيه على الزحف صوب القاهرة؛ فخرجت قواتهم من دمياط في يوم السبت الموافق (12 من شعبان 647هـ= 20 من نوفمبر 1249م) وسارت سفنهم بحذائهم في فرع النيل، حتى وصلوا إلى قناة أشموم المعروف اليوم باسم "البحر الصغير"، فصار على يمينهم فرع النيل، وأمامهم قناة أشموم التي تفصلهم عن معسكرات المسلمين القائمة عند مدينة المنصورة.
وفي الوقت الذي تحركت فيه الحملة الصليبية توفي الملك الصالح أيوب في ليلة (النصف من شعبان سنة 647هـ= 22 من نوفمبر 1249م) فقامت زوجته شجر الدر بتدبير شئون الدولة بعد أن أخفت خبر موته، وفي الوقت نفسه أرسلت إلى ابنه توران شاه ولي عهده تحثه على سرعة القدوم إلى مصر ليعتلي عرش البلاد خلفا لأبيه.
وتعين على الصليبيين لمواصلة الزحف أن يعبروا فرع دمياط أو قناة أشموم فاختار لويس التاسع القناة، فعبرها بمساعدة بعض الخونة، ولم يشعر المسلمون إلا والصليبيون يقتحمون معسكرهم، فانتشر الذعر بين المصريين، واقتحمت فرقة من الصليبيين بقيادة "روبرت أرتوا" أحد أبواب المنصورة، ونجحوا في دخول المدينة وأخذوا يقتلون المصريين حتى وصلت طلائعهم إلى أبواب قصر السلطان نفسه، وانتشروا في أزقة المدينة، حيث أخذ الناس يرمونهم بالأحجار والطوب والأسهم.
وانقض المماليك البحرية بقيادة "بيبرس البندقداري" على الصليبيين في (4 من ذي القعدة 647هـ= 8 من فبراير 1250م)، فانقلب نصرهم إلى هزيمة، قتلت الفرقة وقائدها الكونت أرتوا نفسه.
وفي فجر يوم الجمعة (8 من ذي القعدة 647هـ= 11 من فبراير 1250م) بدأ الجيش المصري هجومه على معسكر الفرنج، لكن الملك لويس تمكن من الثبات بعد أن تكبد خسائر فادحة، وبذلك انتهت معركة المنصورة الثانية، وهي المعركة التي أيقن الصليبيون بعدها أن عليهم الانسحاب إلى دمياط قبل القضاء عليهم.
وفي (23 من ذي القعدة 674هـ= 27 من فبراير 1250م) وصل توران شاه، وتولى قيادة الجيش، وأخذ في إعداد خطة لإجبار لويس التاسع على التسليم، بقطع خط الرجعة عليه ، فأمر بنقل عدة سفن مفككة على ظهور الجمال وإنزالها خلف الخطوط الصليبية في النيل ، وبهذه الوسيلة تمكن من مهاجمة السفن الصليبية المحملة بالمؤن والأقوات، والاستيلاء عليها وأسر من فيها، وأدى هذا إلى سوء الحال بالفرنسيين، وحلول المجاعة بمعسكرهم وتفشي الأمراض والأوبئة بين الجنود، فطلب لويس التاسع الهدنة وتسليم دمياط مقابل أن يأخذ الصليبيون بيت المقدس وبعض بلاد ساحل الشام ، فرفض المصريون ذلك وأصروا على مواصلة الجهاد.
لم يجد الصليبيون بدًّا من الانسحاب إلى دمياط تحت جنح الظلام، ولكن المصريين تعقبوهم وطاردوهم حتى فارسكور، وأحدقوا بهم من كل جانب، في (المحرم سنة 648هـ= إبريل 1250م) وقتلوا منهم أكثر من عشرة آلاف، وأُسر عشرات الألوف، وكان من بين الأسرى أنفسهم الملك لويس التاسع نفسه، حيث تم أسره في قرية "منية عبد الله" شمال مدينة المنصورة، وتم نقله إلى دار القاضي "فخر الدين بن لقمان"، حيث بقي بها أسيرا فترة حتى أفرج عنه [b]لقاء فدية مالية كبيرة، وجلاء الفرنج عن دمياط ، وأن يستمر الصلح بين الطرفين لمدة عشر سنوات.[/b]