خطبة عيد الأضحى 1429 بمسجد عمر بن الخطاب بالرايس حميدو
أما بعد: ففي هذا اليوم الأغر المبارك يتذكر الناس إبراهيم عليه السلام وسنته التي سن لأهل التوحيد، فهو أول من أذن في الناس بالحج، وأول من سن سنة الأضحية، وإن مما ينبغي معرفته أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بُعث بالحنيفية السمحة ملة إبراهيم عليه السلام، وأمر باتباع إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:123)، وقال :( قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:95) وملة إبراهيم أوسع من أن تحصر في عبادة الأضحية وحج بيت الله الحرام، لذلك أحببنا أن نقف وقفات مع ركائز ملة إبراهيم، وأن نلقي نظرة في مَشاهد مهمة من حياة إبراهيم عليه السلام قبل أن ننتقل إلى مشهد التضحية المعروف لديكم.
المشهد الأول : مشهد الدعوة إلى التوحيد
أما المشهد الأول فهو مشهد الدعوة إلى التوحيد ؛ إن إبراهيم كان داعيا إلى توحيد الله تعالى ونبذ مظاهر الشرك:
- فدعا أهله وقومه الذين كانوا يعبدون الأصنام، قال تعالى ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (الشعراء:69-82).
- ودعا إبراهيم عليه السلام من كان يعبد من قومه الشمس والقمر، قال تعالى :( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام:78)
- ودعا من جعل نفسه إلها آمرا ناهيا مطاعا من دون الله تعالى، ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
فإذا كانت هذه سيرة أبينا إبراهيم فكذلك ينبغي أن نكون، من أهل التوحيد الخالص ومن دعاة توحيد رب العلمين، عليه نحيا وعليه نموت وعليه نلقى الله، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
وإن مما يؤسف له أن ترى في بلدنا عقيدة التثليث تنتشر وتفرق أهل التوحيد على مرأى ومسمع من كل الناس، ولا تكاد تجد من يحرك ساكنا، فأين الغيرة على الدين؟ وأين محبة رب العالمين؟ أين أهل ملة إبراهيم ؟
ومما يؤسف له أن ترى الناس في بلد التوحيد ما زالوا يشيدون الأضرحة ويبنون القبور التي تعبد من دون الله تعالى؛ تشد إليها الرحال وتُدعى ويطاف بها ويذبح لها، ونحن لا نشارك في نصحهم ونهيهم ولا بنصف كلمة، ثم ندعي أننا على ملة إبراهيم، إن إبراهيم عليه السلام عاش للتوحيد ووهب حياته في سبيل التوحيد وكذلك نبينا وقدوتنا صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن ليس لنا هم إلا بطوننا، نختصم من أجل الدنيا ونجتمع إذا اجتمعنا لأجل الدنيا عليها نحيا وعليها نموت وعليها نتقاتل، ثم ندعي أننا على ملة إبراهيم.
المشهد الثاني : مشهد الطاعة والانقياد
وأما المشهد الثاني فهو مشهد الطاعة والانقياد لله رب العالمين : إن إبراهيم عليه السلام قد ضرب المثل الأعلى في طاعة الله تعالى :(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120) الأمة هو القدوة والقانت الطائع المقيم على الطاعة، والحنيف الموحد المقبل على الله المعرض عن غيره. وإن الله تعالى أمره أن يترك زوجه وابنه الوحيد في صحراء قاحلة لا ماء فيها ونبات ، ولا إنس ولا شيء فامتثل وأطاع ، قال ابْنُ عَبَّاسٍ :"وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَتْ إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم:37).
- أيها المؤمنون إن العبادات المفترضة علينا أكثر من عبادة الأضحية إن علينا أركانا للإسلام عليها يبنى، إن علينا طاعات أخرى يومية، ومنها الصلاة التي فرطت فيها الأمة اليوم أيما تفريط، نسأل الله تعالى الهداية والتسديد.
- أيها المسلم إن معنى الإسلام الاستسلام للإله الخالق فتطيعه ولا تقدم بين يديه ، وتُحَكِّم شريعته في نفسك وأهلك ومجتمعك وفي جميع أحوالك وكل حياتك ، (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:112)
-أيها المؤمنون إن هذه الطاعة برهان المحبة وعلامة الإيمان ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ). إن هذه الطاعة سبيل الفلاح (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ).
المشهد الثالث : مشهد البراءة من المشركين
والمشهد الثالث مشهد البراءة من المشركين أعداء رب العالمين : إن إبراهيم عليه قد أعلن البراءة من أهل الكفر ، وقد أمرنا ربنا أن نقتدي به في ذلك :( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) (الممتحنة:4). ومن البراءة من المشركين الهجرة من بلادهم ومفارقة ديارهم فخرج عليه السلام من العراق إلى الشام (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الصافات:99)
فإذا كان هذا من ملة إبراهيم ما بال أتباعه اليوم: يحبون الكفار ويتخذونهم أولياء من دون المؤمنين، يقلدونهم في لباسهم وكلامهم وفي شعاراتهم بل وفي أعيادهم، ويعيشون بين أظهر الكفار، ويتمنون السفر في بلادهم، بل ويتمنون الحصول على جنسيتهم يكثرون سواد أعداء الدين وملة إبراهيم؟!
- إن المسلمين إذا رأوا ما يحل بأمتهم في هذه الأيام من تداعي الأمم عليها وتكالبهم على ثرواتها واسباحتهم بيضَتها إذا رأوا كل ذلك يتألمون ويتحسرون وربما يبكون، وليس البكاء والنحيب هو الواجب علينا، بل علينا أن نطلب العزة والتمكين بأسبابها التي جعل ربنا عز وجل ، ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) (فاطر:10)، أما ونحن مسلمون إسلام الجنسية، وملتزمون الإلتزام الأجوف، ونقول ما لا نفعل ونتعلم ولا نعمل، ومغرورون بالمظهرية الجوفاء ، ونتفرق ولا نتحد، فهيهات هيهات أن ينصرنا رب العلمين.
إن أمم الكفر تتحالف ضدنا وتكيد لنا ليلا ونهارا، ونحن يكيد بعضنا لبعض، ويوشي بعضنا ببعض، ويطعن بعضنا في بعض، ويحارب بعضنا بعضا! نوالي المشركين ونعادي المؤمنين ثم نزعم أننا على ملة إبراهيم !!
المشهد الرابع : مشهد التضحية
وبعد هذه المشاهد الثلاثة التي خلاصتها الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله ، هذه المشاهد التي يتلخص فيها معنى الإسلام وملة إبراهيم عليه السلام نأتي إلى مشهد التضحية : لقد دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزقه الولد فقال ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) فوهب الله تعالى له إسماعيل (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ) وابتليَ بأن أسكنه بواد غير ذي زرع فصبر على ذلك، فلما كبر الولد وصار شابا يسعى مع أبيه وازداد تعلقه به جاءه بلاء آخر. ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ). رأى في المنام - ورؤيا الأنبياء وحي- أنه يذبح ولده، وأي ولد إنه إسماعيل الصالح التقي الطائع الذي كان يؤمل عليه الآمال، فما كان منه إلا الاستجابة لربه، وما قوله : " فانظر ماذا ترى" إلا إخبار واختبار لطاعة الولد لربه ووالده ( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ).
جواب الولد كان عجيبا بلا تردد" افعل ما تؤمر" بل زاد على ذلك وشجعه فقال: "ستجدني إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ".
- ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ). فلما أقبلا على الطاعة والابتلاء العظيم وكبَّ إبراهيم ولده على وجهه ليذبحه من قفاه فلا ينظر إلى وجهه عسى أن يكون ذلك أهون عليه، حينها جاء الفرج من الرب الرؤوف الرحيم، لأنه قد حصل المطلوب هو الاستجابة لرب الأرباب جل شأنه وتبارك اسمه.
[العبر من قصة الذبح]
وإن في هذا المشهد عبرا كثيرة نقف مع بعضها في هذه العجالة ولا بد :
1- فيه بيان سنة الابتلاء (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) "وأشد الناس بلاء الأنبياء فالأمثل فالأمثل" وأنت أيضا المؤمن تبتلى، فتعامل مع الابتلاء تعامل العبد الضعيف الذي لا اختيار له، واعلم أن أعظم الابتلاء: الابتلاءُ الذي يمَسُّك في نفسك وأهلك ومالك ويكون الاختيار بيدك، يوم تُخَيَّر بين الطاعة والمعصية، وبين رضا الله ورضا النفس والأهل والناس.
2- وإن ما ابتلى به الله تعالى إبراهيم تتجلى فيه حقيقة الإيمان المطلوب منا وهو أن يكون الله تعالى أحب إلينا من كل شيء (والذين آمنوا أشد حبا لله)، بل وأن يكون رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلينا حتى من أنفسنا قال صلى الله عليه وآله وسلم :"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".
3- وفي هذا المشهد التضحية في سبيل الله تعالى التي لا يتم الإيمان إلا بها، إن رأس الإيمان محبة الله تعالى ومحبة دينه وهذه المحبة إذا صحت أثمرت الغيرة ، والغيرة تدفع بالعبد إلى التضحية لا محالة، والإسلام في هذه الأيام يشتكي وينادي أين أبنائي؟ أين من يَتَكَّثَرُ بي؟ أين من ينفق في سبيلي؟ ويجاهد لرفع رايتي؟ المشاريع الدعوية تنظر وقد أعياها الانتظار وأهلكها الحصار، المساجد تنادي جهزوني عمروني أعدوني فهل من مجيب؟
4- وفيه جزاء الصبر، فالله تعالى جزى إبراهيم بالذكر الحسن إلى يوم الدين ورزقه ولدا آخر هو إسحاق عليه السلام. وجزى إسماعيل فجعله نبيا رسولا وجعل في ذريته سيد الأنبياء وخاتمهم، ولا فلاح للعبد إلا بعد الصبر ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
الصبر مفتاح مـا يرجى وكل صعب به يهون
وربما نيل باصطبــار ما قيل هيهات يكون
5- وفيه أن الفرج يأتي بعد الشدة لا محالة، وقد بشرنا بذلك ربنا عز وجل فقال:( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) ولن يغلب عسر يُسرين، وقال سبحانه ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214) نعم إن نصر الله قريب، لكنه قريب من الذين يستحقونه من جيل الصابرين العاملين الداعين المضحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر المتعاونين على البر والتقوى، لا من جيل الجزعين الخائفين المتخاذلين المتفرقين الراضين بالمنكر الذين همهم أنفسهم وبطونهم.
اللهم لك الحمد كله ، ولك الشكر كله ، ومنك الفضل كله، اللهم لا قابض لما بسطت ، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إنا نسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين ، وأحينا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة والمنافقين الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصرنا على أعداء الدين، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءا فاجعل كيده في نحره وتدميره في تدبيره ، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين شرا فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره وتدميره في تدبيره، اللهم اعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.