كثيرًا ما يكون الاسم اللامع في عالم السياسة والشخصية ذات المكانة والتاريخ سببًا في الوصول إلى المناصب السياسية الرفيعة، أما في حالة موشى كاتساف- الرئيس الإسرائيلي المنتخب- فإن العكس كان هو الصحيح.
فبعد فترة حكم عيزرا وايزمان التي دامت 7 سنوات احتاج "المجتمع الإسرائيلي" إلى نوع من التغيير على حد تعبير روفين ريفلن أحد أعضاء حزب الليكود، كما أكد موشى كاتساف أثناء الحملة الانتخابية أنه لم يُسقط طائرةً محاربةً مصريةً مثل عيزرا وايزمان، ولم يحصل على جائزة نوبل للسلام مثل شيمون بيريز، ومع ذلك فهو يجب أن يكون رئيسًا لإسرائيل.
وبينما يؤكد كاتساف على تاريخه في الكنيست الذي دام 23 عامًا، فإنه رأى أن أهم مؤهلاته هو كونه شخصًا عاديًّا، وأنه يفتقد إلى اللقب النخبوي كبيريز الذي ارتبط اسمه وتاريخه بعملية السلام، ومع اعترافه بعدم سهولة منافسة شخص كبيريز فقد ألمح إلى أن إسرائيل كانت بحاجة خلال الفترة الأخيرة التي صاحبتها اضطراباتٌ كثيرةٌ إلى شخص يضع أيدلوجياته وانتماءَه السياسي في صندوق ليتعامل مع المجتمع الإسرائيلي، ويساعد على رأب الصدوع التي أصابته.
وموشى كاتساف وُلد عام 1945، وهو الأكبر لثمانية إخوة من أسرة جاءت من إيران في عام 1951، وتربَّى في مخيم للمهاجرين في الطرف الشمالي لإسرائيل، وهي صحراء مهملة حارَّة، ظلت مقرًّا لموجات المهاجرين- من السفرديم (اليهود الشرقيين)- الذين أتوا من العراق، والمغرب، وإيران، وأثيوبيا طيلة 50 عامًا، وهو المخيم الذي أصبح فيما بعد بلدةً عُرفت بكريات ملاتشي.
وحينما انتخب "موشى كاتساف" كثامن رئيس لإسرائيل استقبلت هذه الأنباء في هذا الطرف من البلاد بحفاوة بالغة كبلدة حقق ابن لها انتصارًا ملموسًا.. لقد كان انتصار كاتساف- الإيراني المولد- انتصارًا لمهاجري البلاد وفقرائها والمتدينين من اليهود، "الوجه الآخر لإسرائيل" الذي لم تتقبله النخبة من الإشكيناز "اليهود الغربيين" الذين قادوا الحركة الصهيونية وأسسوا الدولة.
وقد زاد من حلاوة هذا الانتصار بالنسبة لهذا الجانب من الإسرائيليين أن ألزم كاتساف شيمون بيريز الإشكينازي بالمعايير الإسرائيلية لأبناء هذه السلالة المؤسسة، إذ يقول شلومو أزواي (37 عامًا) وهو عامل من بلدة كريات ملاتشي، والذي هاجرت أسرته في نفس العام الذي هاجرت فيه أسرة كاتساف: "إننا الآن ولأول مرة نشعر بوجود ديمقراطية حقيقية".
كما يرى ملايين من الإسرائيليين صورًا لحياتهم في حياة كاتساف، كما يرون في بلدته "كريات ملاتشي" صورًا لمدنهم التي نشأوا فيها، فبعد وصول كاتساف من إيران في سن السادسة مع أسرته وضعوه في معسكر للخيام فوق الطريق الذي عُرف فيما بعد بكريات ملاتشي، وتعلم العبرية والعربية من بعض أطفال المهاجرين الذين كانوا قد أتوا لتوِّهم من العراق ومصر والمغرب.
كانت المدينة لا تمثل لأي منهم جنة الأرض، وكان كاتساف من بين أوائل ساكنيها الذين درسوا بالجامعة، وحتى اليوم فإن 20% فقط من الخرِّيجين من مدارسهم هم الذين يستكملون دراستهم بعد المرحلة الثانوية، فالتعليم فيها يقل كثيرًا عن متوسط المستوى التعليمي في إسرائيل، والتعاظم السريع للتكنولوجيا الحديثة في إسرائيل الذي ساعد على أن ترتفع مستويات المعيشة لتكافئ دول غرب أوروبا لا تبدو في كريات بلاتشي أكثر من مجرد شائعة، والحانات الأنيقة التي تمتلئ بها شوارع تل أبيب هي مجرد حلم بالنسبة لهؤلاء الذين يودون النجاح، لكن كاتساف بقي في كريات ملاتسي، وأصبح رئيسًا لبلديتها وهو في الرابعة والعشرين من عمره قبل أن يأخذ وضعه في عالم السياسة.
وبرغم تأكيد كاتساف على عدم استغلاله لخلفيته الإثنية كيهودي شرقي طوال حياته السياسة وشكواه من الإعلام بعدم حياديته وإعطائه الفرصة كاملةً أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة وإثارة الإعلام لخلفيته الإثنية، فإن الاستياء الطبقي والإثني والسياسي الذي يتولَّد عن الانقسامات الإسرائيلية ظهر في أوضح صوره عقب انتصار كاتساف.
فعقب التصويت السري أذهل كاتساف النخبة العلمانية والإشكينازية بزيارته لاثنين من الحاخامات السفردين الفاعلين، وكلاهما زعيم روحي لحزب شاس المتطرف الذي صوَّتت جبهته لصالح كاتساف وأسفرت عن انتصاره، وتصدَّرت صورة كاتساف وهو يقبِّل يدَ أحد الحاخامات الصفحات الرئيسة للصحف الإسرائيلية، بينما أعلن رابي رافائيل- سكرتير مجلس حكماء حزب شاس- عن سعادته بصعود كاتساف، وتساءل بعض الإسرائيليين العلمانيين عن مدى تأثر الرئيس الجديد بالطوائف الدينية المتشددة.
بينما كتب الكاتب الإسرائيلي آموس آز في صحيفة "يديعوت أحرنوت" أنه يجب تهنئة الرئيس كاتساف على فوزه، ولكنه من الصعب علينا كثيرًا أن نهنئ الكنيست اليوم بعد أن أعطى ظهره لأعظم رجل دولة يعيش في إسرائيل، وأضاف: إن بيريز هُزِم أساسًا بسبب القوة التي تجابهت ضده من الصقور المتطرفين رافضي الواقع والسلام وأعداء التقدم والتنوير.
ولكن آزوي- العامل المحافظ من بلدة كاتساف- قال مبتهجًا: "إن لكاتساف تاريخًا كتاريخ أسرتي، فقد أخبروني بما عانوا، حينما نزلوا من قواربهم وتمت معاملتهم كالجراثيم ووضعهم في مخيمات ومعسكرات اعتقال، ثم إلصاقهم بأماكن مثل كريات ملاتشي، فلم يسكنوا المدن الكبرى.
ويظل الشعور بالاستياء متجذِّرًا عن السفرديم المهاجرين رغم النجاح الذي حققه عدد منهم؛ إذ إن "إيزاك ناخون" خامس رئيس لدولة إسرائيل رغم كونه إسرائيلي المولد فإنه كان من السفرديم ومن مناصري حزب العمل وانتُخب عام 1978، والقائد الحالي للجيش "جين شاؤل موخاز" وكذلك قائد القوات الجوية الميجور "جين دان هيلوتز" كلاهما من السفرديم، كما أن كير مفاوض عملية السلام وسكرتير عام الوزارة شلومو بن عامي، وديفيد ليفي الذي قدم استقالته مؤخرًا من كونه وزيرًا للخارجية كليهما من السفرديم، برغم ذلك يظل الشعور المسيطر على هذا القطاع من الإسرائيليين هو أن يتم إقصاؤهم من الوظائف والسلطة والفرص الحقيقية.
ومع وعيه بهذه المشاعر المريرة يرى كاتساف أن خلفيته وأسلوبه واتجاهه هو أقوى جسر يربط بين القطاعات المختلفة، وقال: "إنني من الجيل الثاني في هذه البلاد، وكان هناك العديد من الاضطرابات في جيل آبائي ازدادت اتساعًا في جيلي، واليوم اشتدَّ اتساعها بظهور الفجوات بين الفقراء والأغنياء، بين العرب واليهود السفرديم والإشكيناز، بين المتدينين والعلمانيين؛ حتى يمكن أن تصبح تلك المسألة كارثة".
وقد ألمح إلى أن جهوده كرئيس للبلاد ستكون لدفع هذه القطاعات لتصبح أكثر تسامحًا، مؤكدًا أن أطفال المتدينين والعلمانيين لا يلتقون إلا في الجيش بعد أن تكون أفكارهم قد تشكَّلت، ويصبح الوقت متأخرًا ليكونوا أكثر تسامحًا، وأن مهمته كرئيس للبلاد أن يزيد من التفاعل والحوار بين القطاعات المختلفة، وأكد أن كل صدع يحتاج رأبُه إلى تركيبة مختلفة.
ولكن هناك في بلدة كريات ملاتشي- بلدة كاتساف- يشوب الاحتفالات شعور بالشك حول جدوى مثل هذه الثورة الاجتماعية؛ حيث يقول رامي حاييم- وهو جار لكاتساف وطبيب أمراض نفسية، والذي جاءت أسرته من أكراد العراق-: "لا شك أن الناس هنا قد تقدموا قليلاً للأمام، ولكن لا يجب المبالغة فيما يعنيه هذا التقدم، فحينما كنت بالجامعة ربما لم يكن بها سوى 2% فقط من طلاب السفرديم، وربما وصلوا الآن إلى 20%، إنها نزعة للتقدم، ولكنها لن تحرز تقدمًا كبيرًا، فهذا لا يعني أن كل السفرديم من الإسرائيليين سيذهبون للجامعة ويصبحون قادةً للجيش، ولكنها تعني إمكانية ذلك، إنها تعني أنك ليس من الضروري أن تصبح من إشكيناز أو سليلاً لعائلة من المليونيرات والأمراء حتى تنجح.
بقي أن نعرف أن كاتساف تخرَّج في مدرسة بين شمين الزراعية وبيروتوفيا، والتحق بقوات الدفاع الإسرائيلية في الخدمة العسكرية، وحصل على درجته "الجامعية" في الاقتصاد والتاريخ من الجامعة العبرية بالقدس.
وكان رئيسًا لمجلس طلاب حزب الليكود في الجامعة العبرية.
- وأول رئيس بلدية منتخَب لكريات ملاتشي في عام 1969 وهو في الرابعة والعشرين، فكان أصغر رئيس بلدية، وكذلك خدم كرئيس بلدية لكريات ملاتشي من عام 1974- 1981م.
انتُخب كنائب في الكنيست منذ عام 1977.
ومن عام 19977- 1981 كان عضوًا في لجنة الكنيست للشئون الداخلية والبيئية، وفي لجنة التعليم والثقافة، كما عمل كرئيس لتجمع المدن النامية لأعضاء الكنيست.
وعمل كنائب وزير للإسكان والبنية التحتية 1981- 1984، ووزيرًا للعمل والشئون الاجتماعية (1984- 1988)، ووزيرًا للنقل (1988 - 1992).
وفي دورة الكنيست الثالثة عشرة (1992- 1996) كان زعيمًا لكتلة الليكود في الكنيست، وعضوًا في لجنة الإسكان.
كما عمل وزيرًا للسياحة ونائبًا لرئيس الوزراء من عام 1996- 1999.
وعمل وزيرًا لشئون العرب، وتم انتخابه في دورة الكنيست الخامسة عشرة في مايو 1999.
وفي أغسطس 2000 أدى اليمين كثامن رئيس لإسرائيل.
وهو متزوج وله خمسة أولاد.
.