القرار رقم 62/7 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 8 نوفمبر تشرين الثاني 2007 تضمن اعتبار 15 سبتمبر / أيلول من كل عام يوما للاحتفال باليوم العالمي للديمقراطية. وقد حث القرار الدول الأعضاء وسائر المنظمات الدولية والإقليمية ومؤسسات المجتمع المدني (المنظمات غير الحكومية) للاحتفاء بهذه المناسبة ابتداء من العام 2008 من خلال حزمة من المناشط والعناوين تتضمن تسليط الضوء على واقع الديمقراطية في العالم، ومعاينة مدى التقدم المحرز على هذا الصعيد، ومعالجة المعوقات المختلفة التي لا تزال تعترضها، وتمنع تعميمها وتشريعها لتصبح حقا ملزما ومعترفا به من قبل جميع الحكومات والمجتمعات في العالم. احتفال هذا العام جاء تحت شعار ‘’الديمقراطية والتسامح السياسي’’.
هذا الشعار تضمن تبني وتفعيل مبادئ حقوق الإنسان الأساسية في المجالات السياسية، المدنية، الاقتصادية، والاجتماعية باعتبارها تشكل حزمة واحدة، تمثل قيما ومعايير إنسانية وكونية مشتركة، باتت ملزمة من الناحية القانونية لجميع الحكومات والأفراد والجماعات المختلفة، كما هو مثبت في بنود ومواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة في 10 ديسمبر كانون الإول ,1948 وفي العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية والبرتوكولات الملحقة الصادرة لاحقا، والتي صادقت عليها غالبية الدول. يذكر أن الدول التي لم تصادق على تلك الاتفاقيات أو تحفظت على بعض بنودها لتعارضها مع ‘’خصوصياتها’’ السيادية أو الدينية أو الاجتماعية والثقافية تنتمي أساسا إلى العالمين العربي والإسلامي.
شدد الأمين العام للأمم المتحدة في خطابه بهذه المناسبة على ضرورة الالتزام ببناء مجتمعات قائمة على المشاركة وسيادة القانون وحقوق الإنسان الأساسية والمساهمة في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسلم والأمن الدوليين واحترام الحقوق والحريات الأساسية.
في الواقع إن هناك علاقة جدلية متداخلة ما بين مبادئ الديمقراطية وآلياتها ومفاهيم ومعايير حقوق الإنسان، وتبرز هنا قضايا ومرتكزات حقوقية تمثل شروطا أساسية للديمقراطية، مثل وجود الدستور الذي يتضمن شكل وماهية الدولة، ونسق وتركيب السلطة، ووظائفها وصلاحياتها وواجباتها وفقا للعقد الاجتماعي المبرم مع الشعب، والذي يحدده مستوى التطور والوعي السياسي والاجتماعي والثقافي، ونسبة موازين القوى الاجتماعية والطبقية السائدة. غير أنه في كل الحالات فإن المبادئ الديمقراطية تقوم على أساس حاكمية الدستور والقانون، والفصل بين السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) الثلاث، ونبذ استخدام القوة والعنف الممنهج أو التهديد بهما (في العلاقة بين الحاكم والمحكوم) في جميع الحالات والظروف، في مرحلة السلم والهدوء أو في حال الإرهاب والحرب.
الديمقراطية تستوجب العمل على ترسيخ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وإطلاق الحريات العامة التي تشمل التعددية وحرية الرأي والتفكير والتعبير والنشر والتجمع وتشريع قيام مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المستقلة عن المجتمع السياسي (الدولة) وإرساء استقلال القضاء، وتحقيق المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، من خلال التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع الحر للهيئات التمثيلية المركزية (مجلس النواب أو الشورى) والمناطقية (الأقاليم والمحافظات) والمحلية (البلديات).
هذه الحقوق الأساسية (رغم الإخلال بها وانتهاكها في الكثير من الحالات) تدخل في صلب العملية الديمقراطية بل وتشكل جوهرها.
الديمقراطية ليست أيدلوجيا محددة ومقفلة، أو معطى ثابتاً لا يتغير، إنها تستطيع التعايش مع الأيدلوجيات الرأسمالية (الأحزاب الليبرالية) والاشتراكية (الأحزاب الاجتماعية والاشتراكية الديمقراطية) والدينية (الأحزاب المسيحية الديمقراطية) وغيرها من الأيدلوجيات ونستثني هنا الأيدلوجيات والنظم الشمولية التي تستند إلى الهيمنة الأحادية للحزب والطبقة والعرق والعشيرة والدين والمذهب. الديمقراطية مع إنها تشكل إطارا عاما وأسلوب عمل للدولة وطريقة حياة وتفكير للأفراد والمجتمع، غير أنها تظل على الدوام قابلة للتنوع والمراجعة والتعديل والتطوير والإغناء، سواء في مسارها التاريخي والموضوع العام أو في بعض تفاصيلها، وذلك وفقا لطبيعة النظم السياسية والتقاليد والخصائص الاجتماعية والثقافية المتباينة للمجتمعات.
غير أن هذا التباين لا يعني أو يفترض بأي حال قبول تبرير رفض الخطوط والعناصر الأساسية المتفق عليها في الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك تحت ذريعة الخصوصية الاجتماعية والدينية والثقافية كما هو حال غالبية المجتمعات العربية والإسلامية، التي تأتي وفقا للتقارير الدولية والإقليمية في ذيل قائمة دول العالم في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان.