''17 سبتمبر! تقصدين تاريخ اليوم.. أعرف أنه موعد الداربي العاصمي الساخن بين اتحاد العاصمة واتحاد الحراش''، بهذه العبارة أجابنا الشاب يوسف، ونحن نسأله بمحله في ''الساعات الثلاث'' بباب الوادي العتيق، عن تفاعله مع النداءات مجهولة المصدر على مواقع التواصل الاجتماعي، الداعية للخروج في مظاهرات مطالبة بالتغيير.
من حيدرة بأعالي العاصمة إلى ساحة أول ماي، مرورا بحي محمد بلوزداد الشعبي، ثم بشارع حسيبة بن بوعلي، وديدوش مراد والعربي بن مهيدي، وصولا إلى باب الوادي حيث ختمنا جولتنا لاستطلاع أجواء العاصمة في يوم قيل عنه الكثير على مواقع الأنترنت، وانتظره آخرون على أنه موعد لوصول رياح التغيير العربية إلى الضفة الجزائرية..
لكن لا رياح ولا حتى نسمات صنعت الاستثناء في ثاني أيام العطلة الأسبوعية، غير الحرارة الأكثر من عادية التي ميزت الصبيحة، والحضور اللافت لأفراد الشرطة وسياراتهم المركونة بين الأزقة وبعيدا عن الشوارع الرئيسية، والحواجز الإضافية على الطريق السريع المؤدي إلى ساحة أول ماي، ولو أن حضور أصحاب البذلة الزرقاء كان أقل كثافة منه في مسيرات السبت الشهيرة.
فبساحة أول ماي لم تكن تعابير وجوه المارة تنبئ بأي شيء لافت، في السوق المجاور لمستشفى مصطفى باشا كانت النسوة يتزاحمن لاقتناء السلع، فيما تعالت أصوات منبهات السيارات بشارع حسيبة بن بوعلي المجاور، الشارع الذي لا يغادره الزحام حتى في عطلة نهاية الأسبوع.
غير بعيد عن ساحة أول ماي، توقفنا بشارع ديدوش مراد، كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار، حركة كثيفة لمرتادي المحلات التجارية التي كانت تستوقف المارين بالشارع، منهم الحاج محمد، (64) سنة، موظف متقاعد، استوقفناه وهو يسحب أمواله من موزع آلي قرب الجامعة المركزية، لنستفسره عما سمي بيوم التغيير.
قضيتنا ليست مع النظام.. بل مع السلطات المحلية
ابتسم العم محمد قبل أن يجيب: ''... سمعت كلاما عن هذا من الصحافة الوطنية ومن أبنائي، لكني لم آخذ الأمر بجدية كباقي الجزائريين، نحن بحاجة لتغيير نعم، الجزائر ليست بخير أكيد، وبالطبع لا نثق بالإصلاحات التي يتحدثون عنها، لكن ما أعرفه أن الجزائريين جرّبوا هذا الطريق قبل عقدين ولا أظنهم سيتحمّلون مرارة السير فيه مجددا.. نحتاج لحلول أخرى''.
لم يختلف الأمر في شارع العربي بن مهيدي، الساعة الواحدة بعد الزوال، إقبال على المطاعم ومحلات الأكل السريع في الجهة المقابلة للبريد المركزي، وبين الحين والآخر كانت تمر سيارات تقل مشجعي فريق اتحاد العاصمة، وجهتهم ملعب 5 جويلية لحضور المواجهة المحلية بين أبناء سوسطارة واتحاد الحراش، في إطار الجولة الثانية للرابطة المحترفة الأولى.. سألنا أحدهم عن تاريخ اليوم، ليرد الجميع بصوت واحد: ''نعرف أن أنصار الصفراء سيتذكرون جيدا تاريخ اليوم... سيعبث هجومنا بدفاعهم هذا أكيد''.
هي نفس الإجابة التي قدمها يوسف، الذي دخلنا محله لبيع الأحذية بحي ''الساعات الثلاث'' بباب الوادي، والذي أضاف: ''اليوم تاريخ المواجهة بين اتحاد العاصمة واتحاد الحراش، أول داربي عاصمي في الموسم الجديد''، قبل أن يستطرد وأنا أسأله عن النداءات الداعية للخروج في مسيرة غضب في هذا اليوم: ''سمعت بهذا الكلام، ليس أكثر من كلام افتراضي''. ولم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لمنير وبوعلام، التقيناهما قرب محل لبيع الأكل السريع في ''الساعات الثلاث''، يقول منير، وهو عاطل عن العمل: ''هناك الكثير من الأشياء التي يجب أن تتغير على الصعيد الاجتماعي، لكن لا أعتقد أن دعوة على الفايسبوك ستفي بالغرض، وستخرج الجزائريين من بيوتهم، إن فعلناها حقا ستكون بالتأكيد تلقائية وليس استجابة لدعوات تمررها أي جهة، لا من جانب النظام ولا من جانب آخر''.
وغير بعيد عنهما، استوقفنا السيدة فتيحة التي كانت تنتظر سيارة أجرة تقلها إلى بوزريعة رفقة ابنتها، لم تتردد كثيرا في الإجابة عن سؤالنا وعلامات القلق بادية على وجهها، لتقول: ''وأنا أغادر بيتي صباحا قيل لي إن الأمن يحاصر تريولي، وبأن مسيرة ضخمة ستجوب العاصمة، لكن لا شيء من هذا حدث ولا أتمنى أن يحدث، لا نريد أن نبكي أبناءنا من جديد، تعبنا من رائحة الدم نريد أن يعيش أبناؤنا وأن تهب رياح التغيير دون هدر للدماء''. وخرج، أمس، العشرات من سكان حي باب الوادي، في مسيرة سلمية أرادوا من خلالها الوقوف في وجه ''أشخاص يحاولون استغلال قضيتنا المتعلقة بالسكن لتصفية حساب مع النظام''..
ونظم، أمس، سكان حي ''الكاريار'' ومناخ فرنسا وبوفريزي بباب الوادي مسيرة سلمية مضادة لدعوة التظاهر يوم 17 سبتمبر، رفعوا خلالها شعارات مؤيدة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة. وكشف المتظاهرون بأنهم أوقفوا، أمس، احتجاجهم على عملية الترحيل ''للوقوف في وجه الأشخاص الذين يريدون استغلال مشاكلنا الاجتماعية وتسييسها وإدخال الجزائر في نفق مظلم من جديد''. مشيرين إلى أن قضيتهم ليست مع رئيس الجمهورية أو مع الجزائر ''بل خرجنا إلى الشارع وقطعنا الطريق اعتراضا على السياسة التي اتبعتها السلطات المحلية في تسيير البلديات والوعود الزائفة''. وأكد المتظاهرون لـ''الخبر'' على أنهم سيواصلون المطالبة بترحيلهم كباقي المستفيدين لكن بطريقتهم الخاصة، وليسوا بحاجة لمن يملي عليهم سياسته.
وفي ذات السياق أبدى شباب باب الوادي بكل من ''الساعات الثلاث'' وساحة الشهداء رفضهم التجاوب مع دعوة التظاهر، التي يرون أنها ''مسيرة أرادتها أطراف خارجية تبحث عن إعادة الجزائر إلى حمّام الدم الذي نجت منه بأعجوبة''. مشيرين إلى أنهم ليسوا بحاجة ''إلى مرشد أجنبي يريهم الطريق، ومشاكلهم مع الحكومة والنظام لا تحل بالعنف ولا تحتاج إلى مرشد أجنبي''.
وذكرت مصادر عليمة أن السلطات المحلية بباب الوادي عقدت، نهاية الأسبوع المنقضي، اجتماعا مع 35 جمعية بالعاصمة سطرت خلاله برنامجا خاصا لمواجهة مظاهرة 17 سبتمبر التي رأوا أنها ضد الجزائر واستقرارها. وكشف رئيس الحركات الجمعوية للجزائر العاصمة، يحيى نصال، عن مخطط سطرته 35 جمعية، للوقوف ضد المسيرة التي أشيع بأنها تنظم يوم السبت 17 سبتمبر، والتي أطلق عليها ''يوم الغضب''، أين تم توزيع أعضاء الحركات الجمعوية بـ57 بلدية بالعاصمة استعدادا للوقوف ضد المسيرة. وقال رئيس الحركات الجمعوية بالعاصمة إن ''الجزائر ليست ليبيا ولا تونس ولا مصر، بل هي بلد خاض تجربة الديمقراطية سنة 1988 وخرج منها بسلام''.
سخرية في غرب البلاد
وفي وهران أثارت الدعوة إلى ''خريف غضب'' يوم 17 سبتمبر 2011 عبر الموقع الاجتماعي ''فايسبوك''، سخرية قطاع من سكان الباهية وهران الذين اتفقوا جميعهم على أن الجزائريين ''لا ينتظرون إملاءات ولا توجيهات من أحد، وأنهم يعرفون كيف يطالبون بحقوقهم التي تبقى، حسبهم، اجتماعية محضة''.
ويجمع الكثير ممن تحدثت إليهم ''الخبر''، سواء في وهران أو عدة ولايات أخرى بالغرب الجزائري، في هذا الشأن، أن من يفهم طبيعة الجزائريين وذهنيتهم ''يعرف أنهم شعب لا ينتظر أوامر من أي كان، وأن لهم مبادئ ثورية نشأوا عليها منذ الأزل، وتاريخهم يشهد على ذلك''. كما أنهم لا يريدون أن يكونوا نسخة لغيرهم لأي سبب من الأسباب، ولا ينتظرون من يحركهم في أي اتجاه سلبي كان أو إيجابيا، أو يعلمهم كيف يحتجون أو يثورون. مستدلين في ذلك بالثورة التحريرية ''التي كانت بقرار من الجزائريين أنفسهم رغم علمهم بقوة العدو المدعم بقوات الحلف الأطلسي، ورغم تخويفهم وتحذيرهم من قبل الكثيرين من الأصدقاء والأعداء الذين حكموا على ثورتهم بالفشل قبل انطلاقها ليثبت التاريخ أن إرادة الشعب الجزائري فاقت كل التوقعات''..
وأحال أصحاب هذا الموقف من يدعمون فكرة التظاهر في الشارع لتغيير النظام، إلى أن الجزائر ''قامت بثورتها في 5 أكتوبر ''1988، التي اندلعت، حسبهم، بفضل عفوية شباب لا علاقة لهم بالسياسة، ولم يكن لديهم طمع في السلطة، ''هؤلاء الذين انتفضوا في وقت كانت الشعوب العربية نائمة على آذانها، واجهوا الرصاص الحي بأجسادهم وخلفوا في صفوفهم شهداء وبفضلهم انتزعوا الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير التي يتوسع مجالها من سنة إلى أخرى بالرغم مما يمكن أن يقال عنها''. ومما يتردد على ألسن سكان وهران، وسكان المناطق الغربية، فإن ما يحتجون بسببه منحصر في أزمة السكن والبطالة وغلاء المعيشة، أو نقص الخدمات اليومية بشتى أشكالها، بالإضافة إلى المطالبة بالحقوق المهنية الاجتماعية، وهنا يكون هم من يقررون الزمان والمكان الذي يباشرون فيه الاحتجاج، سواء بالاعتصام أو المسيرات السلمية، ''لكن أن ينزل علينا مجهولون غرباء بأفكار منبثقة من نيات مبيتة تجاه بلادنا فهذا ما لا نقبله''.
وذكّر شباب وهران ''من يحاولون إشعال فتيل ثورة بالجزائر شبيهة بالنسخة التونسية والمصرية أو الليبية، أنهم أخطأوا العنوان، فهذا الشعب قد سُقيت أرضه بدماء إخوانه إبان ثورتي 54 و88 وخلال العشرية السوداء وتجربته الثورية تبقى نبراسا يُقتدى به ولا تسمح بأن يكون تابعا لغيره''.
لامبالاة في ولايات الشرق
استيقظ سكان الولايات الشرقية، نهار أمس، على هدوء تام، يعكس عدم المبالاة للدعوة إلى الثورة التي انطلقت عبر صفحات ''الفايسبوك'' والتي واجهها سكان الشرق برسائل قصيرة عبر أجهزتهم المحمولة تحذر من الانسياق وراء رغبات جهات غربية، معتبرين أن 17 سبتمبر سيكون درسا لما يعرف بـ''النيف'' الجزائري. لم يختلف نهار يوم 17 سبتمبر بشرق البلاد عن أي يوم سبقه، فقد استيقظ سكان مختلف الولايات على هدوء تام، إلى درجة أن العديد اعتبر أن هذا السبت هو أهدأ يوم منذ سنوات عديدة. ففي قسنطينة بدت الحركة عادية جدا صبيحة أمس وإلى غاية الساعة الثانية بعد الزوال. نفس الوضعية عاشتها كل من ولايات سطيف، سكيكدة، عنابة، تبسة، وغيرها من الولايات الشرقية. وقد سبق هذا التاريخ حملة قادها شباب في مختلف الولايات كان أبرزها على صفحات ''الفايسبوك''، وكذا إرسال رسائل قصيرة على أجهزة المحمول تحذر من الانسياق وراء الدعوات ''المغرضة'' والتي تهدف إلى ضرب استقرار الجزائر. من جهة أخرى اعتبر عدد من القسنطينيين أن ''سبب عدم استجابتهم للدعوات التي أطلقتها جهات مجهولة للقيام بثورة في الجزائر لقلب نظام الحكم، أن الجزائريين عانوا من ويلات اللاأمن وعدم الاستقرار طويلا، معتبرين أن عدم استقرار ليبيا أثـّر في أمن الجزائر، فما بالك بالقيام بثورة في الداخل''.
في حين ذهبت مجموعة أخرى إلى اعتبار هذه اللامبالاة رسالة من الجزائريين إلى الخارج، من قنوات أجنبية.. عربية وغربية، وحتى للأنظمة التي تصر على أن تغذي نار الفتنة في الجزائر، أن الشعب لن يثور ''نيف'' ما دامت فرنسا لا تزال تريد حشر أنفها في الشؤون الداخلية للجزائر، كما فعلت في ليبيا وتفعل في سوريا، مضيفين أن الجزائر ليست تونس ولا مصر، كما أنها لا يمكن أن تكون ليبيا أو سوريا.