العبادة : أصل معناها الذل ، يقال : طريق معبد أي طريق مذلل قد وطأته الأقدام هذا هو تعريف العبادة .
لكنَّ العبادة التي أمرنا بها تتضمن معني الذل ومعني الحب ، قال شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله : فمن خضع لإنسان مع بغضه له فليس عابدا له ، ومن أحب شيئا دون أن ينقاد له فليس عابدا له ، فالعبادة التي أمرنا بها تتضمن معني الذل ومعني الحب .
فبعض الناس يقول نحن نعبد الله بالحب دون أن يمتثل الأمر ودون أن يجتنب النهي ودون أن يقف مع حدود الله تبارك وتعالي .
نقول : أنت كاذب في دعواك ، ليست هذه عبادة على مراد الله سبحانه ولا على مراد رسول الله صلي الله عليه وسلم ، بل العبادة التي أمرت بها هي كمال الذل لله ، كمال الانقياد ، والخضوع والتسليم والخشوع والرهبة والجلال ، مع كمال الحب
عرفها شيخ الإسلام رحمه الله بتعريف شامل جامع فقال:
العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
إذن العبادة بشرطين :
الأول أن تصح النية ، والثاني أن يكون عملك هذا موافقاً لسنته سيد البشرية صلي الله عليه وسلم
.
ما رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : جاء أناس إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ! ذهب أهل الدثور بالأجور ، ذهب أهل الدثور بالأجور أي ذهب أصحاب الأموال بالأجر كله لماذا ؟ قالوا يصلون كما نصلي أمرتنا بالصلاة فصلوا معنا ويصومون كما نصوم أمرتنا بالصيام فصام أهل المال معنا فأخذوا الأجر كله ذهب أهل الدثور بالأجور فقال يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم أي بما زاد من أموالهم فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (أو ليس الله جعل لكم ما تصدقون به ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة )
والبضع لغة : هو الفرج أو الجماع يعني يصح المعنيان في لفظ البضع
قال " (وفي بضع أحدكم صدقة ) قالوا : يا رسول الله ! أيأتي أحدنا شهوته فيكون له فيها أجر ؟! قال : ( أرأيتم لو وضعها في الحرام أيكون عليه وزر؟) قالوا: بلي . قال : (وكذلك لو وضعه في الحلال فله بها أجر )
مقتضى العبادة : أن يسلم العبد عقله وقلبه وجوارحه كاملة لله سبحانه الذي خلقه لعبادته ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي﴾ الأنعام:162) يعني ذبحي ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾162﴿ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾[الأنعام:162- 163]
ومقتضى العبادة : أن يسير العبد ليصل إلي الله تبارك وتعالي خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم ،
نعم قد تصل إلي توحيد الربوبية بالعقل لكن الغاية ليست توحيد الربوبية ، ولكن الغاية هي توحيد الألوهية أن تفرد الله بالعبادة.
-
صورة من صور العبادة لغير الله جل وعلا ، روى الإمام الترمذى والإمام البيهقي في سننه بسند حسنه شيخنا الألباني رحمه الله تعالي أن عدي بن حاتم رضي الله عنه لما أسلم وكان نصرانيا لما أسلم دخل على النبي عليه الصلاة والسلام فقرأ النبي قول الله تعالي ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾[التوبة: من الآية31]
فقال عدي : لم يعبدوهم يا رسول الله لم يعبدوهم أي لم يعبدوا الأحبار والرهبان . فبين النبي لعدي معني العبادة فقال له صلي الله عليه وسلم : ( ألم يحرموا عليهم ما أحل الله ويحلوا لهم ما حرم الله فأطاعوهم قال بلي قال فتلك عبادتهم إياهم ) هذا تفسير النبي عليه الصلاة والسلام للآية (ألم يحرموا عليهم ما أحل الله ويحلوا لهم ما حرم الله فأطاعوهم ) وفي لفظ (فاتبعوهم ) قال بلي فعلوا ذلك .
قال : (فتلك ) هذا القائل سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (فتلك عبادتهم إياهم فتلك عبادتهم إياهم ) .
- ومن الناس من صرف صورا كثيرة من صور العبادة لغير الله فذبح لغير الله نذر لغير الله حلف بغير الله استعان بغير الله استغاث بغير الله طاف بغير بيت الله والله سبحانه وتعالي يقول ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾[آل عمران: من الآية154] .
- ومن الناس من فهم العبادة فهما مبتورا ناقصا جزئيا فالعبادة عنده لا تتعدى أداء الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام والزكاة والعمرة والحج هذه العبادة ، فلا حرج بعد ذلك أن ينقل الربا أو أن يعاطن الزنا أو أن يشرب الخمر أو أن يترك بناته متبرجات عاريات أو أن يسب والديه .
هذا خلل ، هذا فهم مبتور منقوص لحقيقة العبادة
والسؤال الخطير ، عرفنا العبادة ، أتريد أن تقول بأن القضية كلها تتلخص في هذه المسألة ؟ نعم تتلخص في العبادة نعم ، الله ما خلق الكون إلا من أجل هذه العبادة نعم ،
لماذا ؟
لماذا أمرنا الله بالعبادة مع أنه غني عنا لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية؟
هذا ما سنتابعه معكم لاحقا بإذن الله
شرح ثلاثة الأصـول
لفضيلة الشـيخ / محـمد حسـان حفظه الله.