خطبة عيد الفطر في مسجد معالمة بزرالدة عام 1429
أما بعد فإن مما أمرنا الله تعالى به ذكر آلائه والتفكر في نعمه ومظاهر إحسانه وامتنانه ، قال تعالى :" فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الأعراف: من الآية69) وهو أمر ضروري يقف عليه تحقيق مقامات عديدة وعبادات كثيرة، فإن من ذكر نعمة الله حمده وأثنى عليه وشكره، ومن ذكر نعمة الله أحبه ولم يقدم محبة أحد عليه، ومن ذكر نعمة الله رجاه ولم يتعلق بأحدا سواه،
ومن ذكر نعمة الله تواضع له وذل وخضع وانقاد، من ذكر نعمة الله عرف ضعفه وفقره إلى الله تعالى، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (فاطر:15). والذي يريد أن يمتثل هذا الأمر حسبه أن يقف عند بعض هذه النعم لأنه يستحيل استيعابها والإحاطة بها، قال سبحانه :" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" (النحل:18).
1-أيها المؤمنون إن أعظم نعمة هي نعمة الإيمان والهداية نعم إنها أعظم نعمة لأنها تحقق السعادة في الدنيا والآخرة، ولأن ثمرتها جنة الخلد "أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا "(الرعد:35) جنة عرضها السماوات والأرض ، وهل ينفع المال العبد إذا لم يكن مؤمنا مهتديا؟ وماذا يصنع بجاهه إذا كان ضالا، "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء:89) وقد امتن المولى عز وجل بهذه النعمة علينا فقال:"بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"(الحجرات: من الآية17) كما امتن علينا ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة .فقال :" لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ" (آل عمران:164). فاللهم لك الحمد على نعمة الإيمان ونعمة الإسلام ، اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيام السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن.
2-ومن نعم الله تعالى علينا المساجد تلك البيوت التي نتعلم فيها شرائع الإيمان، وبلزومها نثبت على الهداية، تلك البيوت التي جعلها الله تعالى علما على أرض الإسلام، وينادى من مآذنها إلى الصلاة، ويشهد لله تعالى بالوحدانية ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، تلك البيوت التي تتخرج منها الأجيال التي تحمل لواء العلم والقرآن تلك البيوت التي تقام فيها حلق الذكر فتنزل على أهلها السكينة وتغشاهم الرحمة وتحفهم الملائكة، "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (النور:37). فاللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
3-ومن نعم الله تعالى نعمة الأخوة وإن الأخوة ثمرة من ثمار الإيمان الصحيح ومن آثار الهداية إلى منهاج الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم :"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وقال صلى الله عليه وسلم :"أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض فيه"، إنها الأخوة التي توجب محبة الله تعالى ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:" وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيّ" (رواه مالك) والتي توجب تظليل الله تعالى في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله "يَقُولُ الله تعالى يَوْمَ الْقِيَامَة:"ِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي" (مسلم). والتي تورث لذة الإيمان، قَالَ صلى الله عليه وسلم :" ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"(متفق عليه). والتي توجب دخول الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" (رواه مسلم). إنها الخصلة التي حصر الله العلاقة بين المؤمنين فيها فقال:" إنما المؤمنون إخوة"، إنها تلك النعمة العظيمة التي امتن الله بها علينا وأمرنا بذكرها :"وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا" (آل عمران:103) إنها النعمة التي لا تعدلها كنوز الأرض كلها، قال تعالى:" هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (الأنفال:62-63). فاللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
4-ومن نعم الله تعالى رمضان الذي أنزل فيه القرآن كتاب الهداية الخالد، والذي فيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، شهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة، شهر التوبة والتقوى، شهر العفو والصفح والتسامح، شهر الزهد والعبادة والورع، شهر التآخي والتآزر والتناصر، شهر لله فيها عتقاء من النار كل ليلة، شهر التجارة مع الله تعالى والمنافسة في الخيرات، قال بعض السلف:" رمضان سوق قام ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر". وكان ابن مسعود يقول إذا انقضى رمضان:"من هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه!". لكن باب التوبة –والحمد لله وحده-لا يزال مفتوحا فمن ضيع رمضان فلا يضيع جميع عمره. قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" (رواه مسلم). 5-ومن نعم الله تعالى نعمة الحياة هذه الأيام والسنوات هذه الشهور والساعات التي نحياها ونتمتع فيها، ومن نعمته أن مد في أعمارنا حتى عرفنا طريق الهداية وتمكنا من الأعمال الصالحة ، وأن مد أعمارنا حتى أدركنا رمضان، فاللهم تقبل منا الصيام والقيام واللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. ولك الحمد ربنا حتى ترضى ولك الحمد حين ترضى ولك الحمد إذا رضيت.
6-ومن نعم الله تعالى علينا نعمة العيد يوم يفرح فيه المؤمن بفطره وتمام عبادته "وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه"، وإن العيد من شعائر الإسلام العظيمة، يخرج فيه الناس جماعات وزرافات لأداء الصلاة التي شرع النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون في المصلى ليظهر الدين وليظهر أهل الإسلام ولترفع الأصوات بتكبير الله تعالى وتوحيده وحمده والثناء عليه في كل مكان، ويأتي العيد بعوائد الإحسان ومنح من الإله المنان، ومع فرحة العيد تظهر الأخوة التي من أثرها التناصح والتصالح والتسامح ، والتعاون والتآزر والتزاور، ومن أثرها صلة الأرحام وإطعام الطعام وتبادل طيب الكلام، ومن أثرها المحبة وصفاء القلوب والمصافحة ومحو ذنوب. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . شكر النعم أيها المؤمنون اشكروا نعم الله عليهم يحفظها لكم المولى عز وجل ويديمها ويبارك لكم فيها، قال تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" (البقرة:172) وقال تعالى:" فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" (النحل:114) وقال تعالى:" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ" (البقرة:152). والشكر مبني على خمس قواعد لا يتم إلا بها : خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له ، واعترافه بنعمته ، وثناؤه عليه بها، وأن يستعملها في طاعته لا فيما يكره. واحذروا كفر النعم ولا تكونوا الكذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلو قومهم دار البوار، قال تعالى :"وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (البقرة:211) وقال :"ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الأنفال:53). اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
وصايا
أيها الآباء، إنكم مسؤولون على أزواجكم وعلى أولادكم "والرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته"، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة" (التحريم:6) - أيها الآباء إن تربية الأولاد أمانة عظيمة تسألون عنها فمروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وعلموهم الصيام ربوهم على الأخلاق والحياء، وشجعوهم على الاستقامة والالتزام بالطاعة.
أيتها النساء اتقين الله تعالى، فإن الرسول رآكن أكثر أهل النار، فإياكم وكثرة اللعن إياكم وكفران العشير، وأكثرن من الصدقة وتصدقن ولو من حليكن. - واجتنبن مجالس الغيبة والنميمة ولا تدخلن الحمامات ولا تفرطن في الدعوة إلى الله تعالى في البيوت والمناسبات والحفلات. - وإياكن والتبرج فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لعن المتبرجات وأمر بلعنهن، والزمن بيوتكن "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى" (الأحزاب:33) وعليكن بلباس الحشمة والوقار.
أيها الشباب أطيعوا الله ورسوله واستقيموا على شرع الله ولا تغرنكم شهوات الدنيا وعليكم بالعلم النافع والعمل الصالح وإياكم والالتزام الأجوف، ولا تضيعوا أحسن أعماركم ، وأحسنوا إلى والديكم وأطيعوهم ولا تعقوهم واطلبوا العلم فإن فيه الطريق إلى هدايتكم وثباتكم. - غضوا من أبصاركم واحفظوا فروجكم ولا تتعرضوا للفتنة وأسبابها. - أنتم أمل الأمة تسلحوا بالعلم واستعدوا لحمل أعباء الدين وتحمل هموم أمتكم.
"اللهم لك الحمد كله ، اللهم لا قابض لما بسطت ، ولا باسط لما قبضت ، ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ، ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ، ولا مقرب لما باعدت ، ولا مباعد لما قربت ، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك ، اللهم إنا أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول ، اللهم إنا أسألك النعيم يوم العيلة، والأمن يوم الخوف ، اللهم إنا نعوذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين ، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك ، واجعل عليهم رجزك وعذابك"
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصرنا على أعداء الدين ، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين شرا فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحوه وتدميره في تدبيره، اللهم اعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك