شارك موشيه ديان في معظم الحروب العربية الصهيونية، فبدأ حياته عضوًا في الهاغاناه قبل إنشاء الدولة العبرية، ثم قائدا للقوات التي احتلت اللد عام 1948م، وقاد الجيش الصهيوني عام 1956م إبان العدوان الثلاثي على مصر، ثم ذاع صيته بعد هزيمة العرب في حرب 1967م إذ كان وقتها وزيرًا للدفاع، واختتم حياته بعد أن شارك بفاعلية في مفاوضات السلام التي انتهت بالتوقيع على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979م.
المولد:
ولد موشيه صمويل ديان في مستوطنة "ديجانيا" بفلسطين عام 1915م لأبوين يهوديين هاجرا من أوكرانيا واستقر بهما المقام في فلسطين.
النشأة والتعليم:
تلقى ديان تعليمه الابتدائي في مستوطنة "نحلال" التي انتقلت أسرته إليها بعد أن ضاقت بالعيش على أسلوب الحياة الاشتراكية القاسي في مستوطنة ديجانيا والتي كان كل شيء فيها مشاعا عاما لساكني المستوطنة حتى المتعلقات الشخصية كالأمتعة والملابس.
وبعد أن فرغ من تعليمه الأولي التحق بمدرسة الزراعة للبنات التي أُنشئت خصيصًا لتعليم المهاجرات الزراعة، فكان بذلك أول صبي يلتحق بتلك المدرسة.
الحياة الاجتماعية:
تزوَّج وهو في العشرين من عمره من روث شوارتز ابنة زفي شوارتز أحد المحامين الأغنياء في القدس وأنجب منها يائيل التي أصبحت فيما بعد كاتبة معروفة داخل المجتمع الصهيوني.
التوجهات الفكرية:
يؤمن موشيه ديان بأن الدولة العبرية لم تقم على أنقاض فلسطين، ويعتبر الحدود بين دول الشرق الأوسط ليست شيئًا مقدسًا ويدعو إلى تعديلها بما يخدم المصالح الصهيونية ويخلق أمرًا واقعًا يصعب تغييره وفي ذلك يقول: "الحديث عن قداسة الحدود في هذه المنطقة مجرَّد هُراء.. فلم تحدد الحدود بين فلسطين وسوريا إلا عام 1921م، ولم تضم الضفة الغربية للأردن إلا بعد مؤتمر أريحا عام 1948م، ولم تصبح سيناء ملكا لمصر إلا بعد الحرب العالمية الأولى، فالحدود في منطقتنا ليست شيئًا مقدسًا بل هي دائمة التغيير والتعديل".
وينظر ديان إلى العرب نظرة سلبية ويرى أنهم يعيشون في عالم من الأوهام وأنهم كثيرو الحديث عن أمجاد الماضي لأنهم لا يجدون في حاضرهم عظماء يتحدثون عنهم، ويقول "يميل العرب إلى خداع أنفسهم وخداع غيرهم.. وهم يقومون بذلك عن غير عمد.. إنهم يعيشون في عالم من الأوهام كالذي يتعاطى الحشيش ليوهم نفسه بأنه يعيش في الفردوس... ويميل العرب إلى التحدث عن أمجاد الأجداد مثل صلاح الدين ومعارك حطين واليرموك.. وحينما يفعلون ذلك فإننا نبتسم لأنهم يرون أنفسهم في مرآة الماضي، أما نحن فإننا نراهم في مرآة الحاضر.. ليتهم يسألون أنفسهم لماذا يتحدثون دومًا عن عظماء ماضيهم ولا يجدون في حاضرهم أحدًا من العظماء يتحدثون عنه؟!".
الحياة السياسية
نائب فصائل الميدان:
انضم موشيه ديان في مطلع شبابه إلى "الهاغاناه" (جماعة يهودية مسلحة) وسرعان ما أصبح نائبًا لقائد فصائل الميدان التي كان يقودها "إسحاق صاديه" والتي تخصصت في الهجوم المفاجئ على الفلسطينيين، كما اشتهرت بإقامة المستوطنات اليهودية متحدية أوامر سلطات الانتداب.
وقد ابتدع ديان آنذاك طريقة أطلق عليها "البرج والسور" إذ تستولي مجموعته على قطعة من الأرض تحت جنح الظلام وتنشئ عليها برجا للمراقبة وتنصب بعض الخيام وتحفر حولها الخنادق قبل أن تحيط كل ذلك بالأسلاك الشائكة.
شباب ونجت:
انضم ديان كذلك إلى جماعة "شباب ونجت" التي أنشأها ضابط المخابرات البريطاني أورد وينجت والتي تميزت بخفة الحركة والانقضاض السريع على المراكز العربية ليلاً.
في قلعة عكا:
في بداية الحرب العالمية الثانية انضم ديان إلى "البالماخ" وقبضت عليه سلطات الانتداب البريطاني وهو يدرب بعض الشبان اليهود تدريبًا عسكريًّا، وهو ما كانت تعتبره عملاً غير مشروع فحكمت عليه بالسجن خمس سنوات قضى بعضها في سجن قلعة عكا القديمة.
من السجن إلى ميدان القتال:
أفرجت السلطات البريطانية عنه بعد أن قررت هي وفرنسا الحرة تحرير لبنان وسوريا من قوات حكومة فيشي بالتعاون مع بعض القوات اليهودية، فاستدعي ديان لقيادة إحدى الفصائل اليهودية، وفي إحدى العمليات العسكرية بلبنان عام 1941م فقد عينه اليسرى فاضطر إلى وضع العصابة السوداء التي اشتهر بها.
دوره في حرب 1948:
اشترك موشيه ديان في حرب 1948 التي انتهت بإقامة دولة إسرائيل، فكان قائدًا للقوات اليهودية التي احتلت اللد عقب انسحاب القوات العراقية والأردنية منها دون قتال، ثم عهد إليه بعد ذلك بقيادة قوات القدس، وقام أثناء ذلك بمفاوضات سرية مع الملك عبد الله الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وبعد انتهاء الحرب كان ديان عضوًا بالوفد الإسرائيلي في مفاوضات رودس.
دوره في حرب 1956:
أصدر ديفد بن غوريون قرارًا بتعيين موشيه ديان رئيسًا لأركان حرب جيش الدفاع عام 1953م، واستمرَّ في هذا المنصب حتى تقاعده عن الخدمة بالجيش عام 1958م، وإبان تلك الفترة أنشأ فرعين جديدين تابعين للجيش هما فرع المخابرات وفرع التدريب، وأبدى اهتمامًا خاصًّا كذلك بالقوات الجوية وقوات المظلات.
وكان ديان بالاشتراك مع شمعون بيريز وراء صفقات الأسلحة الكبيرة التي حصلت عليها إسرائيل من فرنسا في تلك الفترة، كما قاد بنفسه الاتصالات التي تمَّت بين إسرائيل وكل من بريطانيا وفرنسا وكان الموجه الفعلي لها خاصةً في النواحي العسكرية. وفي تلك الفترة تولى قيادة القوات الإسرائيلية المهاجمة لسيناء في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وقد أكسبته هذه الحرب شهرته الواسعة داخل العالم العربي.
ترك ديان مؤقتًا الجيش في عام 1958م والتحق بمدرسة القانون والاقتصاد في تل أبيب لدراسة الاقتصاد، ثم التحق بالجامعة العبرية في القدس حيث كانت ابنته يائيل تدرس بها.
وزيرًا للزراعة:
عمل موشيه ديان بالسياسة بعد أن ترك الخدمة في الجيش، فالتحق بحزب ماباي عام 1959م وأصبح واحدًا من أشهر أعضائه، ثم اختير وزيرًا للزراعة في حكومة ابن جوريون، وكان يتبع الأسلوب نفسه الذي كان يتبعه في وزارة الدفاع فأكثر من حركته بين المزارع والحقول، وكان مما فعله آنذاك إسراعه بتنفيذ مشروع تحويل مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب فأضاف آلاف الأفدنة إلى الرقعة الزراعية بإسرائيل.
وبعد أن قدم ابن جوريون استقالته آثر ديان الابتعاد قليلاً عن المسرح السياسي، ثم عاد إليه مرة ثانية عضوًا في حزب رافي الذي انشق بقيادة بن غوريون عن ماباي عام 1965م.
دوره في حرب 1967:
تصاعدت وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط وتأزمت الأوضاع السياسية خاصة بعد أن أغلقت مصر مضايق تيران في البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية وطلبت من قوات حفظ السلام الدولية مغادرة سيناء في محاولة من الرئيس جمال عبد الناصر تخفيف الضغط على الجبهة السورية التي جاءته أنباء من الاتحاد السوفياتي بتوجه حشود عسكرية إليها، وأثناء ذلك رضخ رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول لمطالب الجيش وقطاعات واسعة من الرأي العام الإسرائيلي الذين طالبوا باختيار موشيه ديان وزيرًا للدفاع، ولم تمض أيام قليلة على الوزارة حتى كان العدوان قد بدأ وانتهى بنكسة عام 1967م وجنى ديان ثمار الانتصار رغم أن الاستعدادات العسكرية كانت مكتملة قبل توليه الوزارة.
مراسلاً حربيًّا:
وقع اختيار صحيفة معاريف على موشيه ديان للذهاب إلى فيتنام عام 1965م لتغطية أحداث الحرب الأمريكية هناك، وقد انتقده الكثيرون لقبول هذا العرض واعتبروا عمله مراسلاً حربيًّا يحط من شأن الجيش الإسرائيلي الذي كان ديان في يوم من الأيام رئيسًا لأركان حربه، فردَّ عليهم ديان موضحًا أن سبب قبوله هو رغبته في الاطلاع على استخدام أحدث أنواع الأسلحة في ميدان القتال ليطور من معارفه العسكرية.
قبل السفر إلى هناك آثر الذهاب إلى باريس ولندن وواشنطن لمقابلة كبار القادة العسكريين والسياسيين والتحدث إليهم للإحاطة بأكبر قدَّر ممكن من المعلومات والخلفيات السياسية والعسكرية قبل السفر إلى فيتنام، وكان ممن قابلهم وأجرى حوارات مطولة معهم دي كاستري ومونتجومري ومكنمارا وماكسويل تايلور.
ديان وحرب 1973:
تعرَّض موشيه ديان للوم الشديد في حرب 1973م بعد الانتصارات السريعة والمفاجئة التي حققها الجيش المصري، وتحت هذا الضغط قدَّم هو ورئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير استقالتيهما عام 1974م.
وزيرًا للخارجية:
لم يطل بقاء موشيه ديان خارج السلطة فقد اختاره رئيس الوزراء مناحيم بيغن عام 1977م وزيرًا للخارجية، وحقق لإسرائيل انتصارات دبلوماسية لا تقل أثرًا عن الانتصارات العسكرية التي شارك فيها من قبل؛ وذلك كما وصفها هو بنفسه، فبعد عام واحد من توليه المنصب الجديد دخل في مفاوضات مباشرة مع إدارة الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات في كامب ديفد انتهت بالتوقيع على أول اتفاقية للسلام بين إسرائيل ودولة عربية عام 1979م.
وفاته:
بعد عامين من تحقيق موشيه ديان نصرًا دبلوماسيًّا بالتوقيع على اتفاقية سلامٍ مع مصر جاءته المنية بعد إصابته بسرطان في القولون فمات في عام 1981م عن عمر يناهز 74 عامًا.