يعتبرها الفلسطينيون الأكلة الشعبية المفضلة، لكنها
ليست الأكثر رواجا بينهم لسببين، الأول ارتفاع تكاليفها، والثاني لاحتياجها
لأفران متخصصة في صنعها، وإن كان البعض يصنعها في بيته، لكنهم يقرون بأن
تركها ليديّ الفران وفرنه، يضمن لهم مذاقا أطيب كثيرا.
ويدخل في تحضير «القدرة» إضافة إلى اللحم أو الدجاج،
الأرز والسمن البلدي والثوم والبصل والبهارات الخاصة التي تشترى من عند
العطار (بائع البهارات)، باسم «بهارات القدرة» والملح.
ويطلق على هذا الطبق «القدرة» نسبة إلى الإناء الذي
يطهى فيه، لذلك وحتى تكون «القدرة»، قدرة، فلا بد أن تطهى بالقدرة التي
عادة ما تكون وعاء مصنعا من الفخار او كما في الماضي من النحاس.
وتبلغ تكاليف القدرة الواحدة حوالي 70 دولارا، إذا
كان اللحم المستخدم لحم ضان. فالقدرة تحتاج الى ما لا يقل عن 3 كيلوات لحمة
بعظمها، وإذا كان ثمن كيلو لحم الخروف في الأراضي الفلسطينية يبلغ حوالي
15 دولارا، فهنا نتحدث عن حوالي 45 ـ 50 دولارا للحم، يضاف إلى ذلك ثمن
الأرز والثوم والبهارات والسمن. وفوق ذلك كله تكاليف أجرة الفران التي تبلغ
حوالي 10 دولارات، لذا يقارنها البعض بطبق الكافيار الفاخر المعروف
بأسعاره الملتهبة.
وتنتشر في المدن الفلسطينية الأفران المتخصصة لإعداد
القدرة، وبعضها قد يعتذر لك أحيانا من كثرة ما لديه من قدر يصنعها. وفي بيت
لحم قرب ساحة كنيسة المهد، يعمل الحاج خالد عبيد الله في فرن عمره 100
عام. ويعمل على صنع القدرة منذ عهد الأتراك في فلسطين.
ويبدأ خالد عمله منذ صلاة الفجر حتى وقت متأخر من
الليل في صنع وطهي القدر لأصحابها، قال لـ «الشرق الأوسط»: «إنه يعمل في
الفرن منذ 30 سنة بعد أن تسلمه من والده، إنها مهنة صعبة وتحتاج إلى الكثير
من الخبرة والفن والصبر».
ولا يتفق خالد مع القول القائل إنه من الممكن إعداد
القدرة في البيت، وقال إنها تحتاج الى الحطب، وقدرة مصنوعة من النحاس
تحديدا، ويعتبر خالد أن الحطب والنحاس شرط رئيسي لصنع القدرة التي تحتاج
إلى 3 ساعات من الطهي داخل الفرن الحجري. ويشعر خالد بالإرهاق الشديد في
بعض الأحيان بسبب كثرة الطلب على تحضير القدرة، لا سيما في أيام العيد وشهر
رمضان، ومن كثرة ما يصنع القدر يقول إنه لا يستطيع أن يحصي العدد كل يوم،
ويقول خالد إن العائلات والمؤسسات الرسمية والشعبية تفضل هذه الأكلة، وعند
إقامة الولائم الكبيرة، إنها الأكلة الأفضل.
ويتحفظ خالد على طريقة صنع القدرة، ويقول «سر
المهنة»، لكنه يوضح أنها لا تحتوي إلا على الأرز العادي والسمن والثوم، مع
اللحوم أو الدجاج، ويفضلها هو باللحم، لكنه يقول «إن الغلاء يضطر بعض الناس
لان يصنعوها بالدجاج».
ويحضر إلى فرنه العشرات يوميا يحملون معهم أكياس
اللحم أو الدجاج، ويتركون الباقي له، ويراهن خالد على فرنه القديم الذي لم
يطور فيه شيئا، ويقول بقي منذ أكثر من 100 عام كما هو من دون أي تحديث وهذا
احد الأسرار «من دون هذا الفرن والحطب وقدر النحاس لا يستطيع الآخرون
صناعة القدرة، ويكتشفون أنهم صنعوا أرزا باللحم فقط، إن لها هنا مذاقا
خاصا».