شارك رئيس الوزراء الصهيوني السابق إيهود باراك في حربي 1967م و1973م وذاعت شهرته بعد سلسلة الاغتيالات التي نفذتها وحدة الكوماندوز التي رأسها والتي كانت أبرز عملياتها اغتيال كل من أبو جهاد وأبو إياد من قادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، إضافةً إلى بعض القادة الفلسطينيين الآخرين في بيروت، ويعتبر باراك أكثر القادة العسكريين الإسرائيليين حصولاً على الأوسمة والنياشين.
الميلاد والنشأة
ولد إيهود باراك في مستوطنة "مشمار هاشارون" بفلسطين عام 1942م كان يُسمَّى إيهود بروج قبل أن يستعمل الاسم العبري باراك الذي يعني (البرق).
هو من أبناء "الصابرا" وهو مصطلح صهيوني يقصد به اليهودي الذي ولد في فلسطين، فقد ولد في مستوطنة قرب تل أبيب لأسرة عاشت في أوروبا الشرقية وهاجرت إلى فلسطين قبل قيام الدولة اليهودية ، وتطوع وهو في السادسة عشرة في جوالة كتائب الشبيبة العسكرية، وجند بجيش الدفاع الصهيونى في نوفمبر 1959، وكان الأول في مجموعة دورة المتفجرات، وفي عام 1962م أدَّى بنجاح مهمة جمع معلومات استخبارية في هضبة الجولان، حصل على إثرها على أول أوسمته، وبرزت مواهبه كمقاتلٍ شرس، وتدرج في مناصبه العسكرية حتى أصبح في إبريل 1991م رئيسًا لهيئة الأركان، ثم عُين في يوليو 1995 وزيرًا للداخلية، وفي يونيو 1996 وزيرًا للخارجية، وانتخب في نفس العام رئيسًا لحزب العمل خلفًا "لشمعون بيريز".
- ويتسم- كما يصفه المقربون منه- بالصرامة والشدة، واعتداد بالنفس قد يصل إلى درجة الغرور، والميل إلى الاستبداد على نحو عبَّر فيه قادة في حزب العمل عن تبرمهم من تجاهله لهم.
- عُرف عنه في شبابه أنه كان يهوى تفكيك الساعات وإعادة تركيبها، وربما احتفظ من جرَّاء ذلك بعلاقة فريدة مع الزمن، وهو يحاول من موقعه كرئيسٍ للوزراء التلاعب بمحطات التسوية قدر الإمكان.
- كما عُرف عنه أيضًا مراوغته السياسية، وقدرته على إخفاء نواياه الحقيقية وأهدافه الرئيسية حتى إن الكاتب البريطاني الشهير "باتريك سيل" قال عنه: "باراك يظل يمثل لغزًا".
- وفي أحد أحاديثه الصحفية اعتبر باراك نفسه في الوسط ما بين "يوسي ساريد" زعيم حزب "ميرتيس" و"يسرائيل هرئيل" أحد زعماء المستوطنين في الضفة الغربية، ذاكرًا أنه أقرب إلى الأول في كل ما يتعلق بإقامة دولة إنسانية ليبرالية، وأنه يعتبر نفسه من الحمائم على المستوى الأخلاقي، وصقرًا إذا ما تعرَّض كيانه الوجودي للتهديد.
- ويقول صحفي صهيوني يعرف باراك جيدًا وهو "إفرايم سيدون": "إن باراك يبتسم عندما يقال له: إنه ارتكب خطأ، ويجيب: "إني أرتكب عشرة أخطاء في اليوم" قبل أن يستطرد أنه "ضعيف في التفاصيل، ولكنه واثق من صحةِ التوجه العام".
ويضيف "إفرايم سيدون" أنه لو كان مدرسًا يدرس لباراك في مدرسة؛ لكتب في دفتر علامات التلميذ باراك رسالة إلى أهله بمناسبة انتهاء الفصل الدراسي الأول: علاقته بزملائه ضعيفة، ولديهم ملاحظات على قلة اكتراثه بهم، وفي دروسه: مهمل وغير مثابر، ولكنه يتحدث دائمًا كمَن يعاني من مشكلة في تنفيذها كلها، إيهود تلميذ يملك طاقات ومن المؤسف ألا يستفيد منها مما قد يجعله ينتهي مثل تلميذ آخر: بنيامين نتانياهو (سلفه في رئاسة وزراء الكيان الصهيوني).
التعليم:
بعد أن فرغ باراك من دراسته الأولية التحق بالجامعة العبرية في القدس وحصل على درجة البكالوريوس في الفيزياء، ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراساته العليا فحصل على الماجستير في النظم الهندسية الاقتصادية من جامعة ستانفورد.
التوجهات الفكرية:
يؤمن باراك بالاتجاه الفكري لحزب العمل الذي لا يختلف في منطلقاته الأساسية وخطوطه الإستراتيجية عن حزب الليكود، ويدعو إلى الفصل الأحادي الجانب بين "إسرائيل" ومناطق السلطة الفلسطينية عن طريق رسم حدود الكتل الاستيطانية التي ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية، وإقامة منطقة أمنية واسعة على الحدود مع الأردن، تشمل مواقع سيطرة وإنذار مبكر على السفوح الجبلية والوسطى، ويكون بإمكان إسرائيل إدخال المستوطنات المعزولة إلى داخل هذه الحدود.
حياته العسكرية والسياسية:
- ويدل تاريخ باراك العسكري وما قام به من عمليات على القسوة البالغة في تعامله مع العرب.. ففي حديث له نشرته مجلة الأهرام العربي اعترف بأنه أصدر أوامره للجنود بإطلاق النار على الأسرى المصريين في حرب 1967م للتخلص منهم، وفي 10 إبريل 1973م قاد باراك مجموعة تسللت إلى بيروت وقامت باغتيال ثلاثة من رجالات فتح هم "كمال ناصر"، و"يوسف النجار"، و"كمال عدوان"، بعد أن انتزعهم من فراشهم، وقد وصف باراك مشاعره إزاء ما لاحظه على الضحايا من ذهول وفزع.. ذاكرًا أنه لم يتردد في إطلاق النار عليهم، واصفًا ما تناثر من دمائهم وأجزاء أجسامهم، وواصل باراك عمله في اغتيال الفلسطينيين من خلال مجموعة الكوماندوز المعروفة "بالمستعربين" التي كانت تتنكر في أزياء عربية وتندس بين صفوفهم وتقوم بتصفيتهم جسديًّا.
- وكان رد فعله على حكم المحكمة العليا الصهيونية بعدم جواز تعذيب مَن يجري معهم التحقيق من العرب مؤشرًا قويًّا على تجاهله لحقوق الإنسان العربي؛ حيث صرَّح بضرورة اللجوء إلى هذه الوسيلة في بعض الأحيان وأهمية استصدار قانون يبيح ذلك، كما اتسم موقفه من السجناء والمعتقلين الفلسطينيين بالتشدد والرغبة في استخدام ذلك كورقة مساومة سياسية، ولا تزال سلطات الاحتلال ماضية في هدم منازل الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وإقامة المستوطنات عليها في الوقت الذي يعرب فيه باراك عن تعاطفه مع المستوطنين، ويسمح بالبقاء على معظم البؤر الاستيطانية التي أُقيمت دون ترخيص.
- ويتضح من أحاديث باراك الصحفية أن مفهومه للصراع العربي- الإسرائيلي يقوم على الأساس الصهيوني العنصري، ففي حين يعترف بأنه قد حل بالفلسطينيين نوع من الظلم (نتيجة إقامة إسرائيل) إلا أن هذا الظلم أقل من العدل الذي حصل عليه اليهود، وأقل من الظلم الذي كان يلحق اليهود، لو لم يستولوا على أرض فلسطين.
- كما استخلص فريق من المراقبين السياسيين من تاريخ باراك العسكري واعتداده بهذا التاريخ وترديده أنه الرجل الحاصل على أكبر عددٍ من الأوسمة ما مفاده أنه ليس الزعيم القادر على صنع التسوية مع العرب، بل سوف يكون همه الأول هو أمن إسرائيل والمبالغة في تحقيقه على حساب الأرض والحقوق العربية، وقد تأكد لديهم هذا الاعتقاد بما بدأ به باراك حكمه بترديد لاءاته الخمس المعروفة؛ فلا عودة لحدود ما قبل الخامس من يونيو 1967م، ولا للتراجع عن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وتحت سيادتها، ولا تراجع عن ضم مستوطنات الضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيل، ولا سماح بوجود جيش أجنبي أو عربي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين.
- التحق باراك بالجيش الصهيوني عام 1959م، وشارك في حربي 1967 و1973. غير أن شهرته داخل صفوف الجيش ذاعت في أوائل السبعينيات من خلال العديد من العمليات التي قامت بها قوة من الكوماندوز برئاسته تسمى "سيريت ماتكال Sayeret Matkal" ("وحدة هيئة رئاسة الاركان" وهي من أهم وأخطر الوحدات في الجيش الصهيوني)، ومن أهم تلك العمليات اغتيال ثلاثة من قادة منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت.
عملية عنتيبي:
وكانت العملية الثانية التي رفعت أسهم باراك داخل صفوف الجيش وحصل بمقتضاها على العديد من الأوسمة والنياشين في أوغندا، هي المشاركة في عملية إطلاق سراح مائة من الأسرى الصهاينة الذين اختطفوا على متن إحدى الطائرات في مطار عنتيبي عام 1976م.
اغتيال أبو جهاد وأبو إياد:
وفي تونس نفَّذت مجموعته (سيريت ماكتال) حادثة اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) الذراع اليمنى لياسر عرفات عام 1988، وصلاح خلف (أبو إياد) أوائل التسعينيات.
وزيرًا للداخلية:
ترك باراك رئاسة الأركان بعدما اختاره إسحاق رابين وزيرًا للداخلية في يونيو، ثم اختير وزيرًا للخارجية بعد اغتيال رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إسحاق رابين وتولي شمعون بيريز رئاسة الوزراء خلفًا له.
رئيسًا لحزب العمل:
وبالرغم من قلة خبرته السياسية إلا إنه استطاع وفي غضون أقل من عامين أن يفوز على السياسي المخضرم شمعون بيريز في رئاسة حزب العمل عام 1997م، ثم رشَّح نفسه لانتخابات رئاسة الوزراء وفاز على بنيامين نتنياهو بنسبة 56% في مايو 1999م.
الانسحاب من جنوب لبنان:
اتخذ باراك عقب نجاحه في الانتخابات قرارًا بانسحاب الجيش الصهيوني من جنوب لبنان منهيًا احتلالاً إسرائيلاً دام ثمانية عشر عامًا.
مباحثات كامب ديفيد:
حضر إيهود باراك في يوليو 2000 القمة الثلاثية التي عُقدت في منتجع كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلنتون ورأس الجانب الفلسطيني فيها ياسر عرفات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ولم تتوصل إلى نتيجة لتباعد وجهات النظر في القضايا الرئيسية مثل القدس واللاجئين.
تآكل الائتلاف الحكومي:
وقعت أزمة سياسية بين حزب العمل بزعامة باراك وكتلة هتوراه مع أعضائها الخمسة في الكنيست بسبب نقل مولد كهرباء على أحد الطرق يوم السبت المقدس عند اليهود، وبانسحاب هذا الحزب تقلص عدد أعضاء الائتلاف الحكومي من 73 إلى 68عضوًا.
وفي 21/7/2000 انسحبت كتلة ميرتس من الائتلاف احتجاجًا على تعيين مشولام نهاري من حزب شاس نائبًا لوزير التعليم، فتقلص الائتلاف إلى 58 نائبًا، ثم كان الانسحاب الكبير في 9/7/2000م حينما قدَّم حزب شاس (17 نائبًا) وإسرائيل بعلياه (4 نواب)؛ احتجاجًا على مشاركة باراك في قمة كامب ديفيد الثانية، فتقلص عدد الائتلاف الحكومي إلى 37 نائبًا.
وكانت كتلة المفدال (5 نواب) آخرين الكتل البرلمانية التي أعلنت انسحابها فأصبح عدد مقاعد الائتلاف الحكومي 32 مقعدًا فقط.
وفي 28/11/2000م صوَّت الكنيست بالأغلبية على قانون يدعو إلى حله وإجراء انتخابات مبكرة، وأعلن باراك فجأةً استقالته وتقديم موعد الانتخابات لرئاسة الحكومة بحيث تجرى خلال ستين يومًا.
انتفاضة الأقصى:
اندلعت انتفاضة الأقصى بعد زيارة زعيم حزب الليكود أرييل شارون للمسجد الأقصى في سبتمبر 2000م تحت حراسة ما يزيد على ثلاثة آلاف جندي، وأدَّى التعامل العنيف الذي اتبعه باراك في إخماد الانتفاضة إلى مقتل حوالي 400 فلسطيني قبل أن يترك رئاسة الوزراء بعد فوز شارون عليه في فبراير 2001م.