بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ والصَلاَةُ وَالسَلام عَلَى مَن أَرسَلهُ اللهُ رَحمةً للعَالمينَ وَعَلى آلهِ وَصحبِهِ وَمَن سَار عَلى هَديهِم إلى يَومِ الدينِ وبعدُ:
فإنَّ الله سبحانه مِن جُودِهِ وَكَرَمِهِ قَد أََنعمَ عَلَى العِبَادِ مِنَ النِّعَمِ الظَّاهرةِ والبَاطنةِ مَا يَفوقُ الحَصرَ والعَدَّ كَما قَال : وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿النحل:18﴾
وَمِن أَعظمِ هذهِ النِعمِ عَلى الإطلاقِ نِعمةُ مَعرفةِ اللهِ التي هِي مِن أَشرفِ العلومِ وَأزكَاهَا، وذَلكَ لِتَعلُقِهَا بأَعظمِ مَعلومٍ وَهو اللهُ سُبحانَه، كَما قَال تَعالى في سورةِ النِّعمِ مُعدِّداً نِعَمَهُ عَلى عِبَادِه حَيثُ قَالَ في أَوَّلها: يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ﴿النحل:2﴾
قَالَ سفيَانُ بن عُيينةَ: (مَا أَنعمَ اللهُ على عَبدٍ مِن العِبَادِ نِعمةً أَعظَمَ مِن أَن عَرَّفَهَم لاَ إِلهَ إِلا الله)(1)
وقال بعض السلف :(مَسَاكِينٌ أَهلُ الدُّنيَا خَرَجُوا مِنهَا وَمَا ذَاقُوا أَطيَبَ شَيءٍ فِيهَا، قِيلَ: وَمَاهُوَ؟ قَالَ: مَعرِفَةُ اللهِ)(2)
وَ قَد تَعرَّفَ اللهُ سبحانه إلى عِبَادِهِ بِأَسمائِهِ الحسنَى وَصِفَاتِهِ العُلى وَبَيَّنَ لهم مِنها القَدرَ الذي يَتَوَصَلُونَ بهِ إلى تحقِيقِ عُبُوديتِهِ عَزَّ وَجَلَّ التي خَلقَهُم لتَحقِيقِهَا كَمَا قَالَ تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿الذاريات:56 ﴾
وَأَخفَى عَلَيِهِم مِن أَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مَا اقتَضَتهُ حِكمَتُهُ كَمَا فِي الدُّعَاءِ المأثور عَنهُ : ( أَو استَأثَرتَ بِهِ فِي عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ ) (3)
وَكمَا جَاءَ فِي الحَدِيث فِي قِصَّة الشَّفاعَة :( فَأَحمَدُهُ بمحَامِدَ لاَ أَقدِرُ عَلَيهِ الآنَ ) (4)
هذا وَمَا انتَهَكَ العِبَادُ حُرُمَاتِ اللهِ سبحانه وَمَا تجرَّؤوا عَلَى عِصيَانِه إِلاَّ بِسَبَبِ جَهلِهِم بِرَبهم وَعَظَمَتِهِ وَقُدرَتِهِ وَعَدَم ُتَفَقُهِهِم لأَسمائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَكُلَّ قَولٍ وَعَمَلٍ سَيءٍّ فَمَرجِعُهُ إلى الجَهلِ باللهِ سبحانه، وَكُلُّ قَولٍ وَعَمَلٍ طَيِّبٍ فَمَرجِعُهُ إلى العِلمِ باللهِجلا وعلا.
وَقَد أوضَحَ اللهُ سبحانه هَذَا السَبَبَ في كِتَابِهِ في عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنهُ كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ: وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ﴿الأنعام: ﴾ فَبَينَّ سُبحَانَهُ أَنَّ عَدَمَ تَقدِيرِهِم للهِ حَقَّ قَدرِهِ هُو الذِي حَمَلَهم عَلى النطقِ بهذِهِ الفِريَةِ العَظِيمة التي بُطلانُهَا أَوضَحُ مِنَ الشَّمسِ في رَابِعةِ النَّهار.
قَال ابن القيم - رَحمهُ اللهُ -: (فَأخبَرَ أنَّ مَن نَفَى عَنهُ الإرسَالَ وَالكَلاَمَ لمَ يُقدِّرهُ حَقَّ قَدرِهِ وَلاَ عَرَفَهُ كمَا يَنبَغِي)(5)
وَقَالَ سبحانه بَعدَ دَعوةِ المشرِكينَ للنَّبيِّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ بِأَنْ يَعبدُ آلهتَهُم وَيَعبُدُوا إلههُ: بَل اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴿الزمر: 67 ﴾ فَدَعوتهم للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُشرِكَ بِرَبِّهِ نَاتِجٌ عَن جَهلِهِم بِرَبهِم إِذْ أَنَّ أَسمَاءَ اللهِ وَصَفَاتِه دَالَةٌ عَلى وَحدَانِيَتِهِ وَبُطلاَنِ الشِّركِ به كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُو اللهُ الذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَالم الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحمنُ الرَّحِيمُ هُو الله الذِي لاَ إِلهَ إلاَّ هُو الملِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ المؤمِنُ المهيمِنُ العَزِيزُ الجبَّارُ المتَكَبِّر سُبحَانَ اللهِ عَمَّا يُشرِكُونَ
الحشر: 23
وَقَالَ : سبحانه وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ َوَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُون وَالظَّنُ هُنَا بمعنَى العِلم كَمَا ذَكَرَ قَتَادَة، ثُمَّ ذَكَرَ نَتِيجَةَ ذَلِك الظَنَّ فَقَالَ: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ (فصلت :24 )
فَهَذَا جَزَاءُ مَن اعتَقَدَ فِي صِفَةٍ مِن صِفَاتِ اللهِ أَنَّهَا لَيسَت عَلَى الوَجهِ الأكمَلِ، فَكَيفَ بمن نَفَى الصِّفَةَ مِن أَصلِهَا مُتَشَّبِثاً بِدَعَاوَى بَاطِلةٍ لاَ أَسَاسَ لهَا مِنَ الصِّحَةِ وَلاَ تَلِيقُ بخَالِقِ الأَرضِ وَالسَّمَواتِ.
وَهَذِهِ الآيَة وَأمثالها مِنَ الآيات تَدُلُ عَلَى أنَّ الجهلَ بِاللهِ وَبِأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ رَأسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَعُنوانُ كُلِّ خَسَارَةٍ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ.
وَأَعظَمُ هَذهِ الخطَايَا جُرمًا عَلَى الإِطلاَقِ خَطِيئَةُ الشِركِ باللهِ الذي هُو مِن أَعظَمِ الذُّنُوبِ وَأكبَرِ الكَبَائِر، وَلهذَا وَقَعَ وَاستَشرَى في هَذِهِ الأمَّة لجهلِهَا بِرَبهَا كَما قَال تعالى في قِصَّةِ مُوسَى لما قَالوا لَهُ اجعَل لَنَا إِلهاً كَمَا لَهُم آلهةً فإِنَّه أرجَعَ سَبَبَ قَولهم الشَنيعَ لِعَدَمِ مَعرِفَتِهِم بِرَبهِم حَقَّ المعرِفَة فَقَالَ: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴿ الأعراف: 138 ﴾ وَهَذَا نَظيرُ قَولِ اللهِ تَعَالَى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴿ الزمر:64﴾
وَلما اتخَذَ قَومَهُ العِجلَ إِلهاً اشتَدَّ غَضَبهُ عَليهِم، وَحَصَل مِنهُ مَا أَخبَرَ اللهُ سبحانه عَنهُ في القُرآنِ مِن إِلقَائِهِ للألواحِ وَأَخذِهِ بِرَأسِ أَخِيهِ وَلحيَتِهِ، وَنَبَّهَ اللهُ سبحانه في قِصَتِهِ عَلى سَفَاهَةِ قَومِهِ وَكَيفَ أَنهم اتخذُوا عِجلاً جَسَداً له خُوارٌ إلهاً، وَلَفَتَ نَظَرَهُم إلى أَنَّه لا يُكلمُهُم وَلاَ يَهدِيهم سَبِيلاً فَكَيفَ يُتَّخَذ إِلهاً كمَا قَالَ تعَالَى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ الأعراف:148 .
وَتَأمَّل نُكتةً لَطِيفَةً تُبَيِّنُ قَدرَ التَوحيد وَهي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لمَّا يَذكرُ قِصَةَ اتخاذِهِم للعِجل إِلهاً يحذِفُ المفعولَ الثَّانيَ للاتخاذِ وَهُوَ لفظَة (إلهاً) وَهَذَا مُطَّرِدٌ في القُرآنِ كالآيةِ السَابِقَة وَكَقَولِه سُبحَانه: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ﴿ البقرة:51﴾ أي اتخذتُمُوهُ إِلهاً وَلم يصرِح بِهِ إلاًَّ في سُورةِ طَهَ في قَولِه: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴿ طه : 88 ﴾ وذلك تَنبِيهاً مِنهُ سُبحَانَه إلى أَنَّهُ لاَ يَنبَغِي التَلَفُظَ بِأَنَّ عِجلاً مُصطَنَعاً مِن جَمَادٍ إِله، فَهَذَا مِنَ السَفَاهَةِ.(6)
وَلهذَا يُبطِلُ اللهُ سبحانه عِبَادَةَ المشرِكِينَ بِهِ بِذِكرِهِ لأَوصَافِ المعبُودَاتِ النَّاقِصَةِ مِن كُلِّ الوُجُوهِ وَبَرَاءَتِهِ سبحَانَهُ مِن كلِّ الأسمَاءِ التي سَمَّو بهَا آلهتهم وَالتي هِيَ أَعلاَمٌ محضَة لاَ مَعَانيَ لهَاَ، وَذَلِك كُلِّهِ تَنفِيراً مِنهَا وَ مُستَدِلاً بِذَلِكَ عَلَى عَدَمِ استِحقَاقِهَا للعِبَادَة ،كَقَولِه تَعَالَى في مُحاجَّةِ إبراهيمَ عليه السلام لأَبِيهِ: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً﴿ مريم: 42 ﴾ وَقَالَ سُبحَانَه: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴿فاطر:41 ﴾ وَقَالَ سُبحَانَهُ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴿يونس: 18﴾ وقال سُبحَانَه مَا تَعبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسمَاءٌ سمَيتُمُوهَا أَنتُم وَآبَاؤُكُم مَا أَنزَلَ اللهُ بهَا مِن سُلطان يوسف : 40
وَقَالَ عَن عِيسَى وَأُمَّهُ: مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴿ المائدة: 75﴾ فَبَيَّنَ اللهُ أنَّ عِيسَى وَأُمَّهُ ممَّن يحصُل مِنهُما الغَائِط والبَول، وَكَنَّى عَلى ذَلِك بِأَكلِ الطَعَامِ(7)، فَلاَ يَنبَغِي أن يَكونَ إِلهاً مَن كانَ حَالُهُ كَذلِكَ، وَالآياتُ بهَذَا المعنَى لاَتُحصى كَثرةً.(8)
وَلمَّا حَذَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ مِنَ فِتنَةِ الدَّجَّال –كَفَانَا اللهُ شرَّه- وَأَخبَرَ أَنَّ أَغرَاراً وَلهازِمَ مِن هَذِهِ الأمَّة يَعبُدُونَهُ وَيَتَبعُونَهُ، ذَكَر فِيهِ صِفَةَ نَقصٍ تُبَيِّنُ بُطلاَنَ مَن اتخذهُ إِلهاً وَذَكَرَ بَعدَهَا صِفَةَ مَدحٍ وَكمَالٍ للمَعبُودِ بحقٍّ، فَفِي الصَّحِيحَينِ مِن حَدِيثِ أَنسِ بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( أَلاَ إِنَّهُ أَعور وَإنَّ رَبَّكَم لَيسَ بِأَعور)(9)
قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَر العَسقَلاني-رحمه الله- : (إِنَّمَا اقتَصَر عَلَى ذَلِكَ مَعَ أنَّ أَدِلَةَ الحدُوثِ في الدجَّالِ ظَاهِرَةٌ لِكَونِ العَوَر أَثَرٌ محسُوسٌ يُدرِكُهَ العَالم وَالعَامِيُّ وَمَن لاَ يَهتَدِي إِلى الأَدِلَةِ العَقلِيَةِ، فَإذَا ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَهُو نَاقِصُ الخِلقَةِ- وَالإِلَهُ يَتَعَالَى عَن النَّقصِ- عُلِمَ أنَّه كَاذِبٌ)(10)
وَقَد رَاعَى أهلُ السُّنةِ والجَمَاعَة هَذَا الفَهمَ للنصوص في رَدِّهِم عَلى الفِرَقِ الإسلاَمِيَة الزَّائغةِ في بَابِ الأسماءِ والصِفَات التي تجرَّأَ بعضُهَا على نَفي صِفَاتِ اللهِ وَأسمائهِ، وَالبَعض الآخر جَعَلَهَا مُشَابهةً لأوصَافِ المخلُوقينَ النَّاقِصَة، حَيثُ صرحوا أنَّ (المُعطِّلُ يَعبُدُ عَدَماً وَالمُمَثِّلُ يَعبُدُ صَنَماً وَالمعَطِّلُ أَعمَى وَالمُمَثِّلُ أَعشَى)(11)
وَذَلِكَ لأنَّ المُعَطِلَةَ نَفَت صِفَاتَ اللهِ وَأسمَائِه فَصَارَت كَالعابِدَةِ لِلاَشَيء، وَمَعلومٌ أنَّ القُلوبَ إِنما تحِبُّ وَتَعبُد مَن تَعرِفُه وَ تَشتَاقُ إِلَيهِ وَتَلتَذُّ بِقُربِهِ وَتَطمَئِنُّ إلى ذِكرِهِ، وَذَلِكَ بحسَبِ مَعرِفَتِهَا بِصِفَاتِهِ، فَكَيفَ تَصمُدُ إلى مَن لَيسَ دَاخِلَ العَالم وَلاَ خَارِجَهُ، وَكَيفَ تَألَهُ مَن لاَ يَسمَعُ كَلاَمَهَا وَلاَ يَرَى مَكَانَها.(12)
وَالمُمَثِلَةُ مَثَّلَت صِفَاتَ اللهِ بِصِفَاتِ خَلقِهِ النَّاقِصَةَ، فَصَارُوا كَالعَابِدِينَ للصَّنَمِ وَأَبطَلُوا بِذَلِكَ أَعظَمَ مَقصَدٍ خُلِقَت لَهُ الخَلِيَقة إذْ كَيفَ يَعبُدُ المرء مَن يمَاثِلُهُ فِي صِفَاتِهِ.(13)
قَالَ العَلاَّمَةُ الإمَامُ ابن قيِّمِ الجوزِيَّة في النُّونِيَّةِ المشهُورَة في رَدِّهِ عَلى جَهمٍ وَأشيَاعِهِ (14) :
وَاللهُ عَابَ المشرِكِـينَ بِأَنهُــمُ عَبَدُوا الحِجَارَةَ في رِضَى الرَّحمَـنِ
َنَعَى عَليهِم كَونهَا لَيسَت بخَــا لِقَــةٍ وَلَيسَت ذَاتَ نُطقِ بَيَـــــــــــانِ
َإِذَا هُمَا فُقِدَا فَمَـا مَسلُوبهَــا بِإلــهِ حَقٍّ وَهُوَ ذُو بُطــلاَنِ
وَاللهُ فَهُو إِلَــهُ حَقٍّ دَائِمـــًا أَفَعَنـهُ ذَا الوَصـفَانِ مَسلُوبَـانِ
هَذَا وَتَتَجَلَى فَوائِدُ وَ أَهَمِيَةُ العِلمِ بِأسماءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ - زِيَادةً عَلَى مَا ذُكِرَ- في النِّقَاطِ التَّالِيَةَ:
1. أَنَّ العِنَايَة بهذَا العِلمِ سَبَبٌ مِن أَعظَمِ أَسبَابِ دُخُولِ الجِنَانِ وَنَيلِ رِضَا الرَّحمَنِ سُبحَانَه وَتعَالَى فَفَي الصَّحِيحَينِ عَن أبي هُرَيرَةَ عَن النَّبِيِّ أنَّهُ قَالَ : (إِنَّ للهِ تِسعَةً وَتِسعِينَ اسماً مِئَةً إِلاَّ وَاحِداً مَن أَحصَاهَا دَخلَ الجَنَّةَ ) (15)
وَالتَحقِيقُ(16) أَنَّ إِحصَاءَ هَذِهِ الأسماءُ يَشمَلُ ثَلاثةَ أُمُورٍ:
1- إِحصَاءُ أَلفَاظِهَا وَعَدَدِهَا
2- فَهمُ مَعَانِيهَا وَمَدلُولِهَا
3- دُعَاؤُهُ بِهَا كَمَا قَالَ تَعاَلَى: وَلِلّهِ الأسماء الحسنى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ
يُلْحِدُونَ فِي أسمائه سَيُجْزَوْنَ مَا كانوا يعملون ﴿ الأعراف: 180 ﴾
2. التَقَوِّي عَلَى عِبَادَةِ اللهِ عزَّ وَجلَّ، فَإِنَّ لهذَا العِلمِ تَأَثِيرٌ عَجِيبٌ عَلَى عِبَادَةِ المسلِمِ فَكُلَمَا زَادَت مَعرِفَتُه بِرَبِهِ ازدَادَ حُبُّهُ لَه وَخَوفُهُ مِنهُ فَقَد رَوَى مُحَمَدُ بنُ نَصرٍ المروَزِيُّ بِسَنَدِهِ إِلَى أَحمَدَ بنَ عَاصِمٍ الأَنطَاكِي أَنَّهُ قَالَ: (مَن كَانَ بِاللهِ أعرَف كَانَ مِنَ اللهِ أَخوَف) قَالَ أَحمَد: (صَدَقَ وَاللهِ)(17)
وَكَانَ بَعضُ السَّلَفِ يَقُولُ : ( إِذَا عَصَيتَ الله فَلاَ تَنظُر إِلَى قَدْرِ المعصِيَةِ ولَكِن انظُر إِلى قَدْرِ مَن عَصَيتَ) (18)
3. أنَّ هَذَا العِلمَ يُعرَفُ بِه الرَّبُّ سُبَحانَه وَيُستَدَلُ بِهِ عَلَى وُجودِهِ وَمَعرِفَةِ ذَاتِه، وَذَلِكَ لأَنَّ العِلمَ بالشَّيءِ إِمَّا أَن يَكُونَ بِرُؤيتِهِ أو بِرُؤيةِ مَثِيلِهِ أو بِوَصفِهِ.
أَمَّا الأَوَّلُ فَرُؤيةُ اللهِ في الدُّنيَا لمَ تَثبُت لِلرُّسُلِ فضلاً عَن غَيرِهِم كَمَا قَالَ تَعَالَى: قَالَ لَن
ترَانِي﴿ الأعراف:143 ﴾
أَمَّا الثَّاني فَالممَاثَلَةُ مُنَزَّهٌ عَنهَا رَبُّنَا كَمَا قَالَ سُبحَانَه: لََيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُو السَّمِيعُ
البَصِيرُ﴿ الشورى:11 ﴾
فَلَم يَبقَ طَرِيقٌ لمعرِفَةِ اللهِ إِلاَّ بِوَصفِهِ وَهُوَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ في كِتَابِهِ وَوَصَفَهُ بِهِ َرسُولُهُ
في سُنتِهِ.(19)
4. تحقِيقُ شَهادةِ أنَّ محمَداً رَسُولَ اللهِ وَذَلِكَ لأَنَّ مِن مُقتَضَى هَذِهِ الكَلِمَةَ تَصدِيقُ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم فِيمَا أَخبَرَ بِهِ عَن رَبِّهِ، وَأَعظَمُ مَا أخبَرَ بِهِ هَذا الرَّسُولُ الكرِيمُ أَسمَاء اللهِ وَصِفَاتِهِ فَالنَبِيُّ صَادِقٌ في خَبَرِهِ مُصَّدَقٌ مِن عِندِ رَبِّه وَمَصدُوقٌ مِن عند المؤمِنِينَ.
5. أنَّ العِلمَ بِأَسمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَإِسبَاغِ العَطَاءِ فَعَن أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلي ثمَّ دَعَا (اللَّهُمَّ إني أَسأَلُكَ بِأنَّ لَك الحمد لاَ إِله إِلاَ أَنتَ المنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكرَامِ يَا حَيُّ يا قَيُّومُ) فَقَالَ النَّبيُّ (لَقد دَعَا اللهَ بِاسمِه العَظِيم الذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعطَى)(20)
6. أَنَّ الجهلَ بِاللهِ وَأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ هُو سَبَبُ الرََّدَى وَالهلاَك وَهوُ مَدعَاةٌ لِسُوءِ الظَّن بِاللهِ العَظِيم كَمَا تَقَدَمَ في قَولِهِ سُبحَانَه وَتعَالَى: وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُون وَيوُضِحُهُ مَا أَخرَجَه أَحمدَ وَ مُسلمٌ في صَحِيحِهِ وَالترمِذِي وَصَحّحّهُ مِن حَدِيثِ عَبدِ الله بنِ مَسعُودٍ قَالَ: كُنتُ مُستَتِراً بأستارِ الكعبَة، فَجَاءَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، قُرَشِيٍ وَخِتنَاهُ ثَقَفِيَّان - أَو ثَقَفِيٌّ وَخِتنَاهُ قُرَشِيَّانِ - كَثِيرٌ شَحمُ بُطُونهم، قَلِيلٌ فِقهُ قُلُوبهم، فَتَكَلموا بِكَلاَمٍ لم أَسمَعهُ، فَقَالَ أَحَدُهُم: أَتَرَونَ أَنَّ اللّهَ يَسمَع ُ كَلاَمَنَا هَذَا؟ فَقَالَ الآخَرُ: إِنَّا إِذَا رَفَعنَا أَصوَاتَنَا سَمِعَهُ وإذاَ لم نَرفَعهُ لم يَسمَعهُ، فَقَالَ الآخَرُ: إِنْ سمعَ مِنهُ شَيئاً سمِعَهُ كُلُه، قَالَ: فَذَكرتُ ذَلكَ للنَّبيِّ فَأَنزَل اللّهُ عَزَّ وجَلَّ: وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ َ الآيات (21)
وَعَلَيهِ فَالوَاجِبُ عَلَى المسلِمِ أنْ يَكُونَ حَسُنَ الظَّنِ باللهِ ،ومعرفته سُبحَانَهُ عَونٌ عَلى ذَلك
كَمَا جَاءَ في الحدِيثِ أنَّ النَّبِيَّ قَالَ: "لاَ يموتَنَّ أَحَدُ مِنكُم إِلاَّ وَهُو يحسِنُ باللهِ الظَّنَّ، فّإِنَّ
قوماً قَد أَردَاهُم سُوءُ ظَنِهِم بِالله، فَقَالَ الله : وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا
تَعْمَلُون أخرجه الإمام أحمد في المسند(22)
7. أَنَّ مَعرِفَةَ الأَسمَاءِ وَالصِّفَاتِ من أَعظَمِ وَسَائِلِ التَفَقُهِ في الدِّينِ وَفَهمِ الأَحكَام الشَّرعِيَّةِ عَنِ الرَّبِ سُبحَانَه وَلَعَلَ هَذَا هُو السِّر في خَتمِ اللهِ سُبحَانَهُ لِكَثِيرٍ مِنَ الأَحكَامِ بِاسمٍ أَوِ اسْمَينِ مِن أَسمَائِهِ سُبحَانَه وَتَعالىَ لهَا تَعُلُقٌ بما سَبَقَ مِنَ تلك الأَحكامِ وَتَأمَل ذَلِك جَيِّداً في قَولِه سُبحَانَه:﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ﴿ سورة البقرة :227 ﴾
وَقَد يَكتَفِي الله بِذِكرِ أَسمَائِهِ الحسنَى عَن التَّصرِيحِ بِذكرِ أَحكَامِهَا وَجَزَائِهَا، لِيُنَّبِهَ عِبَادَهُ أَنهم
إِذَا عَرَفوا اللهَ بِأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، عَرَفُوا مَا يَتَرَتَبُ عَلَيهَا مِن الأَحكَامِ، مِثلَ قَولِهِ تَعَالَى :
﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ لم يَقُل: فَلَكُم مِنَ العُقُوبَةِ كذا وكذا بَل
قَالَ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ أَي: فَإِذَا عَرَفتُم عِزَّتَه وهِيَ قَهرهُ وَغَلَبَته وَقُوته
وَامتِنَاعَهُ، وَعَرَفتُم حِكمَتَهُ أَوجَبَ لكم ذَلِكَ الخوفَ مِنَ البَقَاءِ عَلَى ذُنُوبِكُم وَزَلَلِكُم، لأَنَّ مِن
حِكمَتِهِ مُعَاقَبَةُ مَن يَستَحِقُ العُقُوبَةَ، وَأَنَّه لَيسَ لكم امتِنَاعٌ عَلَيهِ، وَلاَ خُرُوجٌ عَن حِكمَتِهِ
وَجَزَائِهِ، لِكمَالِ قَهرِهِ وَعِزَّتِهِ.(23)
وَلهذَا يَستَدِلُ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَسمَائهِ وَصِفَاتِهِ عَلىَ بُطلاَنِ مَا نُسِبَ إِليهِ مِنَ الأَحكَامِ
وَالشَّرَائِعِ البَاطِلةِ وَأَنَّ كَمَاله المقدَّس يمنَعُ مِن شَرعِهَا كَقَولِهِ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحشَةً قَالُوا وَجدنَا
آبَاءَنَا وَالله أَمَرَنا بهَا قُل إِنَّ اللهَ لاَ يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلىَ اللهِ مَا لاَ تَعلَمُونَ
الأعراف: 28 وَقَولُهُ عَقيبَ مَا نهَى عَنهُ وَحَرَّمَهُ مِنَ الشِّركِ وَالظُّلمِ وَالفَوَاحِش وَالقَولِ
عَلىَ اللهِ بِلاَ عِلِمٍ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيئُهُ عِندَ رَبِّك مَكرُوهًا الإسراء: 38
فَأعلَمَكَ - أَيُّهَا المسلِمُ- أَنَّ مَا كَانَ سَيئَةً في نَفسِهِ فَهُو سُبحَانَهُ يَكرَهُهُ وَكَمَالُه يأبى أَن يجعَلَه
شَرعًا لَهُ وَدِينًا فَهُو ُسبحَانَه يَدُلُ عِبَادَهُ بِأسمَائهِ وَصِفَاتِهِ عَلى مَا يَفعَلُهُ وَيَأمُرُ بِهِ وَيحبُهُ وَيُبغِضُهُ
وَيُثِيبُ عَلَيهِ وَيُعَاقِبُ عَلَيهِ وَلكِن هَذِهِ الطَّرِيقَة لاَ يَصِلُ إِليهَا إِلاَّ خَاصَّةُ الخَاصَّة. (24)
فَكُلُ مَا شَرَعَهُ الله عَزَّوَجَلَّ مِن الأحكَامِ الشَّرعِيَّةَ وَكُلُّ أَفعَالِهِ هيَ مُقتَضَى أَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ،
فَمَغفِرَتُهُ وَرَحمَتُهُ مِن مُقتَضَى اسمِهِ الغَفُورُ الرَّحِيم، وَعَفْوُهُ مِن مُقتَضَى اسمِه العَفوُّ ؛ وَلهذَا لماَّ
قَالَت عَائِشَةُ للنبي : إِنْ وَافَقتُ لَيلَةَ القَدرِ مَاذَا أقُولُ ؟ قَالَ: (قولي: اللَّهمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تحبُّ
العَفوَّ فَاعفُ عَنِّى)(25).
وَقَد رُويَ أنًَّ الأَصمَعِيَّ قَالَ: كُنتُ أَقرَأُ :وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقة فَاقطَعُوا أَيدِيهما جَزَاءً بمَا كَسَبَا
نَكَالاً مِنَّ الله وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ وَبجَنِبي أَعرَابيٌ، فَقَالَ: كَلاَمُ مَن هَذَا؟ فَقُلتُ كَلاَمُ الله قَالَ:
أَعِدْ؟، فَأَعدتُّ، فَقَالَ: لَيسَ هَذَا كَلامُ الله فَانتَبَهتُ فَقَرَأتُ وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَقاَلَ: أََصَبتَ
هذَا كَلاَمُ الله فَقُلتُ: أَتقرَأُ القُرآنَ؟ قَالَ: لاَ، فَقُلتُ: فَمِن أَينَ عَلِمتَ؟ فَقَالَ: يَا هَذَا عَزَّ فَحكَمَ
فَقَطَعَ فَلَو غَفَرَ وَرَحِمَ لمَّا قَطعَ.(26)
8. تَنزِيهُ الرَّبِّ سُبحَانَهُ عَن النَّقصِ وَالعَيبِ وَنَفيُ ممَاثَلَتِهِ بِالمخلُوقَاتِ النَّاقِصَة وَمَعرِفَةُ ضَلاَلِ كَثِيرٍ مِنَ الفِرَقِ في هَذَا البَابِ، إِذْ أنَّ حَقِيقَةَ مَذهَبِ الجهمِيَة نُفَاةِ الصِّفَاتِ تمثِيلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالجمَادَاتِ وَالمعدُومَاتِ وَلهذَا تَفَطَّنَ السَّلَفُ لمذهَبِهِم وَبَيَّنُوا حَقِيقتَهُ وَضَلاَلَهُ حَتَى تَقَلَّدَ كُفرَ هَذِهِ الفِرقةَ الخبِيثة جمهُورُ الأَئِمَّةِ وَالعلمَاء وَالحُكمَاءِ والعَامَّةِ.(27)
وَمِنَ الطَّرِيفِ في هَذَا البَابِ مَا رَوَاهُ الأصفهاني في كتابه الحجة بِسَنَدٍ مُسَلسَلٍ بِالأَئِمَّةِ الحُفَاظِ
إِلى إِمَامِ أَهلِ البَصرَةَ حمَّادُ بنُ زَيدٍ رَحمَهُ الله أَنَّهُ قَالَ : (مَثَلُ الجهمِيَّة مَثَلِ رَجُلٍ قِيلَ لَهُ في دَارِكَ
نخلَة ؟ قَالَ نَعَم، قِيلَ فَلَهَ خُوصٌ ؟ قَالَ: لاَ، قِيلَ فَلَهَا سَعَف ؟ قِيلَ لاَ، قِيلَ فَلَهَا كَرِب ؟ قَالَ
لاَ، قِيلَ فَلَهَا جِذعٌ ؟ قَال لاَ، قِيلَ فَلَهَا أصلٌ ؟ قَالَ لاَ، قِيلَ فَلاَ نخلَةَ في دَارِكَ!!!. فَهَؤُلاَءِ
الجهمِيَّة قِيلَ لَهم لَكُم رَبٌ ؟ قَالُوا نَعَم، قِيلَ يَتَكَلَم ؟ قَالُوا لاَ، قِيلَ فَلَهُ يَدٌ؟ قَالُوا لاَ، قِيلَ
فَلَهُ قَدَمٌ ؟ قِيلَ لاَ، قِيلَ فلَهُ أُصبُعٌ ؟ قَالُوا لاَ، قِيلَ فَيَرضَى وَيَغضَب ؟ قَالُوا لاَ، قِيلَ فَلاَ رَبَّ
لَكُم!!!(28)
فَهَذِهِ بَعضُ الفَوائِد التي يجنِيهَا المسلِمُ مِن خِلاَلِ دِرَاسَتِهِ لهذَا البَابِ العَظيمِ مِن أَبوابِ أصُول الدِّين، وَقَد ضَلَّت فِيهِ أَفهَام، وَزَلَّت فِيهِ أَقدَام، وَخَارَ الله لأهلِ السُّنةِ وَالجمَاعَة فَكَانُوا هُم الوَسَط في هَذَا البَابِ وَفي غَيرِهِ، فَحَرِيٌّ بِطَالِبِ العِلمِ أَن يَسلُكَ مَسلَكَهُم، وَأَن يَقتَدِيَ بهم، فَهُم القَومُ لاَ يَشقَى بهم جَلِيسُهُم، وَصَلى الله وَسَلَم وَبَارَك عَلَى عَبدِهِ وَرَسُولِهِ محمد وَعَلَى آلهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.
(1) تحقيق كلمة الإخلاص لابن رجب ضمن مجموع رسائل ابن رجب الحنبلي ( 3/74)
(2) شرح حديث لبيك اللهم لبيك المجموع السابق (1/118)
(3) صحيح أخرجه أحمد(73712) وغيره انظر الصحيحة (1/383) وهو من الأدعية الواجب حفظها بنص الحديث
(4) أخرجه البخاري ومسلم (326) واللفظ له وغيرهما وهو مشهور عند المحدثين بـ"حديث الشفاعة" والضمير في "عليه" راجع إلى الحمد انظر المنهاج شرح مسلم بن الحجاج للنووي (3/ 59)
(5) التفسير القيم لابن القيم جمع محمد الندوي وتحقيق حامد الفقي ص:193 دار الفكر
(6) أضواء البيان للإمام الشنقيطي (2/249) وانظر منه (1/63)
(7) المنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء للجرجاني ص9 ط: الكتب العلمية
(8) أضواء البيان للشنقيطي (4/376)
(9) أخرجه البخاري (13/96 فتح ) ومسلم (18/59 نووي )
(10) فتح الباري لابن حجر (13/103) ط:شيبة الحمد
(11)مجموع فتاوى ابن تيمية ( 5 / 123) و ( 5 /309) و (8 / 257) و ( 12 / 43) طبعة الباز
والكافية لابن قيم الجوزية ص: 43 المثل السادس ،وقطف الثمر لمحمد حسن صديق خان ص63
والأعشى هو سيء البصر كما في القاموس المحيط (1/364)
(12) مدارج السالكين لابن القيم الجوزية (3/366-368)
(13) تقريب التدمرية لابن عثيمين ضمن مجموع فتاويه (4/120)
(14) الكافية الشافية لابن قيم الجوزية ص 91 ط: الشيخ علي الحلبي
(15)أخرجه البخاري في الدعوات(6410) ومسلم في الذكر والدعاء (2677) وقد روي بعدة ألفاظ
جمع طرقها أبو نعيم في جزء له وكذا للحافظ ابن حجر كتاب تخريج حديث الأسماء الحسنى وهما
مطبوعان بتحقيق مشهور بن حسن آل سلمان
(16) بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية (1/288) ط:عالم الفوائد؟؟
(17) تعظيم قدر الصلاة للمروزي (2/786)مكتبة الدار بالمدينة والفوائد لابن القيم ص134
فائدة29 دار السلام
(18) ذكره الذهبي عن العالم الرباني بلال بن سعد السكوني في ترجمته (5/91)
(19) مجموع فتاوى ابن تيمية (10/48) و (17/105)
(20) أخرجه أبو داود في باب الدعاء من كتاب الصلاة (1495) وابن ماجة في الدعاء باب اسم الله
الأعظم (3858) والنسائي (1301) عن أنس بن مالك وقد روي بلفظ آخر من حديث بريدة
بن الحصيب بسند صحيح أخرجه أبو داود (1493) والترمذي (3475) وابن ماجة (3857)
أنظر السلسلة الصحيحة (7/1209) رقم (3411)
أما حديث (اسم الله الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى) فهو حديث
ضعيف انظر السلسلة الضعيفة رقم (854)
(21) أخرجه أحمد في المسند (3432) ومسلم في صفات المنافقين (7029) والترمذي في التفسير
(3249) وقال حسن صحيح
(22) ضعيف بهذا اللفظ أخرجه أحمد في المسند (13611) وقد جاء صحيحا بغير لفظ (فإن قوما
قد....) أخرجه مسلم في الفتن (7029) وأبو داود في الجنائز (3112) وابن ماجة في الزهد
(4167)
(23) القواعد الحسان للعلامة السِّعدي
(24) التفسير القيم لابن القيم ص:194
(25) أخرجه الترمذي (2508) وابن ماجة (3850) وهو في السلسلة للألباني (7/1008)
(26) الكشكول للبهاء العاملي وهو مشتهر في كتب الأدب والبلاغة
(27) وقد نقل الإمام اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة (1/178) ط:الحمدان =كفر الجهمية
عن أكثر من خمسمائة محدث ، انظر الرد على الجهمية للدارمي ط:البدر= باب الاحتجاج على إكفار
الجهمية ص170، والنقض له ط:حامد الفقي ص: 5 ، والسنة للإمام أحمد ص:4 ط:السلفية،
والإبانة لابن بطة باب بيان كفر الجهمية الذين أزاغ الله قلوبهم بما تأولوه من متشابه القرآن
وقد أشار العلامة ابن القيم في النونية إلى ذلك بقوله :
وَلَقَد تَقَّلَد كُفْرَهُم خَمسُونَ فِي عَشْرٍ مـِنَ العُلَمَاءِ فِي البُلدَانِ
وَاللاَّلّكَائِيُّ الِإمَامُ حَكَاهُ عَنْــ ـهُم بَل حَكَاهُ قَبْلَهُ الطَّبرَانِي
(28) الحجة في بيان المحجة لقوام السنة الأصبهاني (1/441) ت:محمد المدخلي دار الراية
بقلم
عبد الحفيظ بن سعيد بن أحمد بوخالفة الجزائري
خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
الدار البيضاء-الجزائر العاصمة