المبحث السابع : التأديب بالعقوبة
والأسلوب السابع والأخير من أساليب التربية: هو أسلوب التأديب بالعقوبة، ومما لا شك فيه عند كل مسلم أنه أسلوب تربوي مشروع، دل عليه الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، ومن ذلك حديث مُعَاذٍ قَالَ أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ ذكر منها:« وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ وَلَا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ» ([1])، وفي الحديث:« علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم»([2]).
ولكن ينبغي التنبه إلى ضوابط التأديب بالعقاب وأحكامه، فإنه قد اكتنفته في واقع المسلمين اليوم مفاهيم وتصرفات حرفت مقصوده وحقيقته، كشأن المربين الذين يمارسون على الأولاد إرهابا ويسومونهم عذابا ثم يقولون:" لابد من الحفاظ على الهيبة، ونريد تربيتهم على الخشونة والرجولة، وهكذا ربانا آباؤنا"، إلى غير ذلك من الحجج الواهية، وإنه إذا انحرف المفهوم ولم تراع الضوابط انقلبت النتائج حتما رأسا على عقب، كما حدث في المجتمعات الغربية التي لم تكن لها شريعة تحكم مثل هذه المسائل التربوية وتمادى الناس في استعمال العنف ضد الأولاد والتلاميذ، حتى حدثت ردة فعل غير عقلانية جراء ذلك فمنعوا من أن يكون للمربي حق العقاب، وحرموا على الآباء والأمهات ضرب أولادهم ولو كان ذلك في صالح الأولاد، فأصبح الولد يُنتزع من والديه إذا ما زجروه عن منكر فعله أو عنفوه في مصلحته.
لأجل هذا رأيت أن أتكلم عن هذا الأسلوب بإبراز ضوابطه الشرعية، التي إن التزمها المربون حصلوا المقصود الشرعي، ثم لم يكن لمنكر عليهم حجة إن شاء الله تعالى.
المطلب الأول : ليست العقوبة أسلوبا أصليا في التربية
لا ينبغي أن يستعمل هذه الأسلوب ابتداء وأصالة، وإنما هو أسلوب احتياطي يُلجأ إليه بعد استفراغ الوسع واستنفاذ الوسائل الأخرى الأصلية في التربية، وهي التعليم بكل طرقه التي ذكرنا فيما مضى والترغيب والترهيب والقصة الهادفة والقدوة الحسنة وما انطوى تحتها، ومنه فإنه من الخطأ أن يعاقب الولد على خطأ فعله لأول مرة ولم يسبق أن نُبِّه عليه، ومما يدل على هذا؛ قوله تعالى في بيان طرق تأديب الزوجة الناشر أي العاصية لزوجها: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء:34) فالموعظة عند خوف النشوز، والهجر في المضجع عند ظهوره، والضرب عند تكرره ولا يجوز للجوء إلى الضرب ابتداء، ومما يدل على هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:« مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ»([3])، فابتدأ بالتعليم الذي يدوم ثلاث سنوات ليستحق الولد بعد ذلك أن يضرب عليها، ولقد كان من عدل المولى عز وجل أن جعل عذاب الآخرة لمن عصاه مشروطا ببلوغ الرسالة وقيام الحجة فقال : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء:15) ونص الفقهاء على أنه لا تقام الحدود (وهي عقوبات شرعية في الدنيا) على من جهل الحكم الشرعي حتى يكون عالما به، وقد نبه العلماء على هذا الأصل التربوي منهم الإمام أبو الحسن القابسي في الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين، وجعل الرفق هو الأساس في التعامل مع الصبيان، وأجاز للمعلم أن يشدد عليهم لأنه هو الناظر في زجرهم عما لا يصلح لهم، والقائم بإكراههم على منافعهم، فعليه أن يسوسهم بكل ما ينفعهم لكن بشرط أن لا يخرج في ذلك عن إطار الرحمة المفروضة عليه والمصلحة التي تعود على المتعلمين([4]).
المطلب الثاني : ليس الضرب هو الوسيلة الوحيدة للعقوبة
كما أن التأديب والعقوبة آخر طرق التعليم، فإن الضرب والإيلام آخر طرق التأديب، فعلى المربي أن يعلم أن ذم الولد وتوبيخه عقوبة، وأن حرمانه من الجوائز دون إخوانه وأقرانه عقوبة، وأن التهديد والوعيد عقوبة، وأن الهجر وعدم التكليم للطفل عقوبة.
ومن العقوبات أيضا الأمر بتصحيح الخطأ عمليا وهي من صور العقاب الإيجابي، كأمر الطفل بإصلاح ما أفسد، جمع ما فرق، وتنظيف ما لطخ، وكذلك تكرير كتابة ما أهمل كتابته ونحو ذلك، وأمر الأولاد بتصحيح الخطأ يربي فيهم النهوض للأمثل، والارتقاء للأفضل.
وسيد المربين محمد صلى الله عليه وسلم قد استعمل في تربية الكبار والصغار من حوله كل الوسائل الشرعية للتربية ولم يصل أبدا إلى استعمال الضرب، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:« مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ »([5]).
والاختيار في استعمال هذه العقوبة أو تلك هو كاستعمال الأدوية المرجع فيه إلى المربي أو المعلم الذي يختار ما يراه مناسبا للحال ومجديا أكثر من غيره، والأمر يختلف من طفل إلى طفل آخر إذ من الأطفال من يكفيه التوبيخ لينزجر ومنهم من لا يكفيه وهكذا، ويختلف من خطأ إلى خطأ إذ الأخطاء درجات، فمن لم يُحسن القراءة والكتابة من التلاميذ مثلا فإنه لا يستحق الضرب، لأننا مطالبون بتعليمه وتوجيهه والإعادة والتكرار والصبر عليه، ولكن إن رأينا تهاونه وعدم اهتمامه فحينها تشرع العقوبة بالذم والتوبيخ، كالوصف بالكسل وبيان تفوق الأقران عليه، وليس مثله من أساء التصرف مع زملائه وتلفظ بما لا يليق من الألفاظ، وقد نصَّ القابسي في كتابه على أن عقوبة المعلِّم يجب أن تتناسب مع الجرم ليكون لها مردود تأديبي، وأن عقوبة الضرب إنما تسلط على التلميذ الذي لم ينفع معه لوم ولا تقريع، أو الصبي الذي يعتدي على زملائه أو يهرب من المدرسة، واشترط لذلك شروطا يأتي ذكرها في آخر نقطة من هذا المبحث([6]).
المطلب الثالث : لابد أن يكون الخطأ مستحقا للعقاب
إن الأخطاء التي يقع فيها الأولاد ليست جميعها موجبة للعقاب، فلا ينبغي التساهل في هذا الباب، وليس الحال كما يصنع كثير من الناس فهذا يعاقب الولد لأنه لم يحسن الكتابة أو القراءة وكأن الولد هو المسؤول عن تعليم نفسه، وذاك يعاقب الولد الصغير أو يعنفه لأنه نسي شيئا أو ضيع درهما، فهذه ليس من الأخطاء فضلا تكون موجبة للعقاب، فالطفل في بداية عمره ربما لا يحسن حمل كوب فيسقط منه وينكسر، لأنه ما زال لا يتحكم في حركاته فهل يستحق العقاب أو التأنيب؟ الواجب على المربي أن يقول له في مثل هذه الحال:" الحمد الله أنك لم تصب بأذى، وأنا أعرف أنك لم تتعمد لكنه سقط منك عن غير قصد، والخطأ حين تتعمد إتلافه". بهذه الطريقة يكون المربي قد بيَّن للطفل حرصه على سلامته واهتمامه به، وحدد له الخطأ الذي يستحق أن يعاقب عليه.
نعم تضييع الصلاة شأن خطير يستحق الولد عليه الضرب بنص الحديث، وكذلك التفريط في الحجاب، وتكرر العادات السيئة من الولد موجبة للتأديب كالكذب والتجسس أو السرقة، وإذا لم يعاقب المربي الولد عليها كان مسيئا.
ومما يُذكَّر به المربي في هذا المضمار حديث أبي مسعود الأنصاري قال :«كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ »([7])، وهذا محمول على التعدي في الضرب.
المطلب الرابع: إعلام الولد بالسبب واجتناب ساعة الغضب
إن المربي الذي يرجو إقلاع الولد عن خطئه ينبغي تكون عقوبته للولد حين استحقاقها ومع إعلامه بها، وما يفعله كثير من المربين من تجميع الأخطاء وعدِّها للولد ثم ضربُه عليها جملةً فخطأ تربوي محض، إذ أنها لم تقترن إلا بالخطأ الأخير الذي لا يكون في الغالب إلا سببا تافها، يعتبره المربي النقطة التي أفاضت الكأس، ولأن الولد لا يعلم من أسباب تلك العقوبة إلا هذا الأخير منها وهذا لا يفيده.
وكذلك على المربي الذي يرجو صلاح الولد بحق أن يجتنب العقوبة متى كان مغضبا أو مهموما، لأنه في مثل هذه الحال قد يكون ضربه إياه من شفاء الغليل والترويح على النفس، ولأنه قد يخرج عن حد العدل والإنصاف، وقد أنزل العلماء هذه الحال منزلة القضاء بين الناس، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ»([8])، لأن ذلك يفقد توازنه وتركيزه وحسن تقديره للأمور.
المطلب الخامس : لابد أن يراعى سن الولد وفهمه
ومن الأمور المهمة في هذا الباب مراعاة سن الولد وفهمه وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حيث قال في الصلاة:« واضربوهم عليها في عشر» إذا أن هذا التحديد جاء لمعنى معقول، وهو أن مظنة فهم قدر الصلاة ومقاصدها تكون متحققة في هذه السن، ولا يعم هذا التحديد كل أمر كما ذهب إليه بعض أهل العلم، لأن ثمة أمورا أخرى يفهمها الولد قبل هذه السن فيستحق أن يعاقب عليها.
وسئل الإمام أحمد عن ضرب المعلم الصبيان، فأجاب بثلاث كلمات:« على قدر ذنوبهم، ويتوقى بجهده الضرب، وإن كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه»([9]).
ومما ينبغي التنبه له أن من العقوبات ما لا يصلح للأولاد في سن معين ويصلح في سن أخرى، كعقوبة الحرمان من الجوائز تفيد في حق الصبيان الصغار أما من بلغ سن العشرين مثلا فلا تصلح له، كعقوبة هجر تصلح في حق الولد الكبير ولا تصلح في الصبي الصغير جدا وقد تؤثر على نفسيته سلبا وذلك فساد لا ينبغي.
المطلب السادس : الحذر من الإكثار من العقوبة
ومن الضوابط التي ينبغي رعيها في العقوبة عدم الإكثار منها ، لأن ذلك يذهب تأثيرها من جهة ويُجرأ الولد على معلمه ومربيه من جهة أخرى، فالعقوبة من جنس الأدوية المهدئة التي إذا أُكثر استعمالها اعتادها المريض وذهب مفعولها، وكذلك فإن المداومة على العقوبة قد تثير بغضا للمربي وانعدام الثقة به، وتؤدي إلى مفاسد تربوية كثيرة كاضطرار الولد إلى الكذب والغش، أو جعله يكره البقاء في البيت أو يبغض الذهاب إلى الكُتَّاب أو المدرسة.
يقول العلامة البشير الإبراهيمي مؤكدا هذه المعاني :« ليحذر المعلمون الكرام من تلك الطريقة العتيقة التي كانت شائعة بين معلمي القرآن، وهي أخذ الأطفال بالقسوة والترهيب في حفظ القرآن، فإن تلك الطريقة هي أفسدت هذا الجيل وغرست فيه رذائل مهلكة ، إن القسوة والإرهاب والعنف تحمل الأطفال على الكذب والنفاق وتغرس فيهم الجبن والخوف ، وتبغض إليهم القراءة والعلم، وكل ذلك معدود في جنايات المعلمين الجاهلين بأصول التربية»([10]).
فإن اللجوء إلى التأديب بالعقوبة إنما يكون بعد استفراغ الجهد في الطرق الأخرى كما سبق، وإذا اضطررنا إليه فذلك لا يعني إبطال الطرق الأخرى والاستغناء عنها.
المطلب السابع : ينبغي أن تكون العقوبة تأديبا لا تعذيبا
إن للعقوبة أحكام شرعية لابد من التزامها حتى لا تخرج عن حد التأديب إلى حيز التعذيب، منها:
1-اجتناب ضرب المواضع الحساسة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:« إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» ([11]). وقال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن حق المرأة على زوجها:« أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ »([12]). فينبغي للمؤدب أن يجتب الوجه لما فيه من التقبيح له والتأثير الذي لا يزول، وقد ألحق العلماء أشياء أخرى في هذا المعنى فقال علي رضي الله عنه لجلاد:« اضرب و اعطِ كل عضو حقه واتق وجهه ومذاكيره»([13]).
وقال القابسي:« وليجتنب أن يضرب رأس الصبي أو وجهه فإن سحنون قال : لا يجوز له أن يضر به والضرر فيهما بين، وقد يوهن الدماغ أو تطرف العين أو يؤثر تأثيرا قبيحا فليجتنبا»([14])، ورأى أن الضرب على القدمين آمن.
2-اجتناب شدة الضرب، قال القابسي:« وصفة الضرب هو ما يؤلم ولا يتعدى الألم إلى التأثير المشنع»، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوصي بالنساء خير في حجة الوداع :« فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ »([15]) أي غير مجرح ولا شديد شاق، ومنه فإنه لا ينبغي استعمال العصا الخشبية في المدارس لأنها حتما تترك الأثر في الجسد وتسبب الجرح والكسر وفي استعمال السوط آمان من كل ذلك، ومما يؤكد عليه علماء التربية ضرورة التدرج في شدة العقوبة بحسب تكرر الخطأ.
3-عدم مجاوزة الحد الشرعي للضرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:« لَا يُجْلَدُ أحد فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ »([16]) والحدود حرمات الله تعالى أما ما يتعلق بالأدب دون ذلك فلا ينبغي أن يتعدى به الحد المذكور، قد نص على ذلك كثير من العلماء استدلالا بالحديث، ومن السلف من حد التأديب بثلاثة أسواط، وحمل القابسي خذا التحديد على من كان دون سن البلوغ، واشترط على المعلم إذا أراد تجاوز الثلاث أن يأذن له ولي التلميذ([17]).
4-مما ينصح به في هذا الباب اجتناب معاقبة الولد في الأحوال التي تسبب له حرجا كبيرا فيكون للعقوبة أثر مضاعف غير إيجابي ، كاستعمال الضرب أمام الضيوف فإن ذلك ربما قد يكسر نفسه ويكون سببا لجعله ضعيف الشخصية فيما بعد، وربما يدفعه ذلك إلى العناد، ويكتفى في مثل هذه الحال بالإشارة إليه بالنظرة الشديدة أو إظهار الغضب وعدم الرضا عنه ونحو ذلك.
ومثل هذا تقصد فضح التلميذ أمام أصحابه في المدرسة من غير أهل قسمه، فإنها عقوبة محضة الخطر فيها عظيم وتحقق المأمول منها ضئيل.
5-وينبغي اجتناب الدعاء على الأولاد بالشر، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ »([18]).
6-اجتناب الأساليب المخالفة للشرع في العقاب المعنوي كالبذاءة في التوبيخ والسب لأن هذا يعود الطفل على النطق بمثل تلك العبارات، وكذلك يقال في الإهانة ووصفهم بالفشل والفوضوية والغباء، فإن من أثر هذا -إضافة إلى تعويدهم النطق بهذه العبارات – أنه يفقدهم الثقة بأنفسهم.
7-اجتناب الأساليب المخالفة للشرع في العقاب المادي، كالطرد من البيت، والحرق بالنار، والحرمان من الطعام، لما في ذلك من الفساد وتضييع الحقوق الواجبة عليه، ومن ذلك ما كان يفعل قديما في المدارس من حلق نصف الرأس وتعليق صورة حمار على ظهر التلميذ، أو كشف عورته أمام الزملاء وغير ذلك.
تحذير من تدليل الأطفال
وكما يحذر من الإسراف في العقاب الذي يجعل الولد مريضا نفسيا، كذلك يحذر من الإسراف في الثواب الذي يؤدي إلى تدليل الأولاد، ومن صور التدليل إعطاء الولد كل ما يريده وإرضاؤه بكل وسيلة، وقد تسترضيه الأم بعد أن عاقبه الولد أو العكس وهذا خطأ عظيم.
وإن هذا الأمر الأخير من الأخطاء التربوية الفادحة فإنه يفسد حس الطفل ويجعله يشعر بأن هذه التعاليم التي يؤمر بها وينهى عنها ليس لها معايير محددة([19])، وكذلك يجعله مدللا عند الطرف الذي يدافع عنه ويسترضيه، وينبغي أن يعلم أن تدليل الولد سوء تربية لأنه يولد لدى الطفل الشعور بالخجل وفقدان الإقدام والشجاعة ويورث ضعف الثقة بالنفس، وربما يولد لدية بعد مرور الزمن نظرة حاقدة للحياة، حيث أنه يرى الناس في إقدام وشجاعة وهو في خوف وجبن، ويراهم في حركة وعراك ومجاهدة وهو في صمت وسكون وجمود، ويراهم في تلاق واجتماع وهو في انطوائية وعزلة، ويراهم يسمون للمصاعب وهو في بكاء وجزع إذا أصابته أدنى مصيبة([20]).
فيخرج هذا الشاب إلى المجتمع ليصطدم به وذلك بسبب الفرق الشاسع بين ما لقيه من عناية داخل البيت وبين الحقيقة التي يراها في المجتمع، مما يؤدي به إلى عدم القدرة على التكيف مع المجتمع، وهذا من أعظم أسباب الانحراف خاصة إذا وجد الرفقة السيئة التي تسهل له رغبته في الانتقام من مجتمعه.
[1]/ رواه أحمد (5/238) وصححه الألباني في الإرواء (2026).
[2]/ رواه عبد الرزاق (9/447) وصححه الألباني في الصحيحة (1447).
[3]/ رواه أبو داود (418).
[4]/ الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين ( ).
[5]/ رواه مسلم (2328).
[6]/ الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين (151).
[7]/ رواه مسلم (1659).
[8]/ رواه البخاري (7158) ومسلم (1717).
[9]/ الآداب الشرعية لابن مفلح (1/506).
[10]/ الآثار (2/113).
[11]/ رواه مسلم (2612) وأبو داود (4493) واللفظ له.
[12]/ رواه أبو داود (2142) وابن ماجه (1850) وصححه ابن حبان.
[13]/ رواه البيهقي (8/237).
[14]/ الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين (152).
[15]/ رواه مسلم (1218).
[16]/ رواه البخاري (6848) ومسلم (1708).
[17]/ المنهج التربوي عند القابسي (93).
[18]/ رواه أبو داود (1309).
[19]/ منهج التربية الإسلامية لمحمد قطب (2/115).
[20]/ تربية الأولاد في الإسلام للعلوان (1/322).