يعد حاييم وايزمان أشهر الشخصيات الصهيونية بعد هرتزل، وقد لعب الدور الأهم في استصدار وعد بلفور الشهير عام 1917, وكان رئيسًا للمنظمة الصهيونية العالمية منذ عام 1920 حتى عام 1946, ثم انتُخب كأول رئيس لدولة إسرائيل عام 1949.
الميلاد والنشأة
وُلد حاييم وايزمان في بلدة "موتول" في ولاية "بنسك" إحدى ولايات روسيا البيضاء عام 1874، وكان والده من وجهاء موتول المتدينين، وكان يعمل تاجرًا للأخشاب يقوم بتقطيعها من الغابات ثم ينقلها بعد ذلك إلى الموانئ الروسية لتصديرها.
التعليم
بدأ حاييم وايزمان حياته الدراسية في معبد البلدة؛ حيث درس مبادئ الدين والتاريخ اليهوديَّين واللغة الروسية ولغة "اليديش" التي كان يتحدث بها يهود روسيا، ثم أرسله أبوه إلى "بنسك" لتلقِّي تعليمه العالي هناك وتخصص في الكيمياء، وأكمل دراسته في مدرسة "البولتيكنيكوم" الألمانية التي كانت تُعتبر أشهر معاهد تدريس الكيمياء في أوروبا آنذاك، وحصل منها عام 1899 على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف. وفي عام 1901 اختارته جامعة جنيف للعمل بها محاضرًا مساعدًا، وفي عام 1904 أصبح أستاذًا بجامعة مانشستر في بريطانيا.
الحياة الاجتماعية
تزوَّج حاييم وايزمان من فيرا وأنجب منها ولدَين هما بنيامين وميخائيل، وقد توفي الأخير في حادث تحطم طائرة أثناء الحرب العالمية الثانية.
التوجهات الفكرية
آمن وايزمان بضرورة إنشاء وطن قومي لليهود يحفظ لهم هويتهم وكيانهم من الذوبان في المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها، وقد وهب علمه وجهده وماله لتحقيق هذا الأمر، وكان يسعى دائمًا إلى التقريب بين الفرقاء اليهود وجمع كلمتهم ومحاولة التنسيق بين جهودهم لخدمة الهدف الأعلى وهو إقامة الدولة، وكان من منهج وايزمان في العمل السياسي استعمال كافة الوسائل المتاحة لتحقيق الهدف، فاستعمل الدبلوماسية والعلاقات الشخصية ووسائل الإعلام والمال والتنظيم الدقيق للجماعات والمنظمات الصهيونية ثم الوسائل العسكرية لتحقيق ما يحلم به اليهود وبالفعل نجح في ذلك عام 1948.
ويُعتبر وايزمان أول من حول مسار الحركة الصهيونية إلى مجال الاستيطان والتعمير بدلاً من سياسة المفاوضات والاتفاقية التي كان هرتزل يحصر تفكير الحركة فيها، وحصل وايزمان على وعد بلفور الذي بنَى عليه اليهود دولتهم.
حياته السياسية.. اهتمام مبكر بالسياسة
بدأت اهتمامات وايزمان بالسياسة في وقت مبكر؛ حيث كان يرفض فكرة اندماج اليهود في أوروبا حتى لا يفقدوا هويتهم وكيانهم، رغم أن هذه الفكرة كانت تسيطر على معظم اليهود آنذاك خوفًا من الاضطهاد الذي كانوا يشعرون به، وأثناء دراسته في مدرسة "البولتيكنيكوم" كان طالبًا مميزًا ونشيطًا وسط الطلاب اليهود في ألمانيا ونشط في إقامة علاقات بينه وبين غيره من الطلاب في الجامعات الأوروبية المختلفة.
في المؤتمر الصهيوني الثاني
كلَّف المؤتمر الصهيوني الثاني حاييم وايزمان بتشكيل الوفد الروسي لحضور المؤتمر, وفي عام 1901 كلَّفه بحمل اليهود على شراء أسهم البنك اليهودي الدولي وبنك الاستعمار اليهودي، وبزغ نجمُه داخل المؤتمر واختير عضوًا في الحركة الصهيونية.
مع جيمس آرثر بلفور
رفض وايزمان عام 1903 فكرة اختيار أوغندا مكانًا بديلاً لليهود يُنشئون عليه دولتهم بعيدًا عن فلسطين, وقال عام 1906 أثناء مقابلته جيمس أرثر بلفور "إن اليهود يعتقدون أن استبدال فلسطين بأي بقعة أخرى في العالم نوعٌ من الكفر، فهو أساس التاريخ اليهودي، ولو أن موسى نفسه جاء ليدعو إلى غيرها ما تبعه أحدٌ, وسيأتي اليوم الذي سننجح فيه في استعادة بلادنا, فهذا أمرٌ لا شكَّ فيه".
زعيم تيار الصهيونية العالمية
انقسمت الحركة الصهيونية بعد فكرة أوغندا والمؤتمر الصهيوني السابع عام 1907 إلى قسمين:
- الصهيونية السياسية التي كانت تسعى للحصول على تصريح من السلطان العثماني قبل التفكير في العودة إلى فلسطين.
- والصهيونية العملية التي عملت على إحياء اللغة العبرية والاهتمام بالناحية الروحية وخلق واقع صهيوني في فلسطين.
دوره في وعد بلفور
كانت أهم إنجازات وايزمان خلال الحرب العالمية الأولى؛ حيث ساعدت اكتشافاته العلمية وبالأخص مادة "الأسيتون" في تقربه من القيادات السياسية والعسكرية البريطانية التي راح يلحُّ عليها في استصدار قرار بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين فكان وعد بلفور عام 1917.
السفر إلى فلسطين
كانت المرة الأولى التي سافر فيها وايزمان إلى فلسطين عام 1908 حينما اتَّهمه خصومُه السياسيون بأنه يجاهد من فوق المنابر بالكلمات ولا يعرف شيئًا عن أوضاع اليهود هناك ولا يتحمَّل العيش وسطهم، ووجد بعد سفره أن اليهود في فلسطين يعملون في مزارع المليونير اليهودي روتشيلد وليس عندهم روح المغامرة ويغلب عليهم التواكل، فلمَّا عاد مرةً أخرى إلى بريطانيا قرَّر العملَ بأسلوب مختلف يعتمد على تشجيع الهجرة إلى فلسطين على أن يعتمد اليهود على أنفسهم وسواعدهم في العيش هناك.
الجامعة العبرية
والمرة الثانية التي سافر فيها إلى فلسطين كانت عام 1918 ضمن وفدٍ صهيونيٍّ قررت الحكومةُ البريطانية إرسالَه إلى هناك لدراسة الأوضاع على الطبيعة في ضوء تصريح بلفور، وقد نصحه اللنبي قائد القوات البريطانية في فلسطين بزيارة الأمير فيصل بن الشريف حسين أمير مكة وقائد الجيش العربي وقتئذ، فقابله وربطت بينهما صداقةٌ استمرت مدى الحياة، وفي تلك الزيارة وضع حجر الأساس للجامعة العبرية التي افتتحت بعد ذلك بسبع سنوات (1925).
رئيس المنظمة الصهيونية العالمية
في عام 1920 انتخب المؤتمر الصهيوني الذي عُقد في لندن آنذاك حاييم وايزمان رئيسًا للمنظمة الصهيونية العالمية وظل يشغل هذا المنصب حتى عام 1946.
إنشاء الوكالة اليهودية
نصّ صكّ الانتداب البريطاني في فلسطين في مادته الرابعة على "إقامة وكالة يهودية معترَف بها لتقديم النصح للإدارة البريطانية، والتعاون معها في الميادين الاقتصادية والاجتماعية وغيرها فيما يتعلق بتأسيس الوطن القومي اليهودي، مع اعتبار الجمعية الصهيونية القائمة هي الوكالة اليهودية حتى يتمّ تشكيلها"، فدعا وايزمان المنظمات اليهودية العالمية للاجتماع عام 1929 لانتخاب أعضاء الوكالة، وتم الاجتماعُ وانتُخبت الوكالة وظهرت إلى الوجود في العام نفسه وأصبحت تتحدث باسم اليهودية العالمية.
موافقته على الكتاب الأبيض
وافق وايزمان على الكتاب الأبيض الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام 1930 بعد اتصالات هادئة أجراها مع رئيس الحكومة رمزي ماكدونالد على السماح بهجرة 40 ألف يهودي إلى فلسطين عام 1934 و62 ألفًا عام 1935، وحصل بذلك على خطاب بالموافقة من ماكدونالد، فأعلن موافقته على الكتاب الأبيض، لكن المؤتمر الصهيوني رفض ذلك وطالب بوضع مواثيق تضمن ما أسماه بعدم التنازل ونصحهم وايزمان بالعمل، وبألا يضيِّعوا أوقاتهم في مثل هذه المواثيق، لكن المؤتمر رفض وأسقط وايزمان وانتخب مكانه سوكولوف للرئاسة، لكنَّ وايزمان عاد ونجح في الانتخابات التي أُجريت عام 1935.
مستشارًا كيماويًّا فخريًّا
في هذه الأثناء اختير وايزمان مستشارًا كيماويًّا فخريًّا لوزارة التموين التي كان يرأسها هربرت موريسون، وخُصِّص له معمل يُجري فيه أبحاثه وتجربه، وبدأ تجاربه في إنتاج البنزين الصناعي عن طريق التقطير وعن عمليات التخمير واستخراج الكحول والمطاط الصناعي.
السفر إلى الولايات المتحدة
غادر وايزمان بريطانيا عام 1942 لتلبية دعوة من الولايات المتحدة للإقامة بها لمواصلة إنتاجه في المطاط الصناعي، وقال له تشرشل وهو يودعه- كما كتب وايزمان في مذكراته- إنه يتمنَّى بعد انتهاء الحرب مساعدة عبد العزيز آل سعود في أن يصبح سيدًا على الشرق على ألا يعارض في تحقيق أهدافه، وطلب منه تشرشل أن يحتفظ بهذا السرّ وألا يبوح به إلا لرئيس الولايات المتحدة روزفلت حينما يقابله، وبالفعل وافق روزفلت على هذا الأمر بعد مقابلة وايزمان له.
وفي عام 1947 وأثناء إقامة وايزمان في الولايات المتحدة عرضت بريطانيا القضية الفلسطينية برمَّتها على الأمم المتحدة، وركز وايزمان جهده لمتابعة مشروع تقسيم فلسطين كما عرض آنذاك.
دوره في إعلان قيام دولة إسرائيل
اتفق وايزمان ورئيس الولايات المتحدة الأميركية ترومان على خطة التقسيم التي ستعمل الولايات المتحدة بثقلها على إقرارها في داخل أروقة الأمم المتحدة، واتفق معه على أن صحراء النقب ستكون تابعةً لإسرائيل بعد أن أثبتت الأبحاث العلمية وجود المياه الجوفية بها، وعلى أن يكون لإسرائيل منذ على البحر الأحمر.
وصدر قرار التقسيم بالفعل في 29/11/1947 بموافقة 33 صوتًا ضد 13 صوتًا، وقبل اليهود القرار على الفور؛ لأنه أعطاهم الأرض التي كانوا يحلمون بها، بينما قاوم العرب هذا القرار، ولكي تتجنب واشنطون الغضب العربي والإسلامي تحايَلَت على الوضع فقرَّرت في 19/3/1948 إعادة النظر في الأمر وعرض الموضوع على الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ قرار بوضع فلسطين تحت الوصاية الدولية بمجرد انتهاء الانتداب يوم 15 مايو 1948.
لكن كان ردّ وايزمان قاطعًا: "إنني لا أقيم وزنًا لخرافة القوة العربية العسكرية ولا بدَّ لليهود من إعلان استقلالهم في اليوم التالي لانتهاء الانتداب، هذه هي الخطوة العملية للخروج من هذا الموقف"، وبالفعل في 14 مايو/ 1948 أعلن بن غوريون قيام الدولة اليهودية واعترفت بها على الفور الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
أول رئيس لإسرائيل
اختير وايزمان عام 1948 رئيسًا للمجلس الرئاسي المؤقت وفي عام 1949 انتُخب كأول رئيس للدولة الإسرائيلية.
وفاته
ألَّف وايزمان في عام 1949 كتابَه الذي تضمَّن سيرته الذاتية "التجربة والخطأ" وبعد صراع مع المرض توفي عام 1952 عن عمر يناهز 78 عامًا.