لما تعفنت السياسة الفرنسية وأصبحت عاجزة أمام قوة الثورة الجزائرية وتماسكها داخليا وخارجيا وأدت انتصاراتها العسكرية والسياسية إلى سقوط الحكومات الفرنسية الواحدة تلو الأخرى، ولم يكن أمام العسكريين الفرنسيين إلا أمرا واحدا لإنقاذ فرنسا، لذلك قاموا بانقلاب 13 ماي 1958 وأرغموا الجنرال ديغول على العودة إلى الحكم .
وجاء ديغول إلى السلطة معتمدا الدعوة إلى سياسة الإصلاح التي بدأها سوستال مؤكدا على ضرورة وضع مخطط عسكري كبير للقضاء على الثورة والتمكن من فصل جيش التحرير الوطني عن الشعب في الأرياف والمدن، وعزل قيادة الثورة في الخارج وتعويضها بقوة ثالثة من المتغربين الجزائريين. وقد تأكدت سياسة ديغول في تصريحاته المتعددة ، نذكر منها قوله يوم 6 جوان 1958 بوهران : " إن فرنسا هنا وهي مقيمة بالجزائر وإلى الأبد" ، ويوم 7 من نفس الشهر " إن الجزائر أرض فرنسية اليوم وإلى الأبد" .
ثم قال مخادعا الجميع في ديسمبر 1958 قوله : "لقد طويت صفحة المعارك " ولكن الواقع أنه طلب من الجنرال شال وضع مخطط لمعارك كبرى لضرب الثورة في الجبال والأرياف ، انطلقت في فيفري 1959 وكان ديغول في نفس الوقت معتمدا مشروعا إصلاحيا سماه (مشروع قسنطينة) ولذلك صرح عدة مرات مؤكدا على سياسة (التهدئة) قوله في أوت 1959: " إن التهدئة على الأبواب " .
أما سياسته الإصلاحية المسماة بالتهدئة فقد اعتمدت أساسا على جمع السكان في محتشدات وقرى تشبه السجون الجماعية بهدف عزل الشعب عن الثوار وإغرائه بالأساليب الملتوية ولكن الشعب بقي متمسكا بالثورة ولم يتبع سياسة فرق تسد .
كان مآل هذه السياسة الفشل مثلها مثل سياسة الحكومات السابقة، فانتصر الثوار على عمليات شال العسكرية وانتصر الشعب في المحتشدات على سياسة ديغول الانفصالية، وانتصرت القيادة السياسية في الخارج على فرنسا في المحافل الدولية وهو الأمر الذي جعل ديغول يصرح في 16 سبتمبر 1959 قوله :"إني أعتقد أنه من الضروري أن نعلن منذ اليوم اللجوء إلى تقرير المصير، إني باسم فرنسا والجمهورية ونظرا للسلطات التي يخولها لي الدستور في استشارة المواطنين أتعهد إن عشت واستجاب لي الشعب بأن أطلب من الجزائريين أن يعبروا عن ما يريدونه في نهاية الأمر. أما تاريخ الانتخاب فسأحدده عندما يحين الوقت، وهو على أكثر تقدير بعد أربعة سنوات من عودة السلم عودة حقيقية، أي بحيث لا يبلغ عدد القتلى في المكامن والحوادث مائتين في العام"