قالت "إيتمار العجوز" منتحبةً: "إنني كنت أفضِّل أن أموت قبل أن أشهد هذا اليوم، يا لها من فظاعة!! مثل هذا يرأس الحزب الذي رأسه دفيد بن غوريون في يوم من الأيام؟!".. هذا هو رد الفعل الأول لإيتمار العضو الأقدم في اللجنة المركزية لحزب العمل عندما تأكَّد للجميع فوز وزير الدفاع الصهيوني بنيامين بن أليعازر بقيادة الحزب في الانتخابات التي جرت مؤخرًا.
ومثل إيتمار معظم قادة حزب العمل وكذلك المراقبون في الدولة العبرية؛ فهم قد أصيبوا بالدهشة من المآل الذي انتهى إليه الحزب الأكبر في الدولة العبرية، فالحقيقة أن بن أليعازر كان أول شرقي يتبوَّأ قيادة الحزب الذي تتابعت على قيادته النخب الإشكنازية (ذات الأصول الغربية) منذ تأسيس الدولة، لكنَّ ذلك ليس سبب الصدمة بل ثمة أسباب تتعلق بشخصية فؤاد اسمه الحقيقي.
ذكريات طفولته.. السلسلة الذهبية للأكاذيب!!
وُلد بن أليعازر في إحدى ضواحي مدينة بغداد في الثاني عشر من فبراير من عام 1936 لعائلة يهودية ميسورة الحال، وكان يُسمَّى "فؤاد"، وهو الاسم الذي ما زالوا يطلقونه عليه حتى الآن؛ بحيث إنهم يقولون "بنيامين فؤاد بن أليعازر"، وقد هاجر بن أليعازر ضمن موجات الهجرة التي نظَّمتها الوكالة اليهودية في عام 1950 عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، وفي برنامج "من الجمعة للسبت" الذي بثته الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية بتاريخ (12/4/2001) تحدث بن أليعازر عن تأثير مرحلة طفولته في العراق على بلورة خطته الفكرية والسياسية، وادَّعى في هذا البرنامج أن العراقيين كانوا يعتدون عليه وعلى أفراد عائلته وعلى اليهود في الحي دون أي أسباب!!
ويشير بن أليعازر إلى حادثةٍ كان لها بشكل خاص تأثيرٌ على إصراره فيما بعد على الانضمام للجيش والتطلع لتبوُّؤ مناصب قيادية فيه ليستطيع الانتقام؛ فيدعي بن أليعازر أنه في عام 1949 شاهَد مجموعةً من البوليس العراقي وهي تقتل تاجرًا يهوديًّا عراقيًّا يُدعى "أشر بينو" أمام ناظريه.. يقول بن أليعازر: إنه بعد هذه الحادثة عاشَ وهو يشعر بميل للانتقام من العرب أينما كانوا.
هاجر بن أليعازر وحيدًا من العراق بدون عائلته التي هاجرت بعده بأربع سنوات، وقد تبنَّتْه إحدى العائلات اليهودية التي هاجرت من العراق، وعندما كان في السابعة عشرة من عمره انضمَّ للجيش، وتخرج في إحدى الكليات العسكرية، وانضمَّ للواء "شاكيد"، وفي عام 67 كان قائد كتيبة في الحرب على الجبهة المصرية، وفي أوائل السبعينيات انتقل بن أليعازر للعمل في مجال الاستخبارات.
يعتقد بن أليعازر أن أهم إنجاز في حياته العسكرية كان عندما أوكلت إليه الحكومةُ الصهيونيةُ في عام 75 مهمةَ الاتصال بـ"الموارنة" في لبنان وبناء تحالف معهم يُقصد منه التأثير على استقرار الأوضاع في كل من لبنان وسوريا، ويقول بن أليعازر في نفس البرنامج الإذاعي آنف الذكر: إنه كان يشعر بالفخر عندما كانت الحكومة وقادة الجيش يستدعونه للاطلاع منه على نتائج الاتصالات التي كان يُجريها مع قادة الموارنة في لبنان، مع أنه كان ضابطًا صغيرًا آنذاك، ويُعتبر بن أليعازر مهندس التدخل الصهيوني في لبنان، وكان يعارض الانسحاب أحادي الجانب من هناك.
وفي عام 1980 انتقل بن أليعازر لتولي منصب قائد قوات الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصبح برتبة عميد في عهد حكومة مناحيم بيغن، وباعتباره قائدًا عسكريًّا للأراضي المحتلة وقَّع بن أليعازر على 325 أمرَ إبعاد لنشطاء فلسطينيين إلى الدول العربية وعلى أوامر لهدم 400 منزل فلسطيني"، وبعد قيادة الجيش في الأراضي المحتلة انتقل ليكون منسق شئون الضفة الغربية وقطاع غزة في وزارة الدفاع وكان برتبة لواء، وظل في المنصب حتى تم تسريحه في عام 84.
"سياسي بالصدفة".. والعُهدة على زوجته الرومانية
بعد أسبوع من تسريحه من الخدمة في الجيش في شتاء عام 1984 كان بن أليعازر قد تلقَّى عرضًا لترؤُّس إدارة شركة الكهرباء في الكيان الصهيوني، وعندما كان يهم بتسلم عمله الجديد في السلك المدني فإذا به يتلقَّى مكالمةً من واحد من أكثر الناس الذين أثاروا الإعجاب في نفسه، وهو رئيس الكيان الصهيوني السابق الجنرال "عيزرا وايزمان"، فقد عرض عليه وايزمان أن ينضمَّ إلى حزب "يحاد" الجديد (يمين وسط) الذي شكَّله للتوِّ للتنافس في الانتخابات التي كان من المقرر أن تُجرَى في الصيف من نفس العام.
حاول بن أليعازر إقناع وايزمان أن عمله في شركة الكهرباء أكثر جاذبيةً عن العمل في مجال السياسة، لكنه في النهاية وافَق تحت إلحاح وايزمان، فاز الحزب بثلاثة مقاعد فقط في البرلمان بانتخابات 1984، كان من ضمنهم بن أليعازر، بعد ذلك انضمَّ "يحاد" لحزب العمل.
تربيطات+ مجاملات= مكاسب بنيامين (فؤاد)
ولم يكن أداء النائب بن أليعازر متميزًا على نحو ما، إلا أن الذي ساعده دومًا رهاناته الناجحة دومًا في الانضمام للتحالفات الداخلية في الحزب، فقد انضمَّ بن أليعازر إلى معسكر "إسحاق رابين" على الرغم من أن زعيم الحزب كان في ذلك الوقت شمعون بيريز، ومن هنا عندما أصبح رابين زعيمًا للحزب ورئيسًا للوزراء في عام 92 كافأه بتعيينه في منصب وزير الإسكان، وخلال السنوات الأربع في هذه الوزارة أخذ بن أليعازر على نفسه مهمة تنفيذ أكبر مشروع تهويدي في القدس الشرقية، الذي أطلق عليه "مشروع القدس الكبرى"، ففي عهده تم بناء 25 ألف وحدة سكنية للمستوطنين اليهود في المدينة المحتلة، مع العلم أن الذي وضع هذا المشروع كان سلفه في المنصب ورئيس الوزراء الحالي أرييل شارون، وقد انضم بن أليعازر إلى معسكر إيهود باراك في صيف عام 96 ودافع عن قيادته للحزب، وفي حكومة باراك شغل منصب وزير الاتصالات، وبعد سقوط باراك كان من أبرز المنادين لضمِّ حزب العمل لحكومة شارون، وقد تم اختياره كوزير للدفاع في إبريل من العام الماضي، وتعترف "دولي" زوجة بن أليعازر الرومانية الأصل في ليلة فوزه بقيادة الحزب بأنه قد أصبح سياسيًّا بالصدفة.
مستقبل حزب العمل تحت حكم الثرثار
تشير استطلاعات الرأي العام بأن الحزب سيصبح حزبًا هامشيًّا من حيث عدد النواب في البرلمان المقبل، بالإضافة إلى ذلك فإن مما يضاعف التحدي أمام الحزب هو حقيقة أن بن أليعازر غير قادر على إقناع الجمهور الصهيونى أن حزب العمل تحت قيادته يمكن أن يمثل بديلاً منطقيًّا لحكم اليمين، سواءٌ بقيادة شارون أو بقيادة رئيس الوزراء الأسبق بنيامين بن نتنياهو، فابن أليعازر الذي من المنتظر أن يمثل الوسط واليسار في الانتخابات المقبلة يتبنَّى عمليًّا مواقف أكثر تطرفًا من بعض غلاة اليمينيين.
زعيم معسكر اليسار الجديد يكاد يكون السياسي الصهيوني الأول الذي يدعو علانية إلى قيام الدولة اليهودية بعمليات إرهابية دون إخفاء ذلك، فقد نقلت عنه الإذاعة باللغة العبرية بتاريخ (15/ 7/ 2001) قوله أثناء جلسة لهيئة أركان الجيش: "علينا أن نواجه الإرهاب بالإرهاب.. نعم علينا أن نستخدم الإرهاب لوقف الإرهاب"، وقد ذهب بن أليعازر أكثر من ذلك عندما دعا إلى تفجير سيارات مفخخة وسط المدن الفلسطينية كردٍّ على أي عملية استشهادية ينفِّذها الفلسطينيون.
جميع كتاب الأعمدة وكذلك الخبراء في الشئون الحزبية في الدولة العبرية أكَّدوا أن المواقف التقليدية اليمينية لبنيامين بن أليعازر ستجعل من إمكانية منافسته لأي مرشح عن الليكود مهمةً مستحيلةً تمامًا؛ لأنه في النهاية سيتوجه لنَيل ثقة الجمهور في الوسط واليسار، وهذا الجمهور في كل الأحوال لا يتطلَّع إلى مرشح يكون نسخةً من مرشح اليمين، وليس هذا فقط مصدرَ خيبة الأمل من انتخاب بن أليعازر لقيادة الحزب.
إن "عوزي برعام"- أحد قادة الحزب السابقين- وكذلك معظم المعلِّقين في الشئون الحزبية في الدولة العبرية يشيرون إلى عدم تحلِّي بن أليعازر بالكاريزماتية اللازمة لشخص يتطلَّع لقيادة حزب في حجم حزب العمل، يقول برعام وكذلك المعلِّقون "دوف جيلهار" و"عنات الياخور" و"يرون ديكل": "إن بن أليعازر متردِّدٌ، ويخشى التصادم، ويحاول بناء مواقف توفيقية؛ فعلى الرغم من مواقفه اليمينية نسبيًّا فإنه غالبًا ما يضطّر إلى الإدلاء بتصريحات متناقضة، لدرجة أن وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أطلقت عليه "الرجل ذو الزيج زاج" أي عدم الثبات على موقف.
وسائل الإعلام الصهيونية التي تجنَّدت إلى جانب المؤسسة الحاكمة في قمعها للانتفاضة كثيرًا ما وجَّهت انتقاداتٍ حادَّةً لأداء بن أليعازر كوزير للدفاع، فقد تحوَّل إلى مادة للسخرية في تعليقات الصحف، فقد وصفَه المعلِّق العسكري "أمير أورن" بأنه "لا يتعامل كسياسي يحكمه خط سياسي معين، بقدر ما يتعامل كموظف لدى شارون يهمه بقاؤه في منصبه" (هآرتس 31/ 7/ 2001).
أما "رون بن يشاي" المعلق العسكري لشبكة التلفزة الصهيونية الأولى فقد أشار إلى أن بن أليعازر هو أول وزير دفاع يترك قيادة الجيش تفعل وتقرر ما تراه مناسبًا دون أن يكون له تأثيرٌ، وأضاف بن يشاي بتاريخ (15/9/2001) "يخيل إليَّ وإلى الكثير من المعلقين العسكريين أن بن أليعازر يعمل كسكرتير لدى رئيس هيئة أركان الجيش!!".
من المآخذ المشهورة عن بن أليعازر الذي يزن 110 كيلو جرامات هي عدم تحوطه لدى إدلائه بتصريحات صحافية، فقد ذكرت الإذاعة الصهيونية بتاريخ (15/10/2001) أن كلاًّ من رئيس جهاز الموساد ورئيس المخابرات الداخلية (الشاباك) قد طالبا شارون بالضغط على بن أليعازر ليكون حذرًا في تصريحاته؛ إذ إنه كشف العديد من أسرار الدولة الخطيرة؛ حيث استطاع الصحفيون بسهولة استدراجه للكشف عن أسرار خطيرة.
ولعل أبرز مثال على ذلك أخبر به أحد الصحفيين، وهو أن شخصًا ما رأى جثث الجنود الصهاينة الثلاثة الذين خطفهم حزب الله، وأن هذا الذي جعل الكيان يجزم بأنهم قتلى، وهذا ما يعني أن بن أليعازر يقرر أن عميلاً للصهاينة استطاع رؤية هذه الجثث وهي في حوزة حزب الله، وهذا يشكل خطرًا على حياة هذا العميل.
وبن أليعازر معروف بعلاقاته الجنسية غير المشروعة، وتقول "جئولا مالميد" الباحثة في جامعة تل أبيب: "إن بن أليعازر يحل بعد موشيه ديان من حيث عدد علاقاته الجنسية غير المشروعة".